مقالات
مفهوم علم الرسوبيات
مفهوم علم الرسوبيات
لم الرسوبيات هو العلم المختص بدراسة الصخور الرسوبية (Sedimentary Rocks) بجميع أنواعها واتجاهات دراستها. بمعنى أنه يعني بدراسة الصخور الرسوبية دراسة متكاملة من حيث:
– أصل نشأتها.
– خصائصها وصفاتها الطبيعية.
– ظروف الترسيب والعلميات الرسوبية المختلفة.
– البيئات والأحواض الرسوبية.
– وغيرها…
تعريف الرواسب والصخور الرسوبية:
الرواسب (Sediments): تطلق هذه الكلمة على أي مادة صلبة (كانت معلقة في مائع)، ثم ترسبت وتراكمت في حوض الترسيب بعد إعطائها الوقت الكافي لذلك. وبكلمة أخرى تعرف الرواسب على أنها نواتج علميات التجوية والتعرية والنقل ثم الترسيب بفعل عوامل الرياح أو المياه والثلوج.
وعندما تتصلب هذه الرواسب وتتصخر تعرف عندئذ بالصخور الرسوبية (Sedimentary Rocks).
مميزات الصخور الرسوبية:
أن أهم ما يميز الصخور الرسوبية بصورة عامة هو وجودها على هيئة طبقات (strata)، واحتوائها على الاحافير واحتواء معظمها على مسامات (pores) تكتسب أهمية خاصة بخزن وتوزيع النفط والمياه والجوفية والمعادن الاقتصادية الأخرى كالفوسفات والفحم الحجري وغيرها.
أهمية دراسة الصخور الرسوبية:
تكتسب دراسة الصخور الرسوبية أهمية كبيرة ليس فقط في مجال علوم الأرض فقط وانما لارتباطها الوثيق بالعلوم الأخرى ولحاجة الانسان الماسة لها. وقد لانجاوز الصواب اذا قلنا أن الاهمية الاقتصادية الكبيرة لها كانت ومازالت الدافع الأساس في أهمية التعرف على هذه الصخور وانواعها، لما تمتاز به من غنى بالمعادن المختلفة وكونها الصخور المولدة والخازنة للنفط والغاز الطبيعي فضلا عن المياه الجوفية. وتتعدى أهمية هذه الصخور الجانب الاقتصادي الى الجانب الاكاديمي والمعرفي في محاولة للتعرف على تاريخ الأرض وتطورها من خلالها فهي تعد بحق السجل الجيولوجي للارض والحياة عليها. فمن خلالها يمكن التعرف على المناخ القديم والجغرافية القديمة واستناج كل من البيئات والعمليات الرسوبية التي كنت سائدة فيما مضى ومحاولة محاكاتها بما يحدث في الوقت الحاضر من تغيرات بيئية وجيولوجية مختلفة.
مفاهيم أساسية لدراسة الصخور الرسوبية:
تشكل الصخور الرسوبية مانسبته (70%) من الصخور المغطية لسطح الأرض. وقبل الخوض في تفاصيل أنواع الصخور الرسوبية وبيئاتها وخصائصها المختلفة، لابد من توضيح بعض المفاهيم الأساسية في دراسة الصخور الرسوبية.
1- تصنيف الصخور الرسوبية:
تتكون الصخور الرسوبية من خلال العمليات الفيزيائية والكيميائية والحياتية. وعلى أساس العملية الأكثر تأثيرا عل تكوينها، فانه يمكن تصنيفها إلى أربع أصناف (جدول1).
ان كل من هذه الاصناف للصخور الرسوبية تقسم الى عدة أصناف ثانوية اخرى اعتماداً على تركيبها المعدني. كما ان العديد من انواع الصخور تتدرج جانيا وعموديا الى الأنواع الأخرى.
2- البيئات الترسيبية والسحنات:
يقصد بمصطلح البيئة (environment) ذالك الجزء من سطح الأرض الذي يمكن تميزه عن غيره من الاجزاء المجاورة له بناءً على مجموعة من المعاملات الطبيعية والكيميائية والحياتية الخاصة بها، والتي بالتالي تؤثر وتتحكم بطبيعة الرواسب المترسبة فيها.
بسبب تنوع العوامل والظروف الطبيعية والمميزة لكل بيئة، فانه هناك عدد لامتناهي من البيئات الرسوبية. الا انه يمكن تصنيف البيئات الرسوبية الى ثلاث أنواع رئيس تقسم بدورها الى بيئات ثانوية أخرى متعددة وهي:
– البيئات القارية: وتشمل كل من البيئات الصحراوية والبيئات النهرية والبحيرية والثلجية.
– البيئات الانتقالية: وتتمثل بكل من بيئة الدلتا وبيئة الحواجز الرملية.
– البيئات البحرية: و تشمل بيئة الارصفة القارية والشعاب وبيئات العكورة والبيئات اللجية.
اما السحنة (facies)، فيقصد بها كتلة أو رزمة من الصخور الرسوبية ذات مظاهر مميزة لها عن السحنات الأخرى. وتتمثل هذه الظاهر المستخدمة في تمييز سحنة صخرية عنسحنة أخرى بكل من التركيب الصخاري لها والحجم الحبيبي والتراكيب الرسوبية والمحتوى الاحفوري وغيرها من المظاهر الأخرى.
تعرف السحنة الصخرية lithofacies على أساس الصفات الرسوبية، بينما السحنة الحياتية biofacies فتعتمد على أساس الاختلافات البانتولوجية. وخلال العمل المفصل يمكن تمييز سحنات ثانوية (او تحتسحنة) sub-facies، وسحنات دقيقة microfacies، وذلك باستخدام المجهر في التمييز مابين الصخور التي تظهر حقلياً بخصائص متشابهه (غالباً تستخدم في دراسة اللايمستون).
يمكن وصف السحنات على أساس:
1- الرواسب نفسها (مثل: سحنة الحجر الرملي ذو االتطبق المتقاطع cross- bedded sandstone facies).
2- العمليات الترسيبية (مثل: سحنة الفيضان النهري stream- flood facies).
3- البيئات الترسيبية (مثل: سحنة المسطحات المدية tidal- flat facies).
هناك العديد من العوامل المسيطرة والمؤثرة على ترسب الرواسب وبالتالي محددة لنوع الصخور الرسوبية والسحنات الناتجة عنها. وبصورة عامة تتمثل العوامل الرئيسة بكل من:
1- العمليات الترسيبية.
يمكن للرواسب أن تترسب بفعل مدى واسع من العمليات، مثل الرياح والمياه الجارية كما في الأنهار، وتيارات المد والجزر وتيارات العواصف والأمواج، وكذلك التيارات المائية المحملة بالراسب مثل تيارات العكورة turbidity currents وجريان الحطام debris flows، والنمو الموضعي in- situ growth لهياكل الحيوانات كما في الشعاب ، وأخيرا الترسيب المباشر للمعادن كما في الم
تترك العمليات الترسيبية سجلها على الرواسب بشكل تراكيب وأنسجة رسوبية sedimentary structure and texture. وبعض من هذه العمليات تكون مثالية ومميزة لبيئة رسوبية معينة، في حين تحصل العمليات الأخرى في مدى واسع من البيئات أي أنها لا تكون مميزة لبيئة معينة.
2-البيئة الترسيبية.
يمكن تعريف البيئة على أساس متغيرات فيزيائية أو كيميائية أو حياتية، وبذلك فهي قد تكون بيئة تعرية، او بيئة عدم ترسيب، أو بيئة ترسيبية. وتتمثل العوامل الفيزيائية المهمة في تعريف البيئة بكل من عامل عمق المياه water depth، ودرجة الاضطراب degree of agitation، والملوحة salinity. وان كل من هذه العوامل تؤثر وتتحكم بمعيشة الأحياء في أو على الرواسب أو في تكوين الرواسب. أما العوامل الكيميائية المهمة فهي كل من جهد الأكسدة Eh، ودرجة الحموضة Ph وذلك لكل من السطح والماء المسامي المؤثرة في الأحياء وترسيب المعادن.
3- الوضع التكتوني.
يعد الوضع التكتوني من أهم العوامل المؤثرة مادام يتحكم بالوضع الترسيبي depositional setting. وعلى هذا الأساس قد يحدث الترسيب في الحافة القارية أو قاع المحيط أو الخنادق أو الجزر. كما يعتمد كل من معدل عمليات الرفع والتجلس، ومستوى الفعاليات الزلزالية، ووجود البراكين على الوضع التكتوني وبالتالي تنعكس عل عملية ترسيب الرواسب.
4- المناخ.
يعد المناخ هو العامل الرئيس في التجوية الهوائية والتعرية وكلاهما يرتبطان بالتركيب المعدني للرواسب القارية الفتاتية. كما ان المناخ هو عامل مساعد في تكوين بعض الصخارية مثل المتبخرات واللايمستون.
ويضاف إلى عاملي التكتونية والمناخ عاملين أساسيين آخرين هما كل من تجهيز الرواسب sediment supply والإنتاجية العضوية organic productivity. فمثلا تساعد المعدلات القليلة من تجهيز الرواسب بتكوين رواسب اللايمستون والمتبخرات والفوسفات والحديد. في حين تكون المستويات العالية من الإنتاجية العضوية مهمة جدا في تكوين اللايمستون والفوسفات والصوان والفحم والسجيل النفطي.
ومن دراسة البيئات الترسيبية المعاصرة والقديمة والعمليات الترسيبية والسحنات فان موديلات سحنية facies models عامة قد وضعت لإظهار العلاقات الجانبية والعمودية بين السحنات. وقد سهلت هذه الموديلات من تفسير التتابعات الرسوبية sedimentary sequence، وكذلك سمحت بالتنبأ بكل من التوزيع السحني والهندسي لها. وقد وضع أهمية التعاقب العمودي للسحنات لأول مرة من قبل جوهانس والتر Johannes Walther وذلك في نهاية القرن التاسع عشر في قانونه المعروف بقانون مظاهاة السحنات (Law of the Correlation of facies)، والذي ينص على أن السحنات المختلفة في التتابع العمودي تعكس البيئات التي كانت في الأصل مجاورة لبعضها البعض، ومبرهنة بذلك على انه لم يكن هناك توقفات رئيسة في الترسيب. كما ان التغيرات العمودية في السحنات تنتج من تاثير كل من العمليات الداخلية للترسيب والعمليات الخارجية. وتتمثل العمليات الخارجية الرئيسة بالحركات التكتونية، التي تعمل بمقياس عالمي اقليمي، والمناخ. وكلا هذين العاملين يؤثران على موضع مستوى سطح البحر sea level، (وهو العامل الأكثر تأثيرا على تطور السحنات)، وتجهيز الرواسب.
3- العلميات التحويرية:
يقصد بالعمليات التحويرية هي كل العمليات التي تبدأ بالتاثير على الرواسب حال ترسبها والى بداية عملية التحول. وبذلك فان دراسة الصخور الرسوبية واالتفكر بها لا تتوقف على التفسيرات البيئية، بل ان هناك قصة طويلة من الاحداث تحدث لها منذ بداية ترسبها وهي ما يعرف بالعمليات التحويرية. فخلال هذه العمليات تتكون الصخور الرسوبية الصلبة من الرواسب المفككة وغير المتصلبة.
هناك عدة انواع من العلميات التحويرية امكن تمييزها. الا انه يمكن تقسيمها الى قسمين أساسيين اوليين وهما: العمليات التحويرية المبكرة early diagenesis، التي تحدث منذ بداية الترسيب الى مرحلة الدفن الضحل shallow burials، والعمليات التحويرية المتأخرة late diagenesis، التي تحدث خلال عملية الدفن العميق deep burial وعمليات الرفع اللاحقة subsequent uplift.
تتمثل العمليات التحويرية بكل من عمليات الاحكام compaction، واعادة التبلور recrystallization، والاذابة dissolution، والاستبدال replacement، والنشأة الموضعية للمعادن authigenesis، والسمنتة cementation، وغيرها.
تعد دراسة العمليات التحويرية مهمة جدا لعدة أسباب، فمثلا يمكنها تغيير كل من التركيب المعدني والنسيجي للرواسب، وفي بعض الحالات قد تؤدي الى تدمير التركيب الاصلي بشكل كامل. كما تؤثر العلميات التحويرية على كل من مسامية ونفاذية الرواسب، وبالتالي التاثير على الخصائص المكمنية لها كخزائن للنفط والغاز والمياه.
الطرق المستخدمة في دراسة الصخور الرسوبية:
تبدأ دراسة الصخور الرسوبية عادة في الحقل. لكن وفقا لموضوع الدراسة واهمية التحريات فان هناك عدة وسائل اخرى لها. وبذلك تجمع النماذج بمقاييس مختلفة من كبيرة macro، و دقيقة أو مجهرية micro، ودقيقة جدا nano. وكذلك تستخدم تقنيات معقدة والالات مختلفة في تحديد معدنية الرواسب وجيوكيميائيتها.
وقد تستنبط هذه التجارب في محاكاة ظروف الترسيب. كما ان المعلومات الماخوذة من كل من الحقل و المختبر يمكن اخضاعها للاختبارات الاحصائية والتحليلات الكمبيوترية المختلفة. كما يجب الاخذ بنظر الاعتبار كل الادبيات الموجودة عن الصخور قيد الدراسة، واي اوصاف مشابهة لها من صخور وسحنات في مناطق اخرى، معا مع مرادفاتها المعاصرة. وبذلك فبجمع كل هذه المعلومات يصبح بالامكان تفسير الصخور قد الدراسة بانسبة لاصلها والعمليات الترسيبية المؤثرة والبيئة الترسيبية، والجغرافية القديمة والتأريخ التحويري، فضلا عن الاهمية الاقتصادية الممكنة والكامنة لها.