الصحة الذهنية والتعليم
الصحة الذهنية والتعليم
قد يظن كثيرون أن النظام التعليمي وظيفته الأساسية هي توفير الموارد البشرية من ذوي الكفاءات العالية في المجالات الحيوية، مثل الأطباء والمهندسين الأكفاء، لكن استناداً لعرّاب علم النفس والإدراك السلوكي العالم النمساوي فرويد، فإن أهم مخرجات النظام التعليمي هو صناعة الإنسان ذي الوعي الذاتي العالي.
ومن هنا جاء السؤال عن الآلية المناسبة التي يستطيع قطاع التعليم توفيرها من حيث المعطيات المطلوبة للوصول لتلك المنهجية المرجوة. يرى كثيرون أن غياب مفهوم الصحة الذهنية هو القطعة الغائبة عن أحجية الوعي الذاتي في نظامنا التعليمي. ورغم التطور المجتمعي الكبير في قبول الصحة الذهنية أخيراً كجزء مهم من الصحة العامة، لاتزال فئة كبيرة من مجتمعنا توازي الصحة الذهنية مع النقص في الاتزان العقلي، ولذلك نرى كثيرين ممن يحتاجون للتدخل الفوري للعلاج السلوكي الإدراكي يتفادونه بسبب هذه البرمجة المجتمعية المغلوطة. تاريخياً، الاهتمام بالصحة الذهنية من الناحيتين التعليمية والأكاديمية ازدهر عندما غيرت منظمة الصحة العالمية (WHO) التعريف الرسمي للصحة، حيث كان التعريف المتداول للصحة هو غياب المرض، لكن تعريف شيء بغياب شيء آخر هو تعريف مبهم وناقص، ولذلك تم تجديد مفهوم الصحة وإقرانه بمفهوم العافية الجسدية والذهنية.
إدراج الصحة الذهنية في نظامنا التعليمي سيساعد الطلبة على تحقيق الوعي الذاتي خلال رحلتهم التعليمية، حيث توافر الأجوبة عن السببية بدلاً من الكيفية، والتي تمثل رأس الهرم في الوعي الذاتي، فمثلاً بدلاً من أن يسأل الطالب نفسه كيف يصبح مهندساً؟ يسأل نفسه لماذا يصبح مهندساً؟
وهذا يتماشى تماماً مع نظرية الكاتب الشهير سايمون سينك صاحب كتاب «ابدأ بلماذا»، والذي تم استضافته في قمة الحكومات العالمية في دبي، حيث شرح الكاتب في محاضرته أن التطور في قطاع التعليم ليس محصوراً بشرح آخر النظريات العلمية واستخدام آخر وسائل التكنولوجيا، بل يجب أن يركز على إبقاء شغف التعليم المستمر للطلاب الذي يتطلب وعياً ذاتياً عالياً.
كما توجد حصص للصحة البدنية، نستطيع إدماج وإدخال مفهوم الصحة الذهنية وتوفير بعض التطبيقات التي يستطيع الطلاب استخدامها، مثل التأمل والتنفس البطيء، الذي يساعد كثيراً في إدارة ضغوط الحياة اليومية في مختلف مجالاتها.
الصحة الذهنية علم بحد ذاته، ويستطيع أن يقدم بطرح مبسط أو مكثف من رياض الأطفال إلى درجة الدكتوراه، حيث وجود ثقافة الصحة الذهنية في نظامنا التعليمي هو ما نحتاج إليه كخطوة البداية.
وفي النهاية أود أن أشيد باهتمام الدولة بالصحة الذهنية خلال فترة تحدي «كوفيد-19»، حيث أطلقت الحكومة كثيراً من البرامج والمحاضرات المجانية التي توضح أهمية الصحة الذهنية للأسرة ككل، خصوصاً لطلاب الحلقة الأولى الذين واجهوا تحولاً كبيراً في أسلوب الدراسة، ما أدى بكثير منهم للانعزال بسبب عدم اختلاطهم مع زملائهم في المدرسة. وكنتيجة إيجابية لتلك المحاضرات عرف الأهالي بعض ممارسات الصحة الذهنية التي يجب توفيرها لأبنائهم الطلبة لتواكب التحديات الموجودة.
=====
اخر المقالات