إعاقة الطفل العقلية كإحدى عوامل الخطورة المحركة لإيقاع الإساءة عليه
إعاقة الطفل العقلية كإحدى عوامل الخطورة المحركة لإيقاع الإساءة عليه
إعاقة الطفل العقلية كإحدى عوامل الخطورة المحركة لإيقاع الإساءة عليه
إعاقة الطفل العقلية كإحدى عوامل الخطورة المحركة لإيقاع الإساءة عليه
إعاقة الطفل العقلية كإحدى عوامل الخطورة المحركة لإيقاع الإساءة عليه
ملخص الدراسة :
هدفت هذه الدراسة إلى التعرف على احتمالية إصابة الطفل المعاق عقلياً بمخاطر سوء المعاملة الوالدية ،والى كيفية تعامل الأسرة مع طفلها المعاق عقلياً.
استخدمت الدراسة منهج دراسة الحالة الفردية القائم على دراسة وضع الطفل المعاق ودراسة أسرته كوحدة تحليلية رئيسية.واستخدمت الدراسة أداة على شكل استبانه وجهت أسئلته إلى المشرف على رعاية الطفل المعاق ، بالإضافة إلى استخدام أسلوب المقابلة المعمقة .
أما عينة الدراسة فكانت قائمة على اختيار طفل معاق عقلياً ممن صنفت حالته في سنة 2000 على أنها إساءة جسدية في مكتـب الخدمة الاجتماعية / إدارة حماية الأسرة وبطريقة مقصودة. وبناء على ذلك فان نتائج هذه الدراسة لا يمكن لها الانسحاب في التعميم على مجتمع الدراسة الأشمل من الأطفال المعاقين عقلياً، ولكن قد تكون نتائج هذه الدراسة مؤشراً لأبرز الظروف والأمور التي قد تشكل قاسم مشترك لموضوع التقبل أو عدمه في الدراسات الأخرى.
وقد خلصت الدراسة إلى جملة من النتائج التي انبثقت من التساؤلات المطروحة في الدراسة ، ومن أبرزها :
1-الطفلة تعرضت إلى الإساءة الجسدية وإساءة الإهمال المتمثلة بالتخلي عنها ” رميها قرب إحدى سكك الحديد ” ، وتعرضها للحرق بماء ساخنة نتيجة إهمالها وذلك بسبب إصابتها المرضية.
2-الأسرة غير متقبلة للطفلة المعاقة إلى حد كبير ، وهناك كثير من السلوكيات الخاطئة والممارسات الخاطئة في عمليات التفاعل والتعامل مع الطفلة .
3-تفتقد الطفلة المعاقة للمهارات الاستقلالية الأولية واللازمة لها نتيجة عدم اهتمام الأسرة وقلة وعيهم بإصابة طفلتهم .
4-تدني المستوى التعليمي للأبوين وتدني المستوى الاقتصادي للأسرة أدى إلى التسريع في إساءة المعاملة للطفلة .
5-لا يتم إشراك الطفلة المعاقة في التفاعل مع أفراد أسرتها ومع المحيط الاجتماعي الخارجي .
6-تنظر الأسرة إلى إعاقة طفلتهم العقلية على أنها وصمة اجتماعية ضاغطة عليهم ، وهي تؤثر عليهم سلباً .
الفصل الأول
– الإطار النظري للدراسة.
– الدراسات السابقة .
المقدمة :
تعتبر الإعاقة من الأمور التي قد تصيب الأطفال في عمر مبكرة وذلك نتيجةً لعديد من الظروف والعوامل التي قد تكون وراثية أو بيئة مكتسبة أو لظروف مجتمعية . لأن هذا الأمر قد يشكل لبعض الأسر مصدراً للقلق والخوف وبالتالي قد يفقدها الكثير من الأساسيات الواجب اتباعها وتطبيقها لرعاية وتنشئة هذا الطفل المعاق عقلياً ، الأمر الذي قد يؤدي إلى الوقوع في مصيدة عدم التقبل (الضمني أو المعلن ) من قبل الأسرة لهذا الطفل ، مما قد يدفع الآسرة إلى إيقاع الأذى بمختلف أشكاله على هذا الطفل المعاق .
ومن هنا فإن هذه الدراسة في خطاها النظرية والميدانية ستحاول التعرف على أهم المسببات والعوامل التي تؤدي إلى إحداث الإعاقة العقلية ، وكذلك للتعرف على بعض التعريفات والتصنيفات العلمية المتبعة في هذا المجال من الناحية النظرية ، وذلك من خلال مراجعة الأدب النظري المرتبط بعنوان الدراسة. وفي سياق هذه الدراسة سيتم التعرض لأهمية الدراسة ومبرراتها وذلك بغية تقديم تفسير واضح ومقنع . فكما هو معلوم فإن الوصوم الاجتماعية التي قد تلحق وتصيب فئة المعاقين عقلياً قد تجعلهم يفقدون الكثير من حقوقهم ، الأمر الذي قد يؤدي إلى أن تلعب هذه الفئة الأدوار المرضية الذي ينتج عنه -في الغالب- الظلم الاجتماعي والانسحاب من الحياة الاجتماعية .وسيتم بعد ذلك التطرق إلى بعض الدراسات الميدانية السابقة المرتبطة بموضوع هذه الدراسة أو القريبة منه ، وذلك بغية توظيفها واستخدامها في خطوات الدراسة .
أما الجزء الميداني لهذا العمل فإنه سيشمل على تحديد ما ينبغي دراسة في موضوع الإعاقة العقلية من حيث احتمالية تعرض الطفل المعاق عقلياً للإساءة من ذويه ، وذلك من خلال منهج دراسة الحالة لإحدى الحالات الواردة إلى مكتب الخدمة الاجتماعية /إدارة حماية الأسرة ولأسرته بغية الوصول إلى نتائج يمكن قراءتها وتحليلها كيفياً .ومن ثم ستعرج الدراسة إلى استخلاص أبرز النتائج لمحاولة وضع التوصيات العلمية والعملية المناسبة والمتوائمة مع تلك النتائج.
المدخل النظري للدراسة :
يعتبر تكوين الأسرة من المهام الاجتماعية التي تهدف للحفاظ على استقرار المجتمع واستدامته ، ويكون ذلك من خلال محاولة إيجاد تفاهمات مشتركة بين الأزواج المكونين أصلاً لهذه الخلية الحيوية . ومما لا شك فيه أن للأسرة جملة وظائف اجتماعية ونفسية ، تبدأ من تفريغ الشحنات الجنسية بطرقها المشروعة ، مروراً بالاستقرار العاطفي المنشود وإنجاب الأطفال وتنشئتهم بشكل سليم . وكما هو معلوم فإن عملية التفاعل الاجتماعي ما بين الطفل وأفراد أسرته هي عملية مستمرة ومتطورة ، حيث تبدً هذه العملية بالتنشئة الاجتماعية التي توضح مكانة هذا الفرد والأدوار المتوقعة منه ، ومن هنا تبدأ عملية تحويل الكائن من كائن بيولوجي بحت إلى كائن اجتماعي متفاعل .وتعد هذه المرحلة التحولية والتفاعلية -والتي قد لا تكون مألوفة للآباء- من أدق المراحل حساسيةً وصعوبة وبالتالي تلزمها الحذر والحرص الكبيرين(عمر،1994 ).
إن هدف الأسرة من خلال إنجابها الأطفال الأصحاء (جسمياً وعقلياً ونفسياً ) الوصول إلى الاستقرار والتوازن المعيشي والرعائي لهم .أما في حالة وجود خلل في العملية الإنجابية -واقصد هنا إنجاب طفل معاق عقلي- فإن ميزان الاستقرار المنشود سوف يختل ويختلف من حيث الصعوبة التعايشية والتكيفية مع هذا الوضع الجديد ، مما يستلزم بذل المزيد من الرؤى المنهجية والمهنية الصحيحة في التعامل مع الفرد المعاق عقلياً ومتطلباته الجديدة بشكل عام .
إن الاهتمام بمشكلة المعاقين أصبح اهتماماً عالمياً لما لهذه الظاهرة من آثار سلبية على المستوى الفردي ( الطفل المعاق ) وعلى المستوى المجتمعي أيضا.فقد أولت منظمة الأمم المتحدة جل اهتمامها بهذا الشأن من خلال إعلان المنظمة في عام 1969 لحقوق الطفل المعوق ، كما واحتفلت هذه المنظمة في سنة 1981 بالعام الدولي للمعاقين(البداينة ، 1993 ).كما ويذكر أن التقدم الطبي في هذا المجال قد زاد من فرص منع وقوع الإعاقة بأشكالها المختلفة وذلك من خلال مهارات الاكتشاف المبكر لهذه الإعاقات .
إن لمشكلة المعاقين إعاقة عقلية آثارها النفسية والاجتماعية التي تضفي عليها مزيداً من الاهتمام والانتباه . فمن خلال التقارير والأرقام يلاحظ ازدياد في إصابة الأطفال بالإعاقة العقلية ، وان انتشارها بات يهدد استقرار واتزان نظام الأسرة والمجتمع بأكمله ، الأمر الذي دفع بصانعي القرار من جهات حكومية وغير حكومية إلى صياغة وسائل التوعية والتثقيف من مخاطر زواج الأقارب وبعض المخاطر التي يمكن أن تتعرض له الأم الحامل … الخ ، ومن تكثيف وسائل الرعاية الصحية للحامل قبل واثناء وبعد عملية الولادة .
ولعل فلسفة هذا التركيز على تلك النواحي التوعوية إنما تنطلق من مرتكز أساسي ألا وهو محاولة الكشف عن طبيعة الوصوم الاجتماعية والنفسية التي قد تلصق بهؤلاء المعاقين عقلياً والذي ينتج عنه الظلم الاجتماعي والإحباط والقهر وتعطيل الأدوار . إن المجتمع والأسرة قد ينظران إلى المصاب بإعاقة عقلية على انه شخص مهمش وغير قادر على أداء الأدوار الفاعلة والمناطة به ، وهذا الأمر قد يكون مقبول من قبل الشخص المصاب بهذه الإعاقة كونه عاجز وغير قادر على تحصيل المساواة مع غيره من المعافين الأصحاء . وفي هذا الصدد ميز ” جنكيز ” بين ثلاث محددات للإعاقة ، -والتي هي مرتبطة بتعريفه للتلف ” وهو فقدان أو ضعف أحد الأعضاء أو أحد الأطراف “- وهي :
1-التلف الفيزيائي والعقلي والجسمي.
2-العجز أو التعوق : وهذا البند مرتبط بالتلف من حيث إمكانية فقدان أو انحسار وظيفته .
3-الإعاقة : وهي الأوضاع السلبية والضغوط الناتجة عن العجز(البداينة ، 1993 ).
ولكن مما يؤخذ على هذه المحددات التي جاء بها جنكيز ، أن بعض الأشخاص أو الأفراد في المجتمع قد يصابون بدرجة من التلف لاحد أعضائهم بحكم التقدم بالعمر ، وعلى ذلك فإنه يمكن القول والاستدلال إلى أنه ” ليس كل مصاب بتلف هو عاجز “.
إن تصنيف الشخص المعاق يعتمد على عدة مداخل فمنها ما يتعلق بالمداخل الاجتماعية ومنها ما يتعلق بالمداخل الطبية وكلاً الفريقين يرى الإعاقة من منظوره الخاص.ولكن يمكن القول بأننا وجدنا انسب تفسير نظري لهذا الموضوع هي ” النظرية الوظيفية ” (المرض والإعاقة ) والتي جاء بها تالكوت بارسونز .وينطلق هذا التفسير من فكرة أساسية مفادها ” أن وجود أعداد من المعاقين في المجتمع يعني تعطل للأدوار والوظائف ، وأن على المجتمع بحكم علاقته الوظيفية مع الأنساق الأخرى ملئ هذا الفراغ ومحاولة إرجاع التوازن والاستقرار لانساقه المصابة بالاهتزاز. ويمكن أن يعتمد جزء من محركات إرجاع التوازن المطلوب للمجتمع بإعفاء الشخص المعاق من المسؤوليات الاجتماعية التي كان من المتوقع إنجازها.
الوظائف الاجتماعية والنفسية للإعاقة :
لقد ميز ميرتن بين الوظائف الكامنة والوظائف الظاهرة لأي ظاهرة اجتماعية.فالإعاقة لها وظائف سلبية على الصعيد الفردي والمجتمعي وقد سبق وان تعرضنا بالحديث عن بعضها ، ولها كذلك من الوظائف الإيجابية والتي يمكن إيجازها بما يلي :
1-المحافظة على الصحة العامة للفرد والمجتمع ، فمن خلال هذه الوظيفة يشعر أصحاب القرار بضرورة رسم التشريعات والأنظمة اللازمة للحد من هذه الظاهرة السلبية.
2-العمل على معالجة أسباب وجود الإعاقة وذلك من خلال دراسة المسببات والمؤثرات التي تنتج هذه الظاهرة ، ولا يكون هذا الأمر إلا من خلال رسم استراتيجية واضحة تأخذ في أعينها الخدمات الوقائية والتأهيلية من خلال التشخيص المبكر للإعاقة ، وهذا الأمر لا يتم إلا من خلال التنسيق بين الجهات الحكومية وغير الحكومية في إيجاد الوسائل التربوية والصحية التي ستقدم لهذه الفئة ، مع مراعاة ايجاد الجانب العلاجي والمتابعة ايضاً.
3-العمل على دمج الفرد المعاق في مجتمعه من خلال تأهيله بشكل علمي وتربوي ، فلا ينظر إلى الشخص المعاق على انه شخص معطل بل ينظر إلى مصادر قوته التي يمتلكها.
4-العمل على ايجاد وسائل إعلام تكون مهمتها نشر الوعي والتثقيف بين صفوف المجتمع ، والتحذير من مخاطر زواج الأقارب وبشكل متلاحق (تقارب الأجيال ). بالإضافة إلى التعريف بالإعاقات والمعاقين وحقوقهم المشروعة .
5-إيجاد التكافل الاجتماعي بين أفراد الأسرة اولاً وباقي فئات المجتمع الأخرى ثانياً.وهذا الأمر من شانه أن يقف وبشكل صلب أمام الاوصمة الاجتماعية الضارة والسلبية والتي يمكن أن تُلحق الأذى بالفرد والأسرة.فعلى الأسرة أن لا تستجيب إلى هذه الأمور السلبية الناتجة من نظرة المجتمع ، بل تعمل على إعطاء الفرد المعاق احتراماً لذاته ، وأن تتاح له الفرصة الكافية للخروج من هذه الأزمة بإيجابية وفاعلية(البداينة ،1993 ).
بعض أسباب الإعاقة العقلية:
يمكن القول بأن الإعاقة العقلية هي حالة قد تصيب الطفل منذ لحظات ولادته ولغاية سن الثامنة عشرة من عمره. ومن المفيد في هذا المضمار أن نتعرض لمفهوم الضعف العقلي والذي يقصد به ” حالة نقص أو تخلف أو توقف أو عدم اكتمال النمو العقلي يولد بها الفرد أو تحدث في سن مبكرة نتيجة لعوامل وراثية أو مرضية أو بيئية وتؤثر على الجهاز العصبي للفرد مما يؤدي إلى نقص في الذكاء” (زهران ،ص423 ،1986 ).أما بالنسبة لتعريف المعاق عقلياً فيمكن تعريفه على انه ” الشخص الذي يعاني من نقص أو تخلف أو بطئ نموه العقلي الأمر الذي يؤدي إلى تدنٍ في مستوى ذكائه وتكيفه الاجتماعي والمعيشي ، بحيث لا تتناسب قدراته العقلية مع عمره الزمني” (صندوق الملكة علياء للعمل الاجتماعي التطوعي الأردني ،ص13 ،1994).
هذا ومن المفيد أن نفرق ما بين الإعاقة العقلية والمرض العقلي .حيث يشير الأخير إلى إصابة الفرد بإصابات مرضية تحتاج إلى علاج من مختصين أو تتطلب الحاجة إلى الإدخال إحدى المؤسسات الخاصة التي ترعى مثل هذه الأمور (مثل المستشفيات)، في حين أن الفرد المعاق عقلياً قد لا يحتاج إلى إدخال مستشفى بل يحتاج في حقيقة الواقع إلى خدمات تعليمية وتربوية وتدريبية للتكيف مع المجتمع.
أما إذا تعرضنا إلى أهم وابرز المسببات والعوامل المؤدية إلى إحداث الإعاقة العقلية فيمكن لنا إجمالها بالأمور التالية -مع عدم الجزم بأن هذه الأسباب أو العوامل هي حتمية أو قطعية – :
1-العوامل الوراثية :فقد تلعب الموروثات الجينية كأسباب في حدوث أو إصابة الطفل بالإعاقة العقلية ، وذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، فبدل أن تحمل الجينات ذكاء محدداً تحمل قصوراً يترتب عليه تلف لأنسجة المخ . كما ويمكن أن تلعب الأمور الوراثية دورها السلبي -والتي قد تؤدي للإعاقة العقلية- خلال الانقسام للخلايا ومن خلال العامل الريزيسي(زهران ،1986 ).
2-العوامل البيئية : في هذا المجال قد تلعب المؤثرات الخاصة بعملية ما قبل أو خلال فترات الولادة وما يتبعها دوراً في إحداث الإعاقة العقلية ، ومن ابرز هذه العوامل (صندوق الملكة علياء للعمل الاجتماعي التطوعي الأردني ،1994) :
o إصابة ألام الحامل بعدوى الحصبة الألمانية .
o تعاطي ألام الحامل لبعض المواد الطبية دون استشارة الطبيب وخصوصاً في اشهر الحمل الأولى.
o إدمان ألام الحامل على تناول الكحول أو المؤثرات العقلية (أثناء فترات الحمل تحديداً).
o تعرض ألام الحامل لمخاطر الأشعة السينية ، أو تعرضها للمواد الكيميائية .
o تعرض المولود لعوامل الخطورة أثناء الولادة (كالتفاف الحبل السري حوله واعاقة وصول الأوكسجين إليه مما قد يتسبب في الاختناق أو تلفٍ في الدماغ ).
o إصابة الطفل بعد ولادته ببعض الأمراض الخطيرة كمرض السحايا.
o إصابة الطفل وتعرضه بعد الولادة لمخاطر سوء التغذية المزمنة والشديدة .
وتعليقاً على العامل الأخير المذكور آنفاً ، فقد أشار تقرير اليونيسف لعام 1998 ” إلى أن الدمار الذي يتسبب فيه سوء التغذية لا حدود له .حيث يعاني الأطفال دون الثانية من العمر والذين يفتقرون إلى الحديد في قوامهم من مشكلات تتصل بالترابط والتوازن الجسمي والعقلي ، كما وانهم -أي هؤلاء الأطفال- يميلون إلى العزلة والتردد ، ومثل هذه العوامل يمكن أن تعيق قدراتهم على التفاعل مع البيئة والتعلم منها ، وقد يؤدي ذلك إلى الحط من قدراتهم الذهنية” (وضع الأطفال في العالم ،ص15 ،1998 ).
يلاحظ مما تم التعرض له من عوامل ومسببات ، أن للأسباب والعوامل البيئية دوراً اكبراً وملحوظاً من نظيراتها الوراثية لنشوء أو إحداث الإعاقة العقلية ، كما وان الأسباب والعوامل التي ترافق عمليات الحمل إلى مرحلة الإنجاب قد تأخذ الحيز الاشمل من تلك العوامل ، الأمر الذي يكشف عن حقيقة الاحتياط والتدخل الواجب اتخاذه في تلك المراحل الحرجة ، في حين أن عكس ذلك قد يكون سبباً في حدوث الإعاقة العقلية للأطفال والتي قد نكون نحن المسؤولين عنها.
تصنيف الإعاقة العقلية :
هناك خلاف غير حاد بين المهتمين والمشتغلين في هذا المجال من حيث الاتفاق على تصنيفٍ واحد للإعاقة العقلية. فمنهم من يصنفها بناء على أسس تدريجية (إعاقة بسيطة ، إعاقة معتدلة ، إعاقة شديدة )،ومنهم من يرى أن هذا المصطلح يرتبط بالضعف العقلي (البسيط،المتوسط،الشديد،العميق) حيث تصل نسبة الذكاء للفئتين الأولى والثانية ما بين 40-69 ، بينما يقل عن ذلك فئتي الشديد والعميق. كما ويقال أن الفئة الأولى والثانية أعلاه تكون اكثر فاعلية للتعلم والتدريب من الفئة الثالثة والرابعة، ويستدل على صحة هذا القول بأن المصابين بالعاقة العقلية الشديدة والعميقة يكونوا في الغالب اكثر اعتمادية على الآخرين أو على القائمين على تربيتهم وتنشئتهم ، وانهم بحاجة ماسة إلى الرعاية المستمرة والحثية(الرفاعي،1987 ).
وبهذا التصنيف يمكن القول بأن كل فئة من الفئات السابقة لها خصوصيتها ومشاكلها ووسائل التعامل معها وبرامجها الخاصة كذلك ، ولكن يبدو أن اصعب هذه الإعاقات ما تم تصنيفه على انه شديد وعميق ، والتي -حسب وجهة نظري- تحتاج إلى أماكن خاصة بهم تكون مهمتها الرئيسية تعليمهم الحاجات الأساسية اللازمة لهم وعلى رأس تلك الحاجات (مهارات الاستقلال).
أما بالنسبة لفئة المصابين بالإعاقة العقلية البسيطة فإن أمور رعايتهم تكون اسهل وذلك لارتباط ذلك بنمط إعاقتهم أصلاً ، ولكن قد يواجه المجتمع مشكلة التعامل معهم فيما يتعلق بأنهم قد يسلكوا سلوكيات منحرفة (كالسرقة أو الكذب ) وهذه الانحرافات في الغالب الأعم تكون غير مقصودة بحكم قلة إدراكهم وفهمهم.
وقد ذهب في المقابل فئة من المختصين رأوا أن تصنيف المعاقين عقلياً يتبع لاسس أخرى ، كالتصنيف على أساس مسبب هذه الإعاقة .فهناك الضعف العقلي الأولي والتي تلعب عوامل الوراثة كمسببات رئيسية في تلك الإعاقة والتي تصل نسبتها إلى 80%.وهناك الضعف العقلي الثانوي وهنا تلعب العوامل البيئية ما نسبته 20% في تكوين تلك الإعاقة (زهران ،1986 ).
أما الفريق الآخر في مجال التصنيف فقد اعتمد في تصنيف الإعاقة العقلية على أساس نسبة الذكاء ، فكان تصنيفهم على النحو التالي :
1. المعتوه : وهو الفرد الذي تصل نسبة ذكاؤه إلى درجة منخفضة جداً وتقـدر بـ 20-25 ، حيث يعجز هذا الفرد عن تعلم الكلام أو فهم الآخرين .وهذه الفئة تعتبر من الفئات التي تحتاج إلى رعاية فائقة وخاصة انهم لا يستطيعون الحياة بدون رعاية أو معونة الآخرين .
2. الابلة :وهو الفرد الذي يستطيع أن يتعلم بعض الكلام أو عمل بعض حاجياته ، ولكنه لا يستطيع متابعة تعليمه وهو بحاجة إلى رعاية خاصة ومساعدة القائمين على رعايته وتنشئته ، أما حاصل ذكاؤه فلا يتجاوز 40 أو 50 .
3. المأفون : هنا الفرد يأتي فوق مستوى الابلة ، فحاصل ذكاؤه يتراوح ما بين 50-70 .وهنا يستطيع هذا الشخص التكيف مع ظروف حياته وقد يعتمد على نفسه أحياناً ، ويمكن لهذا الشخص أن يلتحق بالتعليم ولكن ينصح بوضعه في صفوف خاصة مجهزة بوسائل ومصادر تلائم وضع هذه الإعاقة.
4. البليد : هنا يكون حاصل ذكاء الفرد مرتفع عن سابقه بشكل اكبر ويقدر ما بين 70-80 ، ولكن لا يستطيع هذا الفرد النجاح بسهولة في مواده الدراسية كما وانه لا يستطيع التفوق بسهولة.
5. البليد السوي أو (لمتوسط البلادة ) : وهنا يكون حاصل ذكاء الفرد ما بين 85-90 ويستطيع الاستمرار في العملية التعليمية وخصوصاً المرحلة الابتدائية والإعدادية ، أما المراحل التعليمية المتقدمة فقد يواجهها بصعوبة أكبر (الرفاعي ،ص447-449 ،1987 ).
بعض أشكال العنف أو الإساءة الموجهة إلى الأطفال :
قبل الحديث عن تصنيفات أنماط العنف أو الإساءة التي يمكن أن يتعرض لها الأطفال ،لا بد من الحديث وبشكل مقتضب جداً عن مفهوم العنف.فالعنف بحد ذاته إشكالية مفاهيمية تختلف من ثقافة إلى ثقافة أخرى، ومن مجتمع إلى مجتمع آخر ، ومن شخص إلى آخر وهكذا . فالذي يصنف عنفاً في أحدها قد لا يعتبر عنفاً عن الآخر . إلا انه ومن خلال البحث والدراسة وجُد أن غالبية المشتغلين بهذا المضمار متفقين على لإطار عام لما يعتبر عنفاً أو إساءة ، ومن هنا يمكن تصنيف العنف والإساءة الموجهين نحو الأطفال إلى كل أو بعض الأشكال التالية :
1-العنف أو الإساءة الجسدية : ولها اكثر من تعريف وحسب الجهة التي تقوم على هذا التصنيف. فقد يعرف من منظور طبي شرعي على انه ” وجود إصابات غير عرضية على جسم الطفل المساء إليه كالحروق أو الرضوض أو الكدمات أو السحجات والجروح” .أما من الناحية الاجتماعية فيمكن تعريفه بأنه ” كل فعل أو امتناع يمكن أن يحدث من خلاله ضرراً مقصوداً يوقعه القائم على رعاية وتنشئة هذا الطفل”.
2-العنف أو الإساءة الجنسية : إن الأطفال قد يكونوا مهددين في كثير من الأسر بالتعرض إلى مثل هذا النوع من المعاملة قبل أبويهم أو من قبل القائمين على رعاية هؤلاء الأطفال . ولقد عُرف الاستغلال الجنسي من قبل منظمة الصحة العالمية في عام 1986 على انه ” استخدام الطفل بطريقة غير مشروعة بهدف الحصول على اللذة الجنسية للراشد”.وقد ينطوي هذا الاستغلال على أشكال عدة منها (الحديث الجنسي المفضي إلى إثارة الطفل جنسياً ، إجبار الطفل على أعمال الدعارة أو تصوير الأفلام الإباحية )(بركات ،ص252-253 ،1999).
3-العنف أو الإساءة القائمة على الإهمال : يمكن القول بأن هذا الإساءة تنطوي بشكل كبير واساسي على ” إخفاق الوالدين القائمين على أسلوب التنشئة والتربية لأطفالهم في توفير متطلبات أبناءهم الأساسية والضرورية لنموهم أو تطورهم وبشكل مقصود ومتعمد او بشكل إظهار اللامبالاة بهذه الحاجيات.
إن إساءة معاملة الأطفال ظاهرة سلبية لها آثار مستقبلية على الصحة النفسية والعقلية لهؤلاء الأطفال ، ناهيك أن يكون هؤلاء الأطفال مصابين بإعاقات عقلية قد تتطور إلى مراحل متقدمة ومستعصية على العلاج في حالة تعرضهم المتكرر للعنف أو الإساءة نتجية إخفاق الأسرة في التعامل مع حاجات ومتطلبات أبناءهم من ذوي الإعاقات المختلفة عموماً والعقلية منها تحديداً.
لقد دلت بعض الأبحاث والدراسات إلى أن الأطفال المعوقين أو المصابون بتخلف عقلي هم اكثر من غيرهم عرضةً لإيقاع الإساءة والعنف عليهم ، كما وان هذه الإعاقة قد تكون مصدر مثير للضغط والتوتر لدى الآباء المسيئين بسبب حاجة هؤلاء الأطفال إلى العناية والإشراف اللازمين (بركات ، 1999 ).ولعل من المفيد هنا التطرق إلى بعض الظروف المسرعة لأحداث الإساءة على هذه الشريحة من الأطفال ،والتي منها :
1-حلقة العنف : ويعنى بها أن يكون الآباء قد تعرضوا هم أنفسهم إلى العنف والإساءة في طفولتهم ،مما يجعلهم اكثر ميلاً واستعداداً إلى إسقاط تجاربهم السلبية على أطفالهم وخصوصاً الآباء الذين لديهم أطفالاً معاقين عقلياً(رمو ،1997 ).
2-الوضع الاجتماعي : إن كثرة المشاكل بين الزوجين واستحكامها تزيد من حدة التوتر والضغط داخل المنزل مما قد يساهم في تسريع فرص تفريغ ثورات الغضب التي تنتاب الآباء على أطفالهم وبالتالي وقوعهم -أي الأطفال- في دائرة الإيذاء والعنف.وإذا كان هذا الأمر يتم مع أطفال أصحاء فإنه من المتوقع في حالة وجود طفل معاق عقلياً أن تزيد احتمالية الخطر لا سيما وان كل من الوالدين يحمل الآخر المسؤولية عن الإعاقة الخاصة بطفلهم.
3-الوضع الاقتصادي : إن عجز أرباب الأسر عن تامين احتياجات أفراد أسرهم نتيجة لسوء الوضع الاقتصادي الملازم بهم أو نتيجة عوامل البطالة المختلفة قد يؤدي إلى نشوء صراع بين الزوجين وقد تكون في العادة نتائجه سلبية وتنعكس هذه الصور -المتمثلة بالإساءة -على بعض أفراد الأسرة الضعفاء وخصوصاً ألام وبعض الأطفال.
4-الكروب الاجتماعية : إن تظافر وجود الضغوطات الحياتية والاجتماعية والاقتصادية المعقدة والمركبة والتي يتعرض لها أرباب الأسرة خارج المنزل قد تزيد من حدة التوترات والهزات المحتملة لهذه الأسر وبالتالي انتقال حلقة العنف إلى داخل أطر هذه الأسرة ، والتي قد تزداد حدتها في حال وجود طفل أو أطفال معاقين عقلياً والذي يحملون -وبشكل غير مقصود- أسرهم الوصوم السلبية.
5-جهل كثير من أرباب الأسر بالخصائص النمائية والسلوكية المتعلقة بالأطفال المعاقين عقلياً مما قد يدفع بهؤلاء الأرباب إلى إيقاع الأذى بأطفالهم .
الدراسات السابقة :
لدى مراجعة الباحث لأدبيات الدراسات السابقة في مجال العنف ضد الأطفال المعاقين عقلياً من أسرهم ،تبين وجود كم من الدراسات تناولت هذا الجانب من منظور نفسي فقط ، وكان بعض هذه الدراسات قد نجح في التوفيق بين الجانب النفسي والاجتماعي للطفل عقلياً للوصول إلى تحليل مكتمل. وفيما يأتي سيتم التعرض لابرز الدراسات التي جمعت عن هذا الموضوع.
ففي دراسة (القمش ،1999) كان الهدف هو التعرف على المشكلات الشائعة لدى الأطفال المعوقين عقلياً داخل الأسرة كما يراها الأهالي ، وكذلك التعرف على الاستراتيجيات التي يستخدمها الأهالي في التعامل مع هذه المشكلات .
وقد تألفت عينة الدراسة من 220 فرد من الأطفال المعوقين عقلياً والذي تراوحت أعمارهم ما بين سنة الولادة إلى سنة الثامنة عشرة ، واختيرت العينة بالطريقة العشوائية .وقد طور لهذا الغرض أداتين ،اشتمل الجزء الأول على مقياس يقيس مستويات حدوث المشكلات لدى الأطفال المعوقين عقليا داخل الأسرة كما يراها الأهالي ، في حين اشتمل الجزء الثاني على بيان الاستراتيجيات المستخدمة من الأهالي في التعامل مع هذه المشكلات.وقد توصلت الدراسة إلى عدة نتائج نذكر منها ، أن اكثر المشكلات شيوعاً لدى هؤلاء الأطفال الحركة الزائدة ، ثم الانسحاب الاجتماعي فالسلوك النمطي ثم العدوان ثم إيذاء الذات.كما ودلت النتائج إلى أن كل مشكلة من هذه المشاكل كان يواجه بأساليب مختلفة ، فكان يستخدم مع مواجهة مشكلة العدوان الحرمان واحتل هذا الأسلوب المرتبة الأولى ،جاء بعدها أسلوب الحوار والمناقشة ،العقاب الجسدي،التوبيخ اللفظي ،العزل،التنبيه اللفظي.
أما مشكلة الحركة الزائدة فأستخدم معها التعزيز المادي للسلوك البديل ، العزل ،الحرمان.وقد أشارت نتائج الدراسة كذلك إلى أن اكثر الاستراتيجيات استخداماً مع الأطفال المعاقين عقلياً هو العقاب الجسدي في مواجهة مشكلة إيذاء الذات، بالإضافة إلى استخدام الحرمان والتنبيه والتوبيخ اللفظي.
أما دراسة (أبو شريف،1991 ) فقد هدفت إلى التعرف على الأنماط السلوكية غير التكيفية المرتبطة بإيقاع الإساءة البدنية على الأطفال المعوقين عقلياً الملتحقين بمدارس التربية الخاصة ومراكزها في عمان ، والى معرفة الأنماط السلوكية غير التكيفية التي تميز بين الأطفال المعوقين عقلياً المساء إليهم والأطفال المعوقين عقلياً غير المساء إليهم ، بالإضافة إلى معرفة مدى ارتباط هذه الأنماط بكل من متغيري الجنس والعمر.أما عينة الدراسة فتألفت من 200 طفل نصفهم من الأطفال المعوقين عقلياً (أسيء إليهم بدنيا) والذي تم التعرف عليهم بواسطة أداة صممت لهذه الغاية ، أما النصف الآخر فكانوا من الأطفال المعاقين عقلياً غير المساء إليهم بدنياً.
وقد توصلت الدراسة إلى أن اكثر السلوكيات غير التكيفية ارتباطاً بالإساءة البدنية للأطفال هي :(النشاط الزائد،الانسحاب،العدوان،القلق والخوف،التمرد والسلبية،الفوضى والتخريب ،العادات الشاذة والسلوك النمطي). وقد كان أقل المشكلات رصداً هي مشكلات إيذاء الذات. ودلت النتائج كذلك إلى انه لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية للأطفال المعوقين عقلياً المساء إليهم بدنياً على جميع أنماط السلوك غير التكيفي يعزى لمتغير الجنس.
إلا انه توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين الأطفال المعوقين عقلياً المساء إليهم بدنياً في مختلف الفئات العمرية على أنماط سلوك النشاط الزائد والتمرد والسلبية والمشكلات الخلقية والفوضى والتخريب وإيذاء الذات والقلق والخوف.في حين لم تظهر الدراسة فروق ذات دلالة إحصائية على بقية أنماط السلوك غير التكيفي على بعد العمر.
أما دراسة (البداينة،1996 ) فقد هدفت إلى معرفة مدى تقبل الإعاقات وقياس المسافة الاجتماعية بين المعاقين في المجتمع الأردني.وهدفت ايضاً إلى معرفة اثر متغير الجنس والمستوى الأكاديمي في النظرة للإعاقة.واخيراً مقارنة تقبل الإعاقات في المجتمع الأردني مع جنسيات عالمية .
أما عينة الدراسة فتألفت من 433 مشارك ومشاركة ،وقد طورت أداة مناسبة لخدمة أغراض هذه الدراسة.
أما النتائج فقد دللت إلى أن هناك عدم تقبل للإعاقات بشكل عام ، وان هناك فروق ذات دلالة إحصائية في تقبل الإعاقات.كما تبين أن الإعاقة الخفيفة(السكري،التهاب المفاصل) قد لاقت قبولاً أفضل من الإعاقات الأخرى.كما أن الإعاقات الظاهرة (التخلف العقلي،المرض النفسي،الشلل الدماغي) كانت أكثر الإعاقات رفضاً لعينة الدراسة.وتبين من النتائج كذلك أن هناك توافق في اتجاه قبول الإعاقات لدى الجنسين تعزى لمتغيري الجنس والمستوى الأكاديمي.اخيراً أظهرت نتائج الدراسة وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين الجنسيات المختلفة في قبول الإعاقات، وأن هرمية هذه الإعاقات متشابهة عالمـياً.
أما دراسة (الحديدي،وآخرون،1996) فقد أجريت على مراكز التربية الخاصة بمدينة عمان.وبينت أن الجوانب الأكثر تأثيراً في الإعاقة هي العلاقات بين الاخوة من حيث الإعاقة والتعايش معها ،والعلاقات الاجتماعية والوضع العام للوالدين.إضافة إلى التحديات والصعوبات التي تواجه الأسرة بشكل عام والتي تتحدد في ضوء إعاقة الطفل ذاته ، علاوة على الاتجاهات السلبية للأفراد في المجتمع ،وعدم توفر الخدمات التي تشكل مصدر ضغط وتأثير كبيرين على الأسرة ، علاوة على التنقل من طبيب لآخر بحثاً عن التشخيص والعلاج . كما بينت نتائج الدراسة إلى أن وجود طفل معاق في الأسرة قد يترك تأثيرات متفاوتة على جميع أفراد الأسرة.
وقد جاءت دراسة (ملكاوي ،1993 )والتي أجريت على الأطفال وذويهم ممن يعانون من الأمراض المزمنة ومنها الإعاقة ،لتؤكد على بعض ما جاءت به دراسة الحديدي من حيث أن أسر هؤلاء الأطفال تتعرض لضغوطات مادية نتيجة متطلبات الرعاية اللازمة لهؤلاء الأطفال ، وان هذه الأسر تحاول التكيف والتعايش مع مرض هؤلاء الأطفال حتى تقل المشاكل الانفعالية ومشاعر الاستياء وغيرة أخوة الطفل المعاق.وبينت النتائج كذلك إلى أن علاقة ألام بزوجها لم تتأثر بشكل كبير وأن الأمهات هن الأكثر معاناة نتيجة مرض طفلهم حيث تعاني معظمهن من الاكتئاب نتيجة مصاحبة طفلها خلال مسيرة العلاج.
ودلت النتائج ايضاً أن اغلب المحيطين بالأسرة ينظرون إلى الطفل وأسرته نظرة شفقة وحزن .أخيراً أكدت الدراسة أن أسرة الطفل لم تبتعد عن الاختلاط بالناس بل إن غالبية الأمهات يصطحبن أطفالهن خارجاً أمام الناس.
أما دراسة (جبريل، وآخرون،1995 ) والهادفة إلى دراسة مراكز التربية الخاصة في الأردن ، فقد جاءت نتائجها منسجمة مع بعض نتائج دراستي ملكاوي والحديدي من حيث أن الطفل المعاق يمكن أن يشكل مصدر تهديد على وحدة الأسرة بحيث تُخلق ضغوطاً جديدة ويمكن أن يطال هذا التهديد علاقات الأسرة وادوارها.وقد تؤدي هذه الضغوطات كذلك إلى تشكيل ضغوطات نفسية لدى بعض أفراد الأسرة مما قد يؤدي إلى إصابتهم بالأمراض ، وقد يؤدي هذا الأمر في نهاية المطاف إلى خلق جو من عدم التنظيم الأسري .
وقد دلت نتائج هذه الدراسة كذلك إلى أن وجود طفل معاق في الأسرة من شانه أن يضيف إلى أعباء الأسرة النفسية والاجتماعية أعباء مالية واقتصادية .كما وان وجود هذا الفرد المعاق قد يحد من فرص النشاط الاجتماعي لدى اخوة هذا المعاق ، وبالتالي يحد من الاستمتاع بدرجة اكبر من حياتهم الخاصة وفي التعامل مع الرفقاء.
واشارت الدراسة اخيراً إلى ابعد من ذلك عندما أكدت إحدى نتائجها إلى أن المظهر الجسمي والسلوك المخالف للمعايير الاجتماعية يلعب دوراً في شعور أخوة المعاقين بالحرج وخصوصاً فيما يتعلق بالنشاطات الأسرية والحفلات والرحلات .
أما دراسة (يوسف،1991 ) والمجراة على عينة من 1998 فرد من الأفراد المخدومين من مؤسسة العناية بالشلل الدماغي -المعنية بتوثيق أعداد المصابين بهذه الإعاقات- والموزعين على مناطق (عمان ، الزرقاء ، السلط ،أربد ،العقبة)فقد جاءت لتؤكد على أن أكثر العوامل المسببة للشلل الدماغي هي عوامل مرتبطة بالولادة نفسها حيث شكلت ما نسبته 41.13% ، أما عوامل ما قبل الولادة (أثناء فترات الحمل) فساهمت بنسبة 32.27%،أما عوامل ما بعد الولادة فكانت نسبها لا تتعدى 19%،في حين أحتلت العوامل غير المعروفة والمسببة للشلل الدماغي ما نسبته 16.32 %.
وتوصلت النتائج إلى أن الشلل الدماغي قد يصاحبه إعاقة من نوع آخر (كنوبات الصرع ،التخلف العقلي ،الإصابة بالإعاقات السمعية أو البصرية أو النطقية) . ومن بين النتائج المهمة التي توصلت إليها هذه الدراسة ما يلي :
1- إن نسبة إصابة الذكور أعلى من نسب إصابة الإناث .
2- إن نسبة إصابة الأطفال بالشلل الدماغي ممن ولدوا في البيوت أعلى منها في المستشفيات.
3- إن نسبة الإصابة بالشلل الدماغي لدى ذوي الدخل المتدني أعلى منها لذوي الدخل المرتفع.
ولقد أجرت (الطراونة ،1999) دراسة على عينة من طلبة الصف العاشر الأساسي في محافظة الكرك،بهدف التعرف على أشكال إساءة معاملة الوالدية وعلاقتها ببعض المتغيرات الديموغرافية والنفسية .وتكونت عينة الدراسة من 455 طالب و458 طالبة اختيروا بالطريقة العشوائية الطبقية والعنقودية .وقد استخدم مقياس الإساءة الوالدية للأطفال كما يدركها الأبناء أنفسهم ،ومقياس التوتر النفسي كأدوات بحثية للدراسة. وقد أسفرت الدراسة عن جملة من النتائج يمكن لنا عرضها على النحو التالي :
1- يتعرض أفراد الدراسة إلى الإساءة النفسية في المرتبة الأولى يليها إساءة الإهمال ومن ثم الإساءة الجسدية.
2- يتعرض الذكور إلى تلك الإساءات اكثر من الإناث.
3- كان مصدر هذه الإساءات هم الآباء في المرتبة الأولى يليهم الأمهات ثانياً.
4- توجد علاقة إحصائية بين تدني المستوى التعليمي للوالدين وإيقاعهم الإساءة على أبنائهم .
5- يوجد أثر لتدني دخل الأسرة في إيقاع الإساءات على الأطفال. أما (البلبيسي ،1997) فأجرى دراسة مكتبية تحليلية على حالات الاعتداء التي وقعت على الأطفال خلال عامي 1994 و1995 ،بهدف تحليل أنواع الاعتداءات الجسدية والجنسية التي وقعت على الأطفال ،وتحديد خصائص مرتكبي هذه الاعتداءات .وقد خلصت الدراسة الى جملة من النتائج أهمها :
1-كلما زاد عمر الطفل زادت فرصة تعرضه للإساءة الجسدية والجنسية.
2-لا توجد علاقة بين جنس الطفل وتعرضه للإساءة الجسدية.
3-إن لعامل البطالة دور في رفع نسبة الاعتداءات على الأطفال.
4-هناك علاقة ما بين تدني المستوى التعليمي وارتكاب الإساءة الجسدية ضد الأطفال .
أما (خلقي،1990 ) فقد أجرت دراستها على عينة مقدارها 102 حالة من حالات الإساءة المسجلة في مديرية الأمن العام كإساءات جسدية وجنسية وخلال الفترة الواقعة ما بين عام 1983-1989 ، وذلك بهدف معرفة بعض متغيرات الطفل وأسرته المرتبطة بالإساءة.وقد خلصت هذه الدراسة -والتي جاءت بعض نتائجها منسجمة مع نتائج كل من الطراونة والبلبيسي- إلى أن نسبة الإساءة الجسدية والجنسية الواقعة على الأطفال الذكور اقل منها لدى الإناث ، وأن اكثر مرتكبي الإساءات هم من الذكور.وانه لا توجد علاقة دالة احصائياً بين وضع الطفل الصحي ووقوع الإساءة عليه ، في حين أظهرت النتائج وجود علاقة دالة احصائياً ما بين ترتيب الطفل في أسرته ووقوع الإساءة عليه.أما بالنسبة لمرتكبي الإساءات الجسدية والجنسية فكانوا جميعهم في مستويات تعليمية متدنية .أخيراً أظهرت النتائج انه كلما تدنى المستوى الاقتصادي للمسيء زادت معه فرص إيقاع الإساءة الجسدية والجنسية على الأطفال.
أخيراً جاءت دراسة (مانديرز اليزابيث ،1996) لتدرس آثار وجود طفل معاق جسدياً أو عقلياً أو سلوكياً على احتمال تعرضه للإساءة من خلال استجابات هؤلاء الأطفال لسلسلة من صور الإساءة المحتملة ، والذين تم التعامل معهم في قسم حماية الطفل /جورجيا.وقد دلت نتائج هذه الدراسة إلى أن الأطفال المعوقين معرضين وبشكل اكبر من الأطفال الأسوياء إلى خطر الإساءة والإهمال من قبل آبائهم. وقد تبين كذلك أن حالات الإساءة تلك تحدث بسبب الخصائص المتعلقة بالأطفال أكثر من تلك الخصائص المتعلقة بالآباء المسيئين.
الفصل الثاني :
منهجية الدراسـة
مشكلة الدراسة وتساؤلاتها :
إن وجود طفل مصاب بإعاقة عقلية في الأسرة يفرض على هذه الأسرة الشروع بتعامل خاص مع هذه الإعاقة سواء أكان ذلك على نطاق الأسرة أو على نطاق المحيط الاجتماعي. ومن هنا تحاول هذه الدراسة الإجابة عن التساؤل الرئيسي التالي : هل تلعب إصابة الطفل بإعاقة عقلية دوراً في تحريك أو إيقاع الإساءة الجسدية أو الإهمال على هذا الطفل المعوق؟
ويتفرع من هذا التساؤل عدة أسئلة فرعية لها علاقة بمشكلة الدراسة أعلاه :
1- ما الخصائص الديموغرافية لهذا الطفل المعوق عقلياً ؟
2- ما الخصائص الاجتماعية والديموغرافية والاقتصادية لاسرة الطفل المعوق عقلياً ؟
3- ما هي الأساليب الرعائية المتبعة من قبل الأسرة مع طفلها المعوق عقلياً؟
4- هل الطفل المعوق عقلياً متقبل من قبل أسرته ؟
5- هل لخصائص الأسرة الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية دور في وقوع الإساءة على هذا الطفل المعوق عقلياً ؟
أهمية الدراسة ومبرراتها :
إن التزايد المستمر في إعداد الأطفال ذوي الإعاقات العقلية قد يساهم في زيادة أعباء ثقيلة على اسر وذوي هؤلاء الأطفال مما لهذه الإعاقة من طبيعة خاصة تفرضها في توفير الأجواء الإيجابية أو السلبية لهؤلاء الأطفال . ومن هنا فإن أهمية هذه الدراسة تعود لجملة من الأمور يمكن إيجازها على النحو التالي :
1- قلة الدراسات والأبحاث العلمية التي طرقت موضوع إساءة معاملة الأطفال وعلاقتها بالإعاقة العقلية المصاحبة للأطفال المعوقين.
2- ارتكاز الدراسة على المنهج الكيفي النوعي القائم على إيجاد مساحة واسعة للذين تم مقابلتهم من أفراد أسرة الطفل المعوق من التعبير عما يجول في أذهانهم من آراء وأفكار عن إصابة طفلهم بهذه الإعاقة وكيفية التعامل مع هذه الأزمة من وجهة نظرهم.
3- محاولة الخروج بنتائج علمية وعملية قد تفيد العاملين في مجال الإساءة ضد الأطفال ، الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة وعي الأسرة في كيفية التعامل مع أطفالهم المعوقين عقلياً.
منهج الدراسة :
يستخدم هذا البحث المنهج النوعي القائم على دراسة الحالة ، والذي يقوم على دراسة الفرد المعوق واسرته.وبذلك تكون حدود الدراسة محكومة بهذه الأبعاد .
مجتمع الدراسة :
يتألف مجتمع الدراسة من جميع حالات الإساءة الواقعة على الأطفال خلال منتصف عام 2000 والتي تعامل معها مكتب الخدمة الاجتماعية في إدارة حماية الأسرة والبالغ عددها 345 حالة إساءة.
عينة الدراسة :
تم اختيار حالة إساءة واحدة – لطفلة أنثى- من ضمن الحالات الواردة إلى مكتب الخدمة الاجتماعية والتي كانت تعاني من الإعاقة العقلية وممن صنفت حالتها بعد الفحص الطبي الشرعي والدراسة الاجتماعية الأولية المعدة لها ولاسرتها على أنها تعرضت للإساءة الجسدية ( سكب الماء الحار على الطفلة ) ، والإهمال ( رمي الطفلة على أحد السكك الحديدية المجاورة لمنطقة سكن الأسرة).
أداة الدراسة :
نظراً لطبيعة المنهج الكيفي فقد عمد معد الدراسة إلى الارتكاز على أسلوب طرح الأسئلة المفتوحة والمغلقة من خلال تصميم استبانة المقابلة التي تم إعدادها لطرحها من خلال الحوار والمناقشة مع القائمين على رعاية وتربية الطفلة ، حيث كان ذلك من خلال عدة مقابلات وجلسات أفردت خصيصاً ، علماً بأن والدي الطفلة وبعد شرح الهدف من هذه الدراسة لهم ابدوا استعدادهم للتجاوب مع الباحث ، لا سيما وان المعلومات التي تم رصدها موظفة لأغراض البحث العلمي فقط.
مصادر جمع البيانات :
1- الملف الاجتماعي الخاص بالطفلة المعوقة عقلياً الموجود في مكتــب الخدمـة الاجتـماعية ( الدراسة الاجتماعية الأولية+ملف دراسة الحالة المعمق).
2- تقرير الطبيب الشرعي الذي أجرى الفحص الطبي الشرعي للطفلة .
3- أوراق التحقيق الشرطية الخاصة بالحالة .
محددات الدراسة :
تتحدد الدراسة بمحدد أساسي هو اقتصار الدراسة على حالة واحدة من حالات الأطفال المعوقين عقلياً والتي تم الإساءة إليها. وبالتالي تتحدد نتائج هذه الدراسة فقط على الحالة مدار البحث ولا تنسحب بالضرورة هذه النتائج على باقي الأطفال المعوقين بنفس الإعاقة أو بإعاقات أخرى .
المفاهيم النظرية والإجرائية للدراسة :
o الأسرة : هي عبارة عن الوحدة الاجتماعية الأولى التي تهدف إلى المحافظة على النوع الإنساني وتقوم على المقتضيات التي يرتضيها العقل الجمعي والقواعد التي تقررها المجتمعات المختلفة ( النورجي ،1990 ،ص23 ).
o الطفل : هو الفرد الذي يتراوح عمره ما بين سن الولادة وحتى 18 سنة.
o الطفل المعوق : هو الطفل الذي لديه حاجات أساسية والتي تكون موجودة لدى الأطفال العاديين ، إلا انه نتيجة الاضطرابات السلوكية والجسدية والعاطفية تصبح لديه حاجات خاصة (الخطيب، 1993 ).
o الطفل المعوق عقلياً : هو شخص يعاني من نقص أو تخلف أو بطئ في نموه العقلي يؤدى إلى تدني في مستوى ذكائه ومستوى تكيفه الاجتماعي ، فلا تتناسب قدرته العقلية ولا تتوافق مع عمره الزمني(نور،1973 ،ص10).
o التخلف العقلي : انخفاض ملحوظ في القدرات العقلية العامة وعجز في التكيف يظهران في مرحلة النمو (الخطيب،1993،ص9 ).
o خصائص الأسرة : هي تلك السمات المميزة لهيكل الأسرة من حيث (الخصائص الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية لافراد الأسرة ).
o الدعم الاجتماعي : حاجة الأفراد إلى متنفس وفرصة كافية للتعبير عن مشاعرهم من مصادر متنوعة ( كالأقارب ، الجيرة ، الأصدقاء).
o الإساءة : هو الفعل المقصود غير العرضي الصادر من قبل أحد أفراد الأسرة القائمين على رعاية وتنشئة الطفل بهدف إيذائهم والحاق الضرر بهم.
الفصل الثالث :
نتائج الدراسة توصياتها
نتائج الدراسة ومناقشتها :
أولاً : الخصائص الديموغرافية للطفلة المعوقة :
تدعى الطفلة نداء وهي تبلغ من العمر سبع سنوات ، وهي الطفلة الثالثة في ترتيب مواليد اسرتها. لها أربعة أشقاء كلهم من الذكور.لم تلتحق الطفلة مطلقاً بالمدرسة بسبب إصابتها بالإعاقة العقلية والشلل الدماغي.
ثانياً : موجز عن تكوين الأسرة :
تزوج والدي الطفلة عام 1989 بحكم الجوار ومعرفة الأهل دون وجود صلة قرابة بينهما حيث أن كل منهما من بلدة مختلفة عن الآخر. وبسبب وجود بعض الأمراض عند ألام تأخر الزوجان في الإنجاب ولمدة عامين .بعدها رزقا وعلى التوالي بولدين -ذكرين- يعاني الأكبر منهما من إعاقة سمعية ونطقية ، أما الآخر فهو بصحة جيدة .بعدها كان الحمل الثالث وبفاصل زمني قصير -سنة واحدة- وكانت نتيجة هذا الحمل ولادة الطفلة نداء مدار البحث ، حيث ولدت -وحسب كلام ألام – وهي بصحة جيدة ولا تعاني من أي إعاقات ، إلا انه وبعد ثلاثة شهور أصيبت الطفلة بالحمى واهمل علاجها من قبل والديها الأمر الذي أدى إلى تفاقم حالتها وإصابتها بالشلل الدماغي وتلف في الدماغ مما أدى إلى الإعاقة العقلية. بعد هذه الولادة انجب الأبوين ولدين -ذكرين آخرين- وهم يعانون من بطئ من تأخر في الكلام.
ثالثاً : الخصائص الأسرية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة :
يبلغ الأب من العمر 35 سنة وهو ذو مستوى تعليمي متدني إذ أن تحصيله العلمي لم يتجاوز التعليم الأساسي (الصف الخامس الابتدائي) .يعمل الأب بشكل متقطع كسائق عمومي على بعض سيارات السرفيس أو الشحن ، ولكنه لا يكاد يعمل حتى يترك هذا العمل ولاسباب تتعلق بطبيعة هذه المهنة ،وعدم الاستقرار هذا لا يمكنه من الحصول على دخل يُمكن أسرته من تغطية احتياجاتها الأساسية .ومما يذكر هنا أن الدخل المتأتي من عمل الأب -في حال بقاءه بالعمل- هو 130 دينار أضف على ذلك المعونة النقدية المتكررة التي يتقاضاها عن ابنته المعوقة نداء والبالغ قيمتها 30 دينار من صندوق المعونة الوطنية التابع لمديرية تنمية عمان الشرقية. أما بخصوص ألام فهي تبلغ من العمر 30 سنة وهي ربة بيت ومستواها التعليمي متدني ولم يتعدى الصف السادس الابتدائي.وقد تزوجت ألام من زوجها وهي في سن مبكرة ( 18 سنة) ، حيث ذكرت ألام بأنها لم تكن ترغب بالزواج في هذا العمر وانما كان إجبار أهلها لها هو السبب الرئيس في إتمام هذا الزواج إيماناً منهم بأن الزواج هو ” ستيره للفتاة … ” ؟. تعيش الأسرة في بيت طابق ارضي وهو ملك ومكون من غرفة واحدة بالإضافة إلى منافعها . يوجد في البيت ماء وكهرباء وهو مربوط بشبكة الصرف الصحي .
رابعاً : التاريخ التطوري لاعاقة الطفلة والإساءة الواقعة :
أشارت ألام بأنها لم تتعرض وهي حامل بطفلتها -مدار الدراسة- إلى مخاطر الأشعة المختلفة .وان ولادتها كانت طبيعية وغير معسرة ، وان ابنتها -وحسب مفاهيم ألام- صرخت بشكل طبيعي وكان وزنها ضمن الحدود الطبيعية ، ولكن بعد مضي ثلاثة اشهر أصيبت الطفلة ندا بالتهاب رئوي مصحوباً بارتفاع في درجة حرارتها.أهملت الأسرة علاج الطفلة مما أدى إلى تفاقم حالتها واصابة دماغها بالتلف والإعاقة العقلية .ومن هنا يمكن القول بأنه هذا التقصير هو أول بوادر علامات الإهمال ، فلو تم عرض الطفلة على الاختصاصي الطبي المناسب لاختلف – في رأي الوضع-. ويمكن عزو هذا الإهمال إلى جهل ألام والأب في مثل هذه القضايا ، أضف إلى ذلك إهمال الأب وعدم اهتمامه بأحوال وشؤون أسرته بشكل كافي .إن هذا الإهمال – وحسب كلام ألام – الصادر من زوجها أدى إلى أن تتحمل هي مسؤولية الإشراف والمتابعة الخاصة بشؤون طفلتها المعوقة ” وكأنها بنتي بس وليست بنته” . وهنا تلتقي هذه النتيجة مع نتيجة دراسة الملكاوي ، والطراونة القائلة ” بأن الأمهات أكثر معاناة في تعاملهم مع أمراض أطفالهم المزمنة ومنها الإعاقة”.وتتفق ايضاً مع نتيجة دراسة جبريل ، والحديدي القائلة ” بأن وجود طفل معوق في الأسرة من شانه أن يشكل مصدر تهديد بحيث يخلق هذا الوجود ضغوطاً جديدة تؤثر على أدوار الأسرة وعلاقاتها “.
وفي سياق مجريات المقابلات أشارت ألام انه بعد أن عرفوا بحالة الإعاقة العقلية التي أصيبت بها طفلتهم أصيبوا بخيبة أمل وشعورٍ باليأس والحزن والاستغراب والاستنكار والخجل الاجتماعي. وهذه المعلومات تتلاقى مع نتائج دراسة البداينة ويوسف وجبريل. ولقد ذكرت ألام بان ابنتها المعوقة قد عانت وتعاني كذلك من مضاعفات أخرى رافقت الإعاقة العقلية مثل ( فقدانها السمع الشبه كلي ، وفقدانها مهارات الكلام والحركة والمهارات الاستقلالية الذاتية ، هذا كله يقود إلى استنتاج عقلاني مفاده بوجود الإهمال الأسري كان قد وقع – ولا يزال- على هذه الطفلة ، ويمكن عزو هذه الاستنتاج إلى عدة أمور أبرزها :
1- تدنى المستوى التعليمي الخاص بأسرة الطفلة مدار الدراسة .
2- التدني في المستوى التعليمي أعلاه أدى إلى عدم وجود المعرفة الحسية الكافية للوالدين باحتمالية إصابة طفلتهم بإعاقة عقلية ، وخصوصاً عندما أهملت الأسرة معالجة الحالة المرضية العادية للطفلة والتي كانت مصحوبة بارتفاع درجة حرارتها . وحيث أن هذه الأمور لم تلاحق فقد كان لها الدور الرئيسي في إحداث مضاعفات انعكست وبشكل سلبي على هذه الطفلة .
3- ظنت الأسرة انه وبسبب عدم وجود تاريخ مرضي (أي وجود إعاقات ) في أسرتي الزوجين أن ابنتهم لن تصاب بهذه الإعاقة وخصوصاً عندما ارتفعت حرارتها ولم تعالج.
4- أما إذا افترضنا جدلاً بأن الأسرة لاحظت وجود مؤشرات سلبية على وضع وصحة طفلتهم ، ولكن يبدو أن الظروف الاقتصادية المتدنية المميزة لهذه الأسرة قد لعبت دورها كذلك في عملية إهمال معالجة هذه الطفلة .
إن هذه الاستنتاجات تتفق إلى حد ما مع ما جاءت به نتيجة دراسة يوسف حول أن إصابة بعض أطفال ذوي الدخول المتدنية بالإعاقة العقلية والشلل الدماغي تكون اكثر من إصابة ذوي الدخول المرتفعة بهذه الإعاقات.
ولقد أشارت ألام بأنها وزوجها لم يقومان أو يحاولان إجراء معاملة لإدخال طفلتهم إلى إحدى المراكز الخاصة المعنية بتأهيل ورعاية مثل هذه الإعاقات ، بل حاولت الأسرة عن طريق الأب التخلص من هذه الطفلة المعوقة عن طريق ” إلقاءها على سكة الحديد التي يسير عليها القطار والمحاذية لسكن الأسرة قاصداً – أي الأب – أن يدوس القطار ابنته لإزهاق حياتها ، إلا أن إرادة الله لم تشأ ذلك حيث قام بعض الأفراد الذين شاهدوا هذا المنظر بإنقاذ هذه الطفلة وإرجاعها إلى أسرتها . علماً بان هذه الحادثة قد تناهت ووصلت إلى على إحدى المراكز الأمنية القريبة من منطقة سكن الأسرة وتم اتخاذ إجراء – اعتقد بأنه غير رادع- بحق الأب . وقد تداعت هذه الحادثة بنتائجها ، فقد عمدت وزارة التنمية الاجتماعية إلى تخصيص معونة نقدية ثابتة لهذه الطفلة كانت بقيمة 40 دينار وبهدف محاولة تحفيز الأسرة وإزالة بعض مشاعر الإحباط والألم الذي يعانوه .
إلا أن ذلك لم يردع الأب حيث قام مرة أخرى بسكب الماء المغلي على طفلته مما أصابها بحروق شديدة نوعاً ما ، وفي هذا الصدد ذكرت ألام ومن باب التبرير بأن زوجها لم يكن يقصد إيذاء الطفلة ولكن بطريق الخطأ انسكب الماء منه على الطفلة واصابها بالحروق.وتتفق هذه النتيجة مع نتيجة دراسة الطراونة القائلة بان الآباء أكثر عنفاً على أطفالهم من الأمهات .
وبسؤال ألام عن شعورها حيال الطفلة وما حدث لها من قبل والدها ، بدأت ألام بمحاولة التهرب وإطلاق الصفات غير السوية على ابنتها المعوقة فقالت بأنها ( كثيرة الغلبة ، تأكل كثيراً ، تبول لاإراديا على نفسها ، بتوسخ على حالها ، ما بتنام في الليل … ) وفي هذا الإطار لاحظ الباحث أن ألام تخشى من قول الحقيقة عن زوجها وانه مسيء ، وفي المقابل شعر الباحث بأن ألام متأثرة بوضعية طفلتها المعوقة وأنها في ضائقة نفسية قد تصل -من وجهة نظر الباحث- إلى حد الإصابة بالاكتئاب أو بالإحباط ، وهذا الأمر تجلى في قولها ” والله منا عارف شو أسوي وكيف أتصرف مع هذه البنت ، ولكن الله بعين هذا نصيبي …” . وتتفق هذه النتيجة مع نتيجة دراسة ملكاوي بان الأمهات هن الأكثر معاناة لمرض طفلهن وقد يصل الأمر إلى الإصابة بالاكتئاب.
وللتعرف اكثر على أسباب هذه المعانة التي تمر بها ألام فقد أشارت إلى عدة أمور قد تكون هي المسؤولة عن هذا الضغط النفسي وهي :
o أنها تشعر وكأنها هي المسؤولة عن إنجاب هذه الطفلة المعوقة الذي شكل ازعاجاً لزوجها.
o لا توجد مساندة اجتماعية كافية للام حول كيفية تقديم الرعاية اللازمة لهذه الطفلة ، سواء من أسرتها أو من الجهات الخارجية.
o عدم قدرتها على طلب المساندة الطبية بسبب وضع أسرتها الاقتصادي المتدني.
o وجود مشاكل عائلية بين الزوجين قد تصل في بعضها إلى درجة العنف الجسدي على ألام أو الأطفال من قبل الزوج.
o عدم معرفة الأسرة بالجهات التي يمكن أن تلعب الدور الاسنادي لها ، وخصوصاً على الصعيد العلاجي والتأهيلي الوظيفي.
تعليق على النتائج :
إن نتائج الدراسة التي تم استعراضها آنفاً تبين أن هناك عدة أسباب تؤدي إلى حدوث الإعاقة . والحالة التي تم تناولها تؤكد بأن هناك عوامل اجتماعية وثقافية واقتصادية تداخلت مع بعضها البعض وشكلت أرضية خصبة لحدوث تلك الإعاقة وما نتج عن ذلك من رفض واضح وعدم تقبل لوجود طفل معوق داخل أطر الأسرة.
فإخفاق الأسرة في التعامل مع حالة مرضية عادية لطفلتهم أدى إلى تفاقم حالتها وبالتالي إصابتها بالإعاقة العقلية والشلل الدماغي ، ومع استمرار هذا الوضع السلبي المتمثل برفضٍ صارخ لهذه الطفلة بعد الإصابة بالإعاقة مع تدني المستوى التعليمي والثقافي للأبوين قد حال -وبشكل أكيد- دون استخدام الأساليب الرعائية والتربوية التي تتفق وخصائص الطفلة المعوقة وحاجتها إلى الرعاية المباشرة . هذا كله دخل ضمن إطار وعالم الإساءة ، فأصبحت الطفلة تتعرض إلى الإهمال المتتالي تبعها محاولة التخلص بالقاءها خارجاً وفي أماكن خطيرة جداً – سكة الحديد – .
ومن هنا فإننا نجد الأهمية الكبيرة للدور الذي يمكن أن يلعبة الاختصاصي الاجتماعي مع باقي الفريق الاختصاصي والمهني الآخر ، والذي يحتم عليهم جميعاً واجبهم المهني التعامل مع طرفي المعادلة ( الطفل المعوق & والقائمين على الرعاية والتـنشئة ) بعلمية وبصبر خلاق من حيث تعريف الأباء والأمهات بالمراحل النمائية المختلفة التي يمر بها أبنائهم وخصوصاً إذا كانوا معوقين.
توصيات الدراسة :
1- الاهتمام بإجراء اعديد من الدراسات حول موضوع التقبل للطفل المعوق من قبل أسرته ومحيطه الاجتماعي الخاص والعام ، ومدى احتمالية وقوع الإساءة عليه نتيجة تلك الإعاقة.
2- العمل على توعية الوالدين بظروف الإعاقة العقلية تحديداً وباقي الإعاقات الأخرى عموماً ، وتشجيعهم على تقل قدرات الطفل المعوق واقناعهم بإمكانية استغلال هذه القدرات لانتاج طفل معوق فاعل.
3- تشجيع الأسر التي لديها أطفال معوقين على الاتصال بالمؤسسات الرسمية والأهلية للاستفادة من خبراتهم ، كذلك العمل على تعريفهم بهذه المؤسسات العاملة داخل المجتمع.
4- العمل على توفير الدعم المالي لكل الأطفال المعوقين ولاسرهم كذلك وبشكل سريع جداً ، والاختصار من الإجراءات البيروقراطية الطويلة في عمليات الصرف النقدي تلك.
5- عقد الدورات والندوات التوعوية والإرشادية لاسر الأطفال المعوقين عقلياً حول الرعايئة التربوية والنفسية والاجتماعية الصحيحة، حيث أن هذا الأمر يعزز من عملية العلاج.
6- محاولة إيصال الأسر إلى مرحلة التقبل والتكيف مع وضع الطفل المعوق عقلياً ، وبالتالي العمل على إدماجه في محيطه الأسري والاجتماعي بشكل فاعل.
7- إنشاء جماعات مساندة من المتطوعين واهالي الأطفال المعوقين للتشارك في الآراء حول افضل الطرق الخاصة بمساعدة الأطفال وذويهم .
8- العمل على توفير وسائل الترفيه والتثقيف اللازمين للفئة المعوقة ولاسرهم .