نموذج مقترح لتعليم التفكير
نموذج مقترح لتعليم التفكير
أدى استخدام الطرق التدريسية التقليدية وكذلك ضعف إلمام بعض المعلمين بالطرق والاستراتيجيات الحديثة التي تنمي عمليات العلم وتشجع التفكير إلى انخفاض مستوى تفكيرالطلبة وقتل الإبداع والابتكار لديهم، فتنمية قدرة الطلاب على التفكير تعد من أهم أهداف التربية عموماً، حيث تعينهم على التغلب على مشاكلهم الحياتية التي تواجههم. وقد أدى كل هذا إلى الاهتمام المتزايد ببرامج حديثة لتعليم التفكير ضمن ما يطلق عليه بالتعليم من أجل التفكير.
إن الروتين والملل الذي يتسلل لكل معلم في مهنته وخلال تدريسه لطلابه يكاد ينسي المعلم مهمة أساسية لربما أسميناها مهمة ممتعة، وهي كيف تتواصل مع عقل طالبك، وكيف بإمكانك أن تحسن من تفكيره، وكيف لك أن تفتح مداركه وآفاقه في العالم الذي يدور حوله. لقد بات طالب المدرسة اليوم في سجن كما هو يتصوره في مخيلته، ذاك المكان الكئيب الذي يجد فيه معلما متسلطا لا يطلب منه سوى واجبات منزلية بالإجبار .
وأنشطة تكاد تقتل اهتمامه وميوله في حياته متناسيا وبشكل كامل ما يطمح إليه طالبه وما يرغب به. فعلى كل معلم أن يستيقظ من حلم الوظيفة إلى حلم شغفه بمهنته لكي يخرج أسرى المدارس إلى عالم الواقع. ومن هنا، سنرى في هذا المقال وفي بضع كلمات بأن هناك مجموعة من الخطوات، ولنعتبرها همسات حانية لتصل إلى قلبك قبل أن تصل إلى عقلك، ومن بين تلك الهمسات:
طالبك بين يديك كصفحة بيضاء تلون فيها ما تريد وتكتب فيها ما ترنو إلى الوصول إليه، لكن السؤال هنا، ماذا علي كمعلم أن أفعل كي أصل لعقل طالبي وأعطيه ما ينفعه من العلم وينفع به غيره. إذن وقبل كل شيء، أول ما عليك القيام به هو أن تبني علاقة وطيدة بينك وبينه لكن مع وجود حدود من الاحترام والتقدير الذي يلف هذه العلاقة، لكن هل هذا يكفي؟! هذا يقودنا إلى السؤال الأصعب هنا، وهو كيف يمكن أن أؤثر على طلابي وأصل إلى تفكيرهم خلال شرحي لدرس العلوم.
أو الرياضيات أو اللغة العربية أو أي مادة تعليمية. ولهذا الغرض جاءت باحثتان من الجامعة الإسلامية تخصص ماجستير مناهج وطرق تدريس وقامتا بإعداد ما يسمى بنموذج تدريسي يمكن لأي معلم أو معلمة اتباعه وخاصة في مادة العلوم، والذي يعتبر من أكثر المواد المفعمة بالتفكير والتي يمكن أن تفتح العقول التي تكاد تدفن. وقبل أن نقدم الخطوات، كان لا بد من عرض مجموعة من الشروط والتي يجب أن نتعرض فيها لعقل المعلم قبل الطالب وهي:
- الايمان بأن جميع الأطفال قادرون على التفكير.
- أن يدرك التلاميذ أن التفكير هدف ينبغي السعي إليه.
- تقديم مشكلات للتلاميذ تتحدى تفكيرهم.
- توفير بيئة تعليمية آمنة خالية من التهديد.
- توفير بيئة غنية بالمثيرات.
- القدوة الحسنة: من الضروري أن يكون المعلم نموذجا مثاليا لأداء سلوكيات وعادات العقل لأن التلاميذ يتعلمون من سلوكه وأعماله أكثر مما يتعلمون من أقواله.
وهذا النموذج المميز يتضمن مجموعة من الخطوات المنظمة المتسلسلة والتي يمكن اتباعها لتعليم التفكير وهي كالتالي:
- الإعداد الحسي.
- الصراع الذهني.
- تقديم تعريف المفهوم يتضمن خصائصه الحرجة والعلاقات التي تربطها.
- تقديم مجموعة كافية من الأمثلة واللأمثلة المتعلقة بالمفهوم.
- التفكير في التفكير (التدريب الاستجوابي).
- التجسير لتعزيز التعلم.
- تقديم التغذية الراجعة للطلاب بعد ظهور الاستجابات مع التركيز على استخدام التعزيز.
شرح تفصيلي لمراحل النموذج
1- الإعداد الحسي:
وهذه المرحلة تكون في بداية الموقف التعليمي (الدرس)، حيث يقوم المعلم بعرض جميع عناصر الدرس بشكل متسلسل مع توضيح الأفكار والمفاهيم الأساسية للتأكد من معرفة التلاميذ لها، وتهتم هذه المرحلة بالتطور الذاتي والبناء الاجتماعي للمعرفة من خلال تبادل وتشارك المعلومات والمفاهيم بين التلاميذ مما يمكنهم من الاستيعاب الصحيح للمفاهيم والمصطلحات بشكل ملموس.
يحاول المعلم تقسيم المتعلمين إلى مجموعات عمل لإثراء المناقشة.
-يكون المعلم أكثر من مجرد ملقي للمعلومات أو الإدارة وأكثر من ميسر ومسهل لعملية التعليم بل يجب أن يكون موجها للأنشطة الصفية والمناقشات والحوارات التي تلعب دورا مهما في تنمية التفكير.
يربط المعلم بين الخبرات التي اكتسبها المتعلمون في الحصة والخبرات السابقة.
توظف في هذه المرحلة استراتيجية: المناقشة الجماعية، استراتيجية تعدد الحواس، الاستقصاء الموجه، KWL
أمثلة:
التحضير الحسي الملموس: يقوم المعلم بتوجيه أنظار الطلاب إلى كأس به ماء أو طبق كبير به حركة موجية مفتعلة ثم يسأل: ماذا ترون؟ ما سبب هذه الحركة؟ هل هي مستمرة أم تزول؟.
ويمكن عرض صور (شبه حسي)
يعرض المعلم صورة لخلية نباتية وخلية حيوانية ثم يسأل: أي منهما تمثل النباتية و الحيوانية؟
2- التعارض المعرفي (الصراع الذهني):
الأساس في هذه المرحلة هو وضع مشكلة أو سؤال لا يستطيع الطلبة إيجاد حل له باستخدام طرق تفكيرهم الحالية، مما يسبب حالة من اللاتوازن في البناء الذهني للتلميذ، فعندما لا تتطابق فكرة جديدة مع معرفته السابقة يحدث التضارب أو الصراع وتعديل خارطة المفاهيم العلمية لديه، وهنا يأتي دور المعلم لمساعدته على تحقيق هذا الهدف.
يتعرض المتعلمون من خلال الأنشطة الحسية إلى مشاهدات تكون مفاجئة لهم لأنها لا تتفق مع توقعاتهم ولا تتناغم مع دوافعهم أو خبراتهم السابقة أو مع خبراتهم المباشرة التي تعرضوا لها في بداية النشاط. تتولد نتيجة هذه المفاجأة حالة من التعجب والاندهاش تدفع المتعلمين إلى تنفيذ الأنشطة بحماس ودافعية لحل إشكالية التعارض المعرفي الذي يواجههم.
يستعين المعلم بأنشطة صفية محيرة للمتعلم وذلك حتى يصل المتعلم إلى اقصى ما يستطيع من التفكير، بل يتعداه حتى يستطيع الوصول إلى حالة الاتزان والاستقرار.
توظف في هذه المرحلة استراتيجية : المناقشة الجماعية، العصف الذهني، حل المشكلات.
أمثلة:
الصراع (التضارب الذهني): لو امتلك الانسان القدرة على سماع كافة الترددات، كيف سيكون حاله؟
وللتعرف على شروط صدى الصوت يقوم المعلم بطرح الموقف التالي: ذهب أحمد الى ملعب وتحدث ولم يحدث صدى صوت، لماذا لم يتكون صدى صوت أحمد؟ أو يذهب المعلم بطلابه إلى ساحة المدرسة ويسألهم لماذا لم يسمعوا صدى الصوت.
اختلط على أحد طالبات الصف الثامن شريحتين لخلية نباتية وحيوانية كيف يمكن أن تميز بينهما؟
3- تقديم وبناء المفهوم:
يتكون المفهوم من اسم المفهوم والدلالة اللفظية له، فالمعلم يقدم اسم المفهوم وعلى الطالب بناء المعرفة ذاتيا ووصف المفهوم وتحديد صفاته المميزة والعلاقات التي تربطها. ويجب تزويده بالوسائل والأدوات والفرص اللازمة والملائمة ليقوم بذلك، وليس فقط فهم وهضم المفاهيم التي قام ببنائها وتشكيلها، بل الاستدلال وبناء قواعد وأنماط لهذا الاستدلال من أجل إيجاد حلول للمشكلات.
توظف في هذه المرحلة استراتيجية : استراتيجية تعدد الحواس، استراتيجية تشكيل المفهوم، خرائط المفاهيم.
أمثلة:
البناء وتشكيل المفاهيم: هنا يترك الطالب لبناء معرفته ذاتيا إلى أن يصل للمعرفة بنفسه.
مثلا: أن يصل إلى أن هناك نوعان من الأمواج “طولية ومستعرضة ” وان الطولية تحتاج وسطا ناقلا بينما المستعرضة لا تحتاج إلى وسط ناقل.
4- تقديم الأمثلة واللأمثلة:
يصنف الطلاب المواد التي أمامهم حسب الخصائص المشتركة بين العناصر التي أمامهم إلى الأمثلة واللاأمثلة على الفلزات، بحيث يقدمها لهم أزواجاً متقابلة (مثال – لامثال)، وأن تكون متدرجة في مستوى الصعوبة من السهل إلى الصعب. وهنا يخبر المعلم عن المثال بأنه مثال على المفهوم وعن اللامثال بأنه لا مثال عليه.
5- التدريب الاستجوابي/التفكير في التفكير ( الإدراك فوق المعرفي):
يمكن النظـر إلى ما وراء المعرفة علـى أنها قـدرة مـن القدرات التي تؤدي إلـى زيـادة خبـرة الطلبـة، وتشـير ما وراء المعرفة إلى قدرتهم على إدراك عمليات التعلم ومراقبتها.
يتطلب من الطالب أن يفكر في عملية ومراحل التفكير التي مر بها لحل مشكلة ما أو الإجابة عن سؤال ما، وتستهدف هذه المرحلة توجيه التلميذ للوعي بكيفية تفكيره ويعي ويدرك كيفية تعلمه.
تبدأ هذه الخطوة بتحقيق مبدأ وعي المتعلم بعمليات تفكيره أو إدراكه لما يقوله وما يعمله ولماذا استخدم هذه الطريقة في التفكير ولماذا فكر من خلالها.
يقدم الطلاب خطوة التدريب الاستجوابي، حيث يقدمون مجموعة من الأمثلة واللاأمثلة الجديدة على المفهوم بشكل عشوائي، والخطوة الأهم هنا هي مطالبتهم بإعطاء التبرير لكل عملية اختيار أو استثناء، وفي كل عملية اختيار أو تحديد للمفهوم أو استثناء لغير المثال أو إعطاء سبب اختيار هذا المثال يدرك المتعلمون نوع التفكير الذي استخدموه في حل المشكلة ويكونون على وعي بخطواته حيث يستطيعون تنظيم أفكارهم وخطوات تفكيرهم ذاتيا، الأمر الذي يؤدي إلى الإسراع في نمو مهارات تفكيرهم وبالتالي زيادة النمو المعرفي لديهم.
توظف في هذه المرحلة استراتيجية : المناقشة الجماعية ،حل المشكلات، KWL
أمثلة:
يفكر المتعلمون في الأسباب التي دعت إلى التفكير في المشكلة من خلال الأسئلة التي يطرحها المعلم عليهم مثل: كيف فعلت ذلك؟ لماذا فعلت ذلك؟ هل توضح لماذا فكرت في ذلك؟ لماذا اعتبرت أن هذه الخلية نباتية والأخرى حيوانية؟ لماذا صنفت هذا مع المثال على المفهوم وهذا مع اللامثال على المفهوم؟
6-التجسير: (عمل جسر بين الخبرة في الموقف التعليمي والخبرة في المواقف الحياتية)
الهدف منها مساعدة التلاميذ على إدراك العلاقة بين المعارف والخبرات التي اكتسبوها في موقف تعليمي مع خبراته في الحياة. ويعد بناء هذه الجسور أمرا ضروريا لتطبيق الخبرات التعليمية في الحياة الواقعية، وتهدف هذه الخطوات إلى ربط الخبرات التي حصل عليها المتعلمون من الأفعال التي قاموا بها مع خبراتهم في حياتهم العملية ومع الموضوعات الدراسية المتعددة.
إن بناء جسور فكرية بين الأنشطة والحياة العملية أمر ضروري لإخراج الخبرات التعليمية من الإطار النظري إلى الإطار العملي والتطبيقات الحياتية. فإيجاد علاقات وروابط بين الخبرات الجديدة المتعلمة والمواد الدراسية الأخرى يساعد على نقل أثر التعلم إلى جوانب حياتية مختلفة وبالتالي بناء وتكوين صورة متكاملة للمعرفة.
توظف في هذه المرحلة استراتيجية : المناقشة الجماعية، خرائط المفاهيم، الاستقصاء الموجه.
أمثلة:
التجسير:
تطبيق ما سبق تعلمة في مواقف جديدة:
- اذكر بعض الأمواج المستخدمة في حياتنا اليومية.
- عدد بعض الأمثلة لحركات تشبه الحركة الموجية.
- قدم تقريرا عن أهمية الأمواج في مجالات عدة: الطب، الجيولوجيا، المحيطات، والملاحة البحرية والجوية.
- قم بعمل زيارة لمكتبة المدرسة واجمع معلومات عن الخلية النباتية والحيوانية.
- قدم بحثا حول المفهوم الذي تعلمته اليوم.
7- تقديم التغذية الراجعة والتعزيز:
يقدم المعلم التعزيز المناسب أو التغذية الراجعة التصحيحية لكل طالب حسب ما يتناسب مع الموقف التعليمي.