محاور تفاعل الطالب مع المعلم الجزء الاول
محاور تفاعل الطالب مع المعلم
محاور تفاعل الطالب مع المعلم
محاور تفاعل الطالب مع المعلم
محاور تفاعل الطالب مع المعلم
■ مقدمة.
تشهد العشريات الأخيرة – عالمياً – جهوداً مكثفة لتحسين مردود المنظومات التربوية وتفادي العجز القائم فيها، فانصب الاهتمام ليس فقط على المادة الدراسية – كما كان سابقاً – والتحكم فيها، بل أدرك مختلف المهتمين بالمجال التربوي والمختصين فيه أنه للتكفل الجدي بالتعليم لا بد من معرفة أحسن الأقطاب الثلاثة للوضعية التعليمية و هم : (المعلم – المتعلم – المادة الدراسية) والتفاعلات بين هذه العناصر الثلاثة، والكل يعلم أن الوظيفة الأساسية للتعليمية هي تحليل نشاط المعلم في الصف من جهة وبأساليب تعلم المتعلمين، وانصب اهتمام الديداكتيكيين على الوضعيات العلمية التي يلعب فيها المتعلم الدور الأساسي، ويكون دور المعلم دوراً مسهلاً للتعلم وموجها له.
لكن هذا لا يعنى أن النظرية التقليدية لم تعد موجودة بل هي ما تزال سائدة في كثير من النظم التعليمية، فالمدرس في هذه النظرية هو العنصر الأساسي في الموقف التعليمي وهو المهيمن على مناخ الفصل الدراسي وما يحدث بداخله بمعنى أن المدرس هو المحرك لدوافع التلاميذ وهو المشكل لاتجاهاتهم عن طريق أساليب التدريس المتنوعة التي تعتمد في غالبيتها على المحاضرات التي قد تصحبها أحياناً السبورة والطباشير، وينحصر اهتمام المدرس في تحقيق أهدافه هو والتي تدور معظمها حول تلقين المادة الدراسية، أما التلميذ فهو أداة سلبية عليه أن يأخذ ويتقبل ما يعطي له دون مناقشة ويغفل تماماً دوره كأحد المتغيرات الأساسية في الموقف التعليمي، أما النظريات الجديدة فقد جاءت كرد فعل لسابقتها وأصبحت تركز على الفروق الفردية للمتعلمين وزاد الاهتمام بدور التلميذ ومشاركته الإيجابية في العملية التعليمية وانتشرت دراسات الفروق الفردية والميول والاتجاهات والقدرات، وأتيحت الفرصة للتلاميذ لاختيار ما يرغبون دراسته من موضوعات مستعينين بالمدرس كموجه ومرشد عند الحاجة (كوثر كوجك 1997 ص 14).
فنظرا لسرعة تغير المعارف والمعلومات لم يعد التركيز في أهداف المنهج على حفظ وتخزين كم كبير من الحقائق والمعلومات وإنما تحول التركيز إلى تنمية القدرات العليا للتفكير، فالمهم أن يتعلم الكائن كيف يفكر بدلاً من فيما يفكر، المهم أن يتعلم الطالب كيف يحل المشكلات بأسلوب علمي ومنطقي وكيف يتعامل مع المعلومات، المهم أن يتعلم الطالب فن الحوار، آداب التعلم، ديمقراطية السلوك وتقبل الآراء المختلفة، ويحترم وجهات النظر المتباينة والمهم أيضاً أن يتعلم أن لكل مشكلة أكثر من حل وأن هناك أكثر من أسلوب للوصول للحل، أن يتعلم الطالب الاعتماد على النفس وأن يتعود على التعلم الذاتي وأن التعلم عملية تستمر مدى الحياة ولا تتوقف عند جدران الصف (كوثر كوجك، المرجع السابق، ص 24).
فالتعليمية ركزت على أهمية التفاعل بين المعلم والمتعلم وضرورة أن يحترم كلا منهم العقد الذي يربطهما (الرجوع لدراسات بروسو حول الموضوع) كما ركزت على محتويات المادة الدراسية التي ينبغي أن تكون متماشية مع مستوى التلاميذ العقلي و تعمل على تنمية مهارتهم المعرفية وفق الأهداف المسطرة مسبقاً.
■ ونظراً لأهمية كل من المعلم والمتعلم والمادة الدراسية وكونهم من أبرز مكونات التعليمية رأينا أن نلخصها في هذه الفقرات حتى نفيد بها قراءنا الكرام.
● أولاً : المعلم.
عندما نتحدث عنه نشير إلى شخصيته مؤهلاته، تكوينه، سلوكه وقدرته على التكيف مع المواقف المستجدة، قدرته على التبليغ والتسميع والتنشيط الجماعي، وقدرته على استثمار علاقاته التربوية في بناء الدرس، كما نتحدث عن حبه لمهنته أو تذمره منها كلها عوامل متداخلة ومتفاعلة تساعد بصورة أو بأخرى في بناء وتكوين المتعلم. مما لا شك فيه أن المعلم في كل حركة وتعبير لوجهه ولباسه وأسلوبه ونظراته يترك في نفسية التلميذ شيئاً فرديا من شخصيته وذاته (أحمد خنسة، 2000، ص269).
وكما قال الباحث فوراستيه (Faurastié) إذا كان من عادة المهندس المعماري أن يدرس في شهرين ما ينوي بناءه في سنة فإن الواجب يفرض عليه اليوم أن يدرس في سنة ما يريد تشييده في شهر حتى يقوم إنجازه على أسس ثابتة ودعائم سليمة، وإذا كان هذا من واجب المهندس المعماري فما بالك بالمعلم الذي ينشئ العقول، إن المعلم أولى بالابتعاد عن كل ارتجال وعشوائية حتى يكون عمله هادفاً فعالاً، ويكون ذلك بالتخطيط الدقيق (عبدالمؤمن يعقوبي، 1996 ص 27).
1 – صفات المعلم ومهاراته.
الكثير من الكتاب والمختصين ركزوا على صفات ينبغي على المعلم الاتصاف بها حتى يكون مدرساً ناجحاً كالصفات الأخلاقية حب العمل، حسن التصرف، الأمانة، والصفات الجسدية وحسن المظهر، وكلها صفات أساسية وضرورية لا بد للمعلم التحلي بها لكننا لن نكثر الحديث عنها وهذا لأننا سوف نركز على بعض المهارات الأدائية التي ثبتت فعاليتها وضرورتها في الصف.
● مهارة تقديم الدرس وتهيئة التلاميذ : من العوامل التي تضمن حسن متابعة التلاميذ للدرس ورغبتهم في التعلم هي الخمس الدقائق الأولى في الدرس، ففيها يستطيع المعلم لفت انتباه التلاميذ وإثارة رغبتهم ودافعيتهم للتعلم، وإما ينصرف التلاميذ من الدرس ولا يبالون بما سيقوله، لذلك نقول أن المدرس الناجح يستطيع من خلال تقديم شيق أن يثير دافعية التلاميذ. وتتنوع طرق التقديم حسب الموضوع وسن التلاميذ كما يتم ربط الدرس بالدرس السابق أو بالمعارف السابقة للتعرف على مستوى التلاميذ والانطلاق منه لاستكمال بنيتهم المعرفية عن الموضوع، كما يمكن للمعلم الاستعانة بأشرطة أو أفلام عن الموضوع والأفكار بالنسبة للتقديم لا ينتهي، لكن المهم أن تكون متنوعة حتى لا تفقد جاذبيتها وعلى المعلم ألا يطيل في المقدمة على حساب زمن الدرس وأن ينتقل من التقديم إلى الموضوع المحدد للدرس.
● مهارة إنهاء الدرس : قد تكون نهاية الدرس أكاديمية أي تركز على تلخيص النقاط العلمية والعملية التي تناولها الدرس ويتم عن طريق أسئلة توجه للتلاميذ أو قد يقوم المعلم بهذا التلخيص، وفي هذه المرحلة تستخلص التعميمات الأساسية في الدرس وتكتب على السبورة وقد يهتم المعلم عند إنهاء الدرس ببعض الجوانب الوجدانية والسلوكية كأن يشكرهم على تجاوبهم ومتابعتهم الدرس (قد يكون فردي أو جماعي) كما قد يعاتب البعض على سلوكياتهم السلبية.
● مهارة الشرح : تعني القدرة على توضيح معنى المفاهيم والمدركات الواردة في الدرس وهذه المهارة جوهر عملية التدريس العلمية والاجتماعية، مع ضرورة أن يكون المعلم ملماً بمادته متعمقاً في مفاهيمها بحيث يستطيع تبسيطها وتوضيحها بأكثر من طريقة ومن بين الأساليب التي يمكن الاستعانة بها : (الأمثلة – التشبيهات – الاستعانة ببعض الرسوم) ويجب التركيز في الشرح الجيد على الاختصار، التسلسل المنطقي والترتيب، توضيح علاقة الأفكار والمفاهيم (كوثر حسين كوجك، المرجع السابق، ص 269-272).
● حيوية المدرس : ترتبط حيوية المعلم بمواصفاته الشخصية، لكن هذا لا يعني أنها موهبة ولكنها مهارة تدريس وهي قابلة للتعلم من خلال الممارسة والتدريب، ولكي تؤدى هذه المهارة بكفاءة فإن المدرس بحاجة إلى تدريب صوته (التنويع في درجاته ومستوياته) وتحركاته وتعبيرات الوجه.
● التفاعل بين المعلم والتلاميذ في الفصل : يظهر من خلال التفاعل اللالفظي (الإيماءات) والتفاعل اللفظي الذي يركز على الكلام الذي يجري داخل الموقف التعليمي من المعلم أو المتعلم.
وقد أوضحت الدراسات والتي من أشهرها دراسات فلاندرز (Flanders)، أن المعلم يأخذ معظم وقت الحصة بالكلام ولا يدع مجالاً كبيراً للتلاميذ للتحدث أو الحوار، كما دلت النتائج أن نسبة كبيرة من كلام المعلم تكون في صورة أسئلة تعليمات وتوجيهات أو تحذير أو توبيخ لتوجيه سلوك التلاميذ، كما وجد أن نسبة مبادرة التلاميذ بالكلام منخفضة للغاية، كما أن نسبة الحوار المتبادل بين التلاميذ بعضهم ببعض منخفضة جداً.
وقد وجد أنه كلما زاد دور التلميذ الإيجابي في الموقف التعليمي زاد التعلم وزادت كفاءة العملية التعليمية، لذلك يتم تدريب المعلمين قبل الخدمة – في كليات التربية – وبعد التخرج لرفع مهارتهم في هذا الجانب، بمعنى تدريبهم على زيادة التفاعل في الفصل، بحيث يكون الدور الأكبر للتلاميذ وتعويد المعلم على التقليل من دوره الدكتاتوري المهيمن على الموقف التعليمي.
● مهارة صياغة وتوجيه الأسئلة أثناء التدريس : يستخدم المعلم الأسئلة من آن لآخر في المحاضرة وفي الحوار والمناقشة وفي مرحلة تقييم الطلاب والتأكد من فهمهم للدرس، ومن المهم أن يتقن المعلم مهارة صياغة وتوجيه الأسئلة، وأن يميز بين أنواعها ومستوياتها، وتعتبر الأسئلة عملية ديناميكية تساعد على التفاعل المتبادل بين المدرس والتلاميذ والتلاميذ وبعضهم البعض.
ويمكن تصنيف الأسئلة إلى قسمين : (أسئلة تختبر وتؤكد المعلومات وتسمى أسئلة الحقائق (Fact questions) ـ أسئلة تدفع التلاميذ إلى التفكير وخلق الحقائق أو التوصل إليها، وتسمى أحياناً أسئلة التفكير (Thought question)).
● مهارة تعزيز استجابات التلاميذ : التعزيز سلوك لفظي يأتي عقب سلوك آخر سواءً كان لفظياً أو غير لفظي بهدف التعبير عن مدى الموافقة أو الرفض للسلوك.
■ أنواعه :
1- التعزيز اللفظي : كأن يقول المعلم للتلميذ أحسنت، جيد أكمل، أو غير صحيح، إجابتك ناقصة.
2- التعزيز غير اللفظي : يكون في صورة ابتسامة أو تصفيق من الزملاء.
3- التعزيز الفوري : يكون مباشرة بعد أداء السلوك دون تأجيل.
4- التعزيز السلبي : وفيه لا يكون هناك رد فعل لسلوك الفرد بل تجاهل وإهمال كامل.
● مهارة استخدام الوسائل التعليمية : تتطلب المهارة أن يكون المعلم ملماً بأنواع الوسائل التعليمية المختلفة والمواقف التي تصلح فيها وسيلة ما، واستعمال أكثر من وسيلة إذا استدعى الأمر ذلك، مع التأكد من أنها تعمل بكفاءة قبل موعد الدرس.
● مهارة إعطاء التعليمات : نادراً ما يخلو درس من الدروس في جميع التخصصات من تقديم التعليمات للتلاميذ والتي تكون إما شفهية أو مكتوبة ومدونة، ومن الضروري أن تكون التعليمات مقدمة بلغة سليمة وواضحة ودقيقة، وما يساعد المعلم على إتقان هذه المهارة أن يجري تعليماته في خطوات قصيرة في تسلسل منطقي تمكن التلميذ من متابعتها وتنفيذها بطريقة صحيحة، ومن الضروري أن يوضح المعلم للتلاميذ الأهداف من هذه التعليمات والنتائج المتوقع منها، وقد يستعين المعلم في تعليماته ببعض الرسوم التوضيحية والأرقام والرموز لمساعدة التلاميذ على المتابعة والفهم.
● مهارة إدارة المناقشة : إن المناقشة تزيد من فاعلية التلاميذ ومشاركتهم الإيجابية في الموقف التعليمي؛ وهناك عدة أنواع للمناقشة ولكل منها أهدافها الخاصة في مناقشة المجموعات الكبيرة يجد المعلم طريقة ونظام الفصل وترتب المقاعد على شكل دائرة، ويجلس المعلم في مقعد في الدائرة يرى فيه الجميع، ويعين أحد التلاميذ ليصبح مقررا للجلسة لتدوين نقاط المشاركة والآراء المختلفة مع ضرورة تغيير المقرر في كل جلسة حتى لا يستأثر واحد منهم بهذا الدور، ويشرح المعلم أهداف المناقشة وموضوعها ويوضح قواعد النقاش (كيف يأخذ الكلمة، أو كيف يعلق على كلام زملائه، أو يطلب استفسار)، وحتى تنجح المناقشة لابد أن يشعر التلاميذ بالارتياح والاطمئنان ولا يشعرون بالتهديد حتى يبدو بآرائهم أي كانت، وعلى المعلم كمدير للمناقشة، ضبط الوقت والتأكد من أن كل جوانب المناقشة قد نوقشت.
● مهارة إدارة دروس المعمل : يتطلب من المعلم مهارة غالية في التخطيط والإعداد السابق لزمن الدرس، ونقصد بالمعمل تجارب المخبر، التطبيقات. والمهارة الأساسية اللازمة للمعلم في دروس المعمل هي القدرة على الملاحظة لما يدور في حجرة الدرس (يلاحظ أداء التلاميذ وأساليب تعاملهم مع بعضهم البعض والتأكد من حسن استخدام الأجهزة) على المعلم أن يوضح في بداية العمل السلوك الناتج والنتائج المتوقعة من هذه التجربة (كوجك كوثر حسين، ص 269-296). إضافة إلى المهارات التي سبق ذكرها فإن إتقان المعلم لصياغة الأهداف التدريسية صياغة سليمة يعتبر كذلك من أهم المهارات اللازم توافرها في كل مدرس بصرف النظر عن مادة تخصصه أو عن المرحلة التي يدرس لها ومن المهم أن يختار المعلم أنواع الأنشطة التي توائم الأهداف المحددة للدرس مع مراعاة الظروف المادية والاجتماعية للبيئة المدرسية، ومراعاة ميول التلاميذ بحيث تدفعهم الأنشطة المختارة للمشاركة الإيجابية والتفاعل المثمر مع الموقف التعليمي، مع ضرورة أن ينوع المعلم في الأنشطة التعليمية التي يختارها سواء في الدرس الواحد أو من درس لآخر لأن هذا يؤدي لتعلم أفضل ويبعد الملل عند المعلم والتلميذ على حد السواء (كوجك كوثر حسين، المرجع السابق، ص 26). فالمعلم من خلال تحديده للأهداف أن يحدد نوعية التعبير المعرفي والمهاري الذي يصبو إلى إحداثه على سلوك المتعلم، ماذا ينتظر من المتعلم إنجازه في نهاية الدرس ؟ أو ما الذي ينبغي أن يكون المتعلم قادرا على فعله في نهاية هذا النشاط ؟ (عبدالمؤمن يعقوبي، المرجع السابق، ص 24).
نستخلص إذا أن وضوح الأهداف ودقتها يمكنان المعلم من السيطرة على الموقف التعليمي التعلمي ويجعل هذا الأمر يحدد الوسائل المناسبة لتحقيق هذه الأهداف، بعد تحديد الأهداف على المعلم أن يعمل على التخطيط الجيد للمنهج المدرسي تمهيدا للتدريس، فالتخطيط بمثابة رسم بياني أو خريطة توضيحية يستعين بها المعلم قبل التنفيذ والتقييم فالتخطيط يوضح مسار عمل المعلم واتجاهاته وطرقه ومشكلاته وكيف يمكن التغلب عليها.
لهذا كان لابد من أن يتقن المعلم مهارة التخطيط لتدريسه حتى يتمكن من توفير أفضل بيئة تعليمية ويعمل على خلق المناخ الذي يشجع على حدوث أكبر قدر من التفاعل وبالتالي أكبر قدر من التعلم (كوجك كوثر حسين، المرجع السابق، ص 55).
فالتخطيط يكون من خلال البحث عن وضعية الانطلاق من خلال التعرف على مكتسبات التلاميذ ذات العلاقة المرجعية بالموضوع الجديد وعلى مدى تحكمهم في هذه المهارات والقدرات، في هذا الصدد تقول الباحثة أنا بونابوار (Anna Bonaboir) إن نجاح الفعل التعليمي يتوقف أولا وقبل كل شيء على وضعية الانطلاق فالمعلم الذي يقبل على درس الأفعال الناسخة في قواعد اللغة العربية ينبغي أن يتأكد من مدى استيعاب تلاميذه ومدى تحكمهم في عناصر الجملة الاسمية، وإلا فإن جميع جهوده ستذهب سدى إذا لم تتوفر لديهم هذه الأرضية (عبدالمؤمن يعقوبي، المرجع السابق، ص 28).
2- تجربة المعلم التجديدية والطليعية.
التجربة الطليعية هي تجربة تربوية تعطي نتائج خلال العملية التربوية الدراسية، أما التجربة التجديدية فهي الأفكار الجديدة والطرائق والوسائل الجديدة في تنظيم وإجراء العملية التربوية.
وعندما نتحدث عن تجربة المعلم نرمز للجانب الموضوعي والطرق التي يستخدمها والأساليب التي يتبناها، ويرمز الجانب الشخصي إلى كيفية استخدام هذه الوسائل والطرائق تبعا لميزاته الشخصية (أحمد خنسة، المرجع السابق، ص 353) فتجربة المعلم ضرورية لنجاح العملية التعليمية، وهذا لأنها تعتبر عصارة جهود متواصلة ومختلفة وفقا للمستويات التي يتعامل معها المعلم، فتجربته تمكنه من ربح الوقت واختيار أحسن السبل لتعلم أفضل.
3- أهمية خلق جو سيكولوجي في الصف (القسم).
في التعليمية التقليدية المعلم هو محور العملية التعليمية وهو التحكم في المعرفة والعلاقة التي تربط المعلم والمتعلم علاقة سلطة، والتقييم فيها يخضع لمنحنى قوس (Courbe de gauss) فالتلميذ ينظم نفسه بنفسه حتى يتعلم، في حين أن التعليمية الحديثة تركز على البناء النشيط لمعرفة التلميذ، وجعلت محور اهتمام الأستاذ هو كيف يتعلم التلميذ، وكيف نسهل عملية التعلم؟ (Michel Minder, 1999, P16).
فالدور الديداكتيكي للمعلم في البيداغوجية الفعالة هو مساعدة التلاميذ على الحصول بأنفسهم على المعرفة، فالمعلم قبل أن يكون مختصا في وظيفته يكون مهندساً في التربية وتقنياً في التعلم، صحيح أن المعلومات التي يحملها ليست دون جدوى، لكن بما أنه يعمل على أن يكسب التلاميذ استقلاليتهم عليه أن يظهر أكثر كمستشار أو مختص في المناهج أكثر من المعارف، وأن يكون على دراية بديناميكيات الجماعة، ومتحكم في ردود أفعاله حتى لا يسقطها على قسمه، فعلى المعلم أن يتنازل عن الدور المسيطر في القسم، ألا يفرض المعرفة، فالمهم أن يعمل على النمو الشخصي للتلاميذ وتقدم لهم يد المساعدة كراشدين دون إغفال نقل المعرف (Michel Minder, ibid, P 138-212) بالنسبة لـ ك. روجرس فإن المهمة الرئيسية للمعلم هي القدرة على خلق جو ذهني وانفعالي مناسب في الصف، جو الدعم السيكولوجي، وذلك يتحقق إذا اتبع المبادئ التالية :
أ- أن يبين للأطفال من البداية وعلى مر العملية الدراسية ثقته الكاملة بهم.
ب- يجب أن ينطلق دائماً من أنه توجد لدى الطالب دافعية داخلية للتعلم.
ج- يجب أن يبدو للطلاب كمصدر للتجربة المتنوعة والفنية، بحيث يمكن اللجوء إليها للمساعدة عند الاصطدام بصعوبات حل هذه المسألة أو تلك.
د- يجب أن يسعى لبلوغ الود الذي يسمح له بفهم أحاسيس ومعايشات كل طالب.
هـ- يجب أن يساعد الطلاب في صياغة وتدقيق الأهداف والمهام الماثلة أمام الجماعة وأمام الطلاب (أحمد خنسة، المرجع السابق، ص 358).
وقد أعطى ميالاري (Mialaret) أهمية لجانب مهم من مكونات الفعل التعليمي التعلمي، وهو الجانب السيكولوجي للمتعلم، إذ على المعلم أن يضع في حساباته خصائص المتعلمين الموجودين بين يديه (السن – الجنس – الوسط المعيشي – القدرات العقلية – الفروق الفردية) (عبدالمؤمن يعقوبي، المرجع السابق، ص 26) وهذا الأمر يصعب من مهام المعلم الذي لابد أن يكون على دراية بمبادئ علم النفس، وعلم النفس النمو، وكذا علم الاجتماع، بالإضافة إلى تخصصه في مادة تدريسه، ولكن السؤال الذي نطرحه، هل بإمكان المعلم أن يكون كما نريده نظريا، وكما تصبو إليه المدارس الحديثـة، والمبادئ الجديدة لعلم النفس وللتعليمية؟ هل يمكن أن يقوم المعلم بكل ما طلبناه منه في ظل العراقيل التي يعيشها ميدانيا من اكتظاظ للأقسام، كثافة البرامج، عدم وجود تعاون بين المؤسسة التربوية؟ كل هذه العراقيل تجعلنا نتحدث عن بعض المشكلات التي يواجهها المعلمون في ميدانهم، والتي نلخصها فيما سيأتي.
4- مشكلات المعلم.
المعروف عن كل مهنة أن لها صعوبات وعراقيل تقف حاجزاً وعائقاً أمام حسن سيرها، وقد تكون هذه المشكلات ذات طبيعة مادية أو غير ذلك، فما بالك بمهنة التعليم التي تعتبر من أعقد المهن وأكثرها حساسية.
♦ مشكلات متعلقة بالأهداف : إن المعلم يبدأ نشاطه التعليمي بتكوين فكرة واضحة عما يريد إنجازه من خلال عملية التعليم، بالتالي عليه أن يقف على الأهداف التي يتوقع من طلبته إنجازها نتيجة هذه العملية.
♦ مشكلات متعلقة بخصائص الطلاب : يتباين عادة الطلاب في خصائصهم الجسمية والانفعالية والاجتماعية، هذا الأمر الذي يفرض على المعلم مواجهة مشكلة فهم الطلاب من خلال التعرف على قدراتهم ومستوى نموهم، ونقاط ضعفهم وقوتهم لتحديد مدى استعدادهم وقدراتهم على إنجاز الأهداف التعليمية المسطرة.
♦ مشكلات متعلقة بالتعلم : يحتاج المعلم لأداء مهمته التعليمية إلى معرفة المبادئ المتنوعة التي تحكم عملية اكتساب المعلومات لدى الطلاب، ونظرا لتنوع سلوك الطلاب، فإن المعلم سيواجه مشكلة اختيار مبادئ التعلم التي تتفق مع طبيعة المواقف التعليمية التعلمية.
♦ مشكلات متعلقة بالتعليم : لابد من أن يلجأ المعلم إلى اختيار طريقة أو أكثر من طرق التدريس التي تختلف باختلاف المواد، وقد تختلف في نفس المادة حتى يكون هناك استيعاب أكثر للمتعلمين.
♦ مشكلات متعلقة بالتقويم : يقوم المعلم بالتقويم للتعرف على مدى التقدم في تحقيق الشيء الذي يجعله يواجه اختبار أو تطوير الإجراءات التي تساعده على معرفة هذا التقدم (سامي محمد ملحم، 2001، ص 36-37).
5- نظريات التعليم.
بعض نظريات التعليم مشتقة من نظريات التعلم لكنها تهتم أكثر بالممارسة والتطبيق التربوي، وقد بذلت الجهود في الماضي لاستخدام نظريات التعلم كأساس التطبيق العملي التربوي، إذ تم منها استخلاص أسس ومبادئ مفيدة في النواحـي العملية، لكن هذه الجهود لم تحقق الأهداف المنشودة.
وجاءت نظريات التعليم فاهتمت بالمبادئ الأساسية وبالسلوك اهتماماً قليلاً واهتمت بنواحي التطبيق العملية لتحقيق الأهداف التربوية، ومن أهم نظريات التعليم :
أ- نظرية المنظم المتقدم “الأسقالة” لأوزبيل (L ‘apprentissage Intelligent ou L’ apprentissage verbal signifiant).
يرى أوزبيل (Ausubel) أن عمل المدرسة يتلخص في تحديد المعارف المنظمة المستقرة الواضحة التي تتألف منها العلوم المختلفة، وعمل المعلم أن ينقل هذه المعارف بطريقة تمكن المتعلم من استيعابها وتصبح وظيفية بالنسبة له وتكون ذات معنى، والمعنى ما هو إلا خبرة شعورية متمايزة تنبثق لدى الفرد وترمز على شكل مفاهيم يتم استيعابها في بنائه المعرفي ويعتمد التعلم بالمعنى على طبيعة المادة التي يتعلمها الفرد وعلى توافر محتوى مناسب في بنية الفرد المعرفية، يفترض أوزبيل أن عقل المتعلم يقوم بخزن المعلومات بصورة هرمية متسلسلة من العام إلى الخاص وحتى تستوعب بصورة مناسبة من المستحسـن أن تقدم على شكل ملخص معمم وشامل يشتمل على ركائز فكرية تثبت المعلومات الجديدة في البنى العقلية للمتعلم ويسمى بالأسقالة، كما يسميه (المنظم المتقدم) وذلك لربط المسافة بين ما يعرفه المتعلم من قبل وما يحتاج لتعلمه لاحقاً.
ويجب أن تكون المنظمات واضحة في مفاهيمها وتظهر على شكل شجرة أو ما يسمى بمنظومات العرض أو وسائل الإيضاح أو على شكل جداول أو تعريفات ومفاهيم أو على شكل مقدمات للمبادئ والتعليم حسب أوزبيل نوعان لكل منهما بعدان، التعليم بالاستقبال (Enseignement réceptif) والتعليم بالاستكشاف (Enseignement transmissif) ويرى أوزبيل أن التعليم بالاستقبال أهم من التعليم الاستكشاف كما أن التعليم بالاستقبال بالمعنى هو الأهم، ويتم التعليم بالمعنى من خلال الربط الذي يجب أن يتم بين المعلومات اللاحقة والمعلومات السابقة وهذا يذكرنا بخطوات التدريس التي نادى بها هاربارت وهي (المقدمة – العرض – الربط – التعميم – التلخيص – ثم التطبيق) والتعليم بالمعنى حسب هذه النظرية هو أن يكون التعليم الجديد خبرة سابقة يدركها المتعلم وتتولد لديه دافعية داخلية (حسن منسي، المرجع السابق، ص 99-100). نلاحظ أن هذه النظرية لا تصلح للأطفال الصغار وإنما تكون مناسبة للكبار والجامعيين.
ب- نظرية برونر للتعليم الاستكشافي.
هذا النموذج من التدريس أكد على أهمية مساعدة التلاميذ على فهم بنية المادة الدراسية وأفكارها المفتاحية والاعتقاد بأن التعليم الحق يتحقق من خلال الاستكشاف الشخصي، ولم يكن هدف التربية زيادة حجم معرفة التلميذ فحسب أو قاعدته المعرفية بل خلق إمكانيات لكي يخترع التلميذ ويكتشف، وحين طبق هذا التعليم في العلوم والعلوم الاجتماعية أكد على الاستدلال الاستقرائي وعلى عمليات الاستقصاء والبحث والتي تميز الطريقة العلمية، كما اعتمد برونر مفهوم المساعدة أو المساندة باعتباره عملية تتم من خلالها معاونة المتعلم على إتقان مشكلة معينة تتعدى قدرته النهائية عن طريق مساعدة المدرس أو شخص آخر أكثر تقدماً. كما أن للحوار الاجتماعي دور في عملية التعلم، فالتفاعلات الاجتماعية داخل المدرسة وخارجها سهلت من اكتساب الطفل للغة ولسلوكيات حل المشكلة. فالمدرسون الذين يستخدمون التعلم بالاستكشاف والتعلم المعتمد على حل المشكلات يطرحون أسئلة على التلاميذ ويتيحون لهم التوصل إلى أفكارهم هم، وهذا النوع من التعليم موجه نحو العملية أي أن التأكيد انصرف إلى كيفية اكتشاف المعرفة وبنائها أو تكوينها أكثر منه إلى فهم محتوى سبق تحديده واعتمد على النشاط بمعنى أن التلاميذ استخدموا خبرتهم المباشرة والملاحظة والتجريب لاكتساب المعلومات وحل المشكلات (جابر عبدالحميد، 1999، ص 145-147).
ج- نظرية جان بياجيه التصور المعرفي التعليمي لتكوين المفاهيم.
تقوم نظرية بياجيه على تطوير المعرفة إذ ترتكز على التفكير والبنى العقلية عند المتعلم، ويتم التطوير من خلال عمليتين متكاملتين وهما :
1- التمثل (Assimilation) : ويقوم على تغيير و تحليل الخبرة الخارجية بحيث تناسب التراكيب المعرفية الموجودة في البنى العقلية للفرد.
2- التأقلم (التلاؤم) (Accomodation) : وتقوم على تغيير التراكيب المعرفية الموجودة لدى الفرد بحيث تناسب الخبرات والمؤثرات الخارجية الجديدة.
تتم هاتان العمليتان ليبقى الفرد في حالة اتزان الذي إذا حدث لا يكون المتعلم بحاجة إلى تعلم أشياء جديدة وفي حالة عدم الاتزان يعطي عندها المتعلم المعلومات اللازمة إلى أن يتحقق عنده الاتزان، ويركز بياجيه على مبدأ أساسي مفاده أنه لا بد للمعلم من أن يحدد من البداية مستوى التطور العقلي لطلابه وإلا فإنه سيعطي معلومات أكثر أو أقل من مستوى المرحلة وبذلك لا يحدث التعلم، كما أنه لا بد من مطالبة المتعلم بتبرير استجابته ومجابهته باستراتيجيات تفكيرية مضادة (حسن منسي، المرجع السابق، ص 103-105).
د- نظرية جانيه في التعليم (التعليم الهرمي).
يرى جانيه أن التعليم جانب واحد من جوانب التربية وهو جانب هام لابد من الاهتمام به إذا أردنا تحين الممارسات التربوية، كما يرى أنه لابد من تصميم التعليم مسبقاً وتخطيط إجراءاته قبل استخدامها في حجرة الدرس، وهو يرفض التدريس الارتجالي وأن يعمل المعلم على أساس الحدس (التخمين) دون خطط، لكن يؤمن بضرورة المحافظة على قدر من التلقائية في العملية التربوية وحسبه فإن المعلم لابد عليه أن يركز على المتعلم وعلى البيئة المحيطة به، ويرفض جانيه من يقول أن هناك نمط واحد للتعليم بل يرى أن هناك 8 أنماط للتعليم والتعلم ولكل نمط شروط وظروف تيسر اكتسابه وهي مرتبة ترتيباً هرمياً، وأنه على المعلم أن يراعي الأنماط الدنيا كلما أراد أن يعد تعليماً لنمط أعلى وهذا لا يدفعه إلى الاهتمام بالخصائص المبدئية لتلاميذه (حسن منسي، المرجع السابق، ص 106).
نلاحظ من خلال هذه النظريات أن الهدف عند أصحابها هو تيسير عملية التعلم ومساعدة التلميذ على أن يكتسب القدر المناسب من المعارف ويتمكن من حل المشكلات المعروضة عليه وإن اختلفت الطرق والمبادئ. نلخص لنقول أن عملية التدريس تتضمن عناصر أساسية وهي التخطيط، التنفيذ، والتقويم وكل عملية تتضمن مجموعة من ألوان النشاط التعليمي كالشرح وإلقاء الأسئلة وإجراء التجارب وهذه الأنشطة يمكن تحليلها إلى مهارات أساسية وأخرى فرعية يهتدي بها الباحث في تحديد الكفاءات المهنية للمعلم (عبدالرحمن صالح الأزرق، 2000 ص 23).