لماذا نشعر أحياناً أننا لا نعرف أنفسنا؟

لماذا نشعر أحياناً أننا لا نعرف أنفسنا؟ …أحياناً، نقف أمام مرآة أرواحنا ونشعر وكأننا نحدق في وجه غريب.. هذه اللحظات التي نشعر فيها أننا لا نعرف أنفسنا ليست ضعفاً، بل هي جزء من رحلتنا المستمرة في اكتشاف الذات. الإنسان بطبيعته كائن معقّد، تتداخل فيه الذكريات، المشاعر، التجارب، والتطلعات، ومع مرور الوقت وتغير الظروف، قد نجد أنفسنا قد ابتعدنا قليلاً عما كنا نظنه “نحن”.

الأسباب خلف شعور الغربة عن الذات
إليك الجواب عن هذا السؤال وفق موقعVery well mind الذي يعرض بعض الأسباب.
الأسباب النفسية:
- الوهم الداخلي: نعتقد أحياناً بأننا نعرف أفكارنا ومشاعرنا بوضوح، لكننا غالباً نُعيد بناء فهمنا لأنفسنا اعتماداً على تصورات وافتراضات مسبقة، وليست وعياً حقيقياً.
- الأخطاء الإدراكية والتحيزات الذاتية.
- تأثير الفاعل والمراقب: نُرجع تصرفاتنا إلى الظروف، بينما يراها الآخرون انعكاساً لشخصيتنا.
- التحيّز لحماية الذات: نُبرّر أخطاءنا حفاظاً على صورتنا أمام أنفسنا، مما يعوق رؤيتنا لعيوبنا.
- انعدام النقد البنّاء: غياب آراء خارجية موضوعية يحدّ من وعينا بأنفسنا. فالرؤية من زاوية واحدة تَحدُّ من اكتشاف أبعاد خفية في شخصياتنا.
- اللاوعي التكيّفي: نسبة كبيرة من قراراتنا ومشاعرنا تنبع من اللاوعي. هذا يجعل فكرة “معرفة الذات بالكامل” أقرب إلى الوهم منها إلى الحقيقة.
- الجذور المبكرة: تجارب الطفولة، مثل الإهمال أو الصدمات، تُضعف تشكّل هوية متماسكة. كما أن آليات الدفاع النفسي (كالإنكار أو الإسقاط) تُبعدنا عن الإدراك الواعي للذات.
الأسباب الاجتماعية والسلوكية:
- تعدد الهويات: نؤدي أدواراً عديدة في الحياة (أم، موظف، صديق…)، وأحياناً يتضارب سلوكنا بين هذه الأدوار حتى نفقد شعورنا بهويتنا الحقيقية.
- الضغط الاجتماعي: السعي الدائم لتلبية توقعات الآخرين قد يجعلنا نبتعد عن ذواتنا الأصيلة، ونعيش نسخة مصمّمة لإرضاء المجتمع لا أنفسنا.
- الانفصال بين الفكر والسلوك: عندما تتعارض قناعاتنا مع تصرفاتنا اليومية، نشعر بتصدّع داخلي وفقدان للتماسك النفسي.
ما العمل؟ كيف نبدأ بفهم أنفسنا؟
تقبل عدم اليقين
- الوعي أننا لا نتعرف إلى ذواتنا بالكامل يُحررنا من الضغط الزائد لفرض شخصية ثابتة. فالحكمة تُبنى على القبول بأن هويتنا مرنة ومتطوّرة.
- ملاحظة السلوك بدلاً من التركيز على الفكر فقط.
- أبحاث مثل تلك التي قام بها تيموثي ويلسون تنصح بمراقبة سلوكنا، تسجيله (فيديو مثلاً) ومراجعته؛ لأن السلوك أصدق مرآة لنا من الأفكار الداخلية.
القبول الذاتي واللطف الداخلي
يركّز خبراء مثل ليزا فايرستون وكريستين نيف على ضرورة تطوير “الرحمة الذاتية” بدل القسوة الداخلية، مما يسمح بنظرة أكثر صراحة وودّاً لنا تجاه ذواتنا.
سواء من الأصدقاء المقربين أو العائلة أو مختصين، فالتغذية الراجعة الموضوعية تساعدنا على رؤية جوانب غرباء عنها، سواء كانت نقاط قوة أو ضعف.
استكشاف عبر العلاج والتدريب
- العلاج السلوكي الجدلي مفيد في حالات ضعف الهوية كما في اضطراب الشخصية الحديّة.
- الاستكشاف الذاتي من خلال التأمل، الكتابة، أو التوجيه المهني يساعدنا في بناء إطار هوية أكثر وضوحاً.
- نشعر أحياناً بأننا لا نعرف أنفسنا؛ لأن الوعي وجذور الهوية يُبنيان عبر طبقات الدفاعات الإدراكية، اللاوعي، الثقافات، والصدمة. لكن من خلال المنهجية، الملاحظة، القبول، النقد البنّاء، والرحمة الذاتية يمكننا الاقتراب أكثر وفهم ذواتنا الحقيقية، مع الاعتراف بأنها رحلة مستمرة وليست وجهة ثابتة.
ماذا يقول أهل الاختصاص؟
فريال حلاوي أستاذة محاضرة ومستشارة في تطوير الذات تشرح لـ”سيدتي” فقدان الاتصال بالذات، وأسبابه النفسية والاجتماعية.
لماذا نشعر أحياناً أننا لا نعرف أنفسنا؟
- الرد على الألم بطريقة لا تُشبهنا: في بعض الأحيان، كرد فعل على الأذى أو الخيانة، نتصرف بطريقة لا تُشبه قيمنا أو مبادئنا، فنردّ الخيانة بالخيانة، أو الغدر بالغدر، ونشعر بعدها أن “هذا ليس أنا”.
- فقدان التعاطف: الحياة قد تؤلمنا لدرجة نفقد فيها إحساسنا الطبيعي بالتعاطف، رغم أننا بالأصل أشخاص متعاطفون ومحبون.
- تعدّد الهويات: كل شخص لديه أكثر من هوية (أم، موظفة، أخت، صديقة…)، وكل دور يتطلب سلوكاً مختلفاً. أحياناً نشعر بتضارب بين هذه الأدوار، ونفقد وضوح هويتنا الحقيقية.
- الضغط الاجتماعي: نحاول التكيف طوال الوقت مع توقعات المجتمع، ما يجعلنا نبتعد تدريجياً عن ذاتنا الأصيلة.
- انفصال بين الفكر والسلوك: الكارثة الحقيقية تحدث عندما تكون لدينا أفكار أو قناعات معينة، لكننا لا نستطيع تطبيقها على أرض الواقع، وهنا نشعر فعلاً بفقدان الذات.
الخلاصة: الشعور بأننا “لا نعرف أنفسنا” هو نتيجة تراكميّة لضغوط الحياة، وتناقض بين القيم والسلوك، وتكيّف مع أدوار مختلفة لا تُعبّر دائماً عن حقيقتنا.
ومن المهم أن ندرك أن هويتنا ليست ثابتة، بل هي متغيرة ومتحركة على الدوام. فكل يوم نعيشه يمنحنا خبرات وتجارب جديدة، تؤثر في طريقة تصرفنا وتفاعلنا مع مواقف الحياة، وقد تدفعنا إلى سلوك مسارات مختلفة أو تعديل ردود أفعالنا.
غير أن الأهم من ذلك هو العودة إلى الذات، إلى المبادئ الأساسية التي تقوم عليها هويتنا، حتى لا نصبح غرباء عن أنفسنا، وحتى لا نحيا غربة داخلية عن أفكارنا وقيمنا.
ويجب أن نتذكّر دائماً، أنه مهما اشتدت قسوة الحياة، فلا ينبغي أن نفقد اتصالنا بذواتنا، ولا أن نسمح لقسوة الآخرين بأن تزعزع مبادئنا أو تضعف قيمنا. فالاتصال بالذات هو الحصن الوحيد الذي يحمي الإنسان من الضياع في هذا العالم المتقلّب.
.