كيف تعوّد أطفالك على القراءة ؟
كيف تعوّد أطفالك على القراءة؟
لم تكن القراءة فى أى زمن ترفا، ولا لعبة لتقضية أوقات الفراغ، بل هى ضرورة، وهى واجب وحق، وطريق نحو بناء المعرفة، وإطلاق الخيال، وتعزيز التحضر الإنسانى الذى ينبنى على توقد العقل، وذكاء المشاعر، وتربية النفوس، وفهم الواقع، وتفهم الآخرين، والانحياز إلى كل ما يدفع العيش إلى التقدم.
لهذا لا يجب أن نترك أطفالنا من دون قراءة، أو نتوهم أن اقتصارهم على مناهج الدراسة كاف لصقل معارفهم، وشحذ أذهانهم بما يساعدها على الفهم السليم، والوعى الحقيقى.
لكن كيف نأخذ أطفالنا إلى القراءة أخذا هينا لينا، كى نضمن حرصهم عليها، واستمرارهم فيها، بعد أن يألفوها ويحبوها، ويقبلوا عليها بنفوس راضية، وعقول منفتحة، واقتناع راسخ بجدواها؟
فلو أننا أخذناهم عنوة إلى الكتب سيكرهونها، أو يلجأون إلى مجاراة الآباء والأمهات مداراة ومداهنة، حتى يرضوا عنهم، أو يسكتوا عن عقابهم، وما إن ترفع هذه الضغوط المفتعلة، حتى ينفكوا عن القراءة، ويهجروها غير نادمين على تركها وإهمالها. وقد يتذاكون على ذويهم، فيرسلون عيونهم إلى الكتب وهم فى غفلة تامة عما تجود به السطور، وفى نفوسهم سخرية أو شفقة على أولئك الذين أخذوهم إلى ما يقرؤونه إجبارا وقهرا.
أما الصواب فهو أن نييسر أمام أطفالنا القراءة، ونتركهم فى خيرة من أمرهم، لا يجبرون عليها، ولا يجلسون إليها وهم فى تذمر وضيق. لكن كيف نهيئ أو نصنع هذه الطوعية التى تجعل من قراءة الكتب عملية سلسة، يأتى إليها أولادنا فرحين، وكأنهم يشربون الماء الجارى وهم فى ظمأ، أو يتمتعون بالنسيم السارى وهم فى قيظ، أو يمارسون هواية محببة إليهم حبا جما، كالرسم أو سماع الموسيقى، أو يشاهدون مباراة مثيرة فى كرة القدم؟
سأقترح هنا فى إجابتى على هذا السؤال، خطوات محددة، تم تجريبها مع بعض الأولاد، وكانت نتائجها جيدة. ويمكن ترتيب هذه الخطوات على النحو التالى:
1 ـ مع الأخذ فى الاعتبار الفروق الفردية بين الأطفال، تأتى الأم لطفلها، وهى تعلمه الكلام، بقصص من السلاسل المعروفة، وتجلس أمامه، تفتحها وتحكى له ما فيها بلغة بسيطة، دون أن يشغلها إن كان يفهم كل ما يقال له من عدمه، ولا تنزعج إن أمسك الطفل بالورق وأخذ يلوكه بأسنانه، فالمهم أن يدرك الطفل أن هذه الأوراق المملوءة بالحروف والصور هى سبب لقرب أمه منه واهتمامها به. ومن المؤكد أنه سيلتقط بعض الحروف، التى تعينه على تعلم الكلام مبكرا، وقد يختزن صورا فى ذاكرته، سيستعيدها فيما بعد.
2 ـ حين يتجاوز الطفل «المرحلة الفمية»، والتى يتعرف فيها على العالم بفمه فيجذب إليه كل ما يقع فى يده، تترك له هذه القصص المصورة، ليلعب بها، متأملا الصور، وهنا يمكن للأم أن تشير بأصبعها إلى كل صورة وتسمى له ما فيها حيوان أو نبات أو جماد، وهذا يشكل عملية تخاطب مهمة، تعينه على اكتشاف العالم من حوله، وهو يدرك أن وسيلته إلى هذا هى الكتاب. وفى حال قيام الطفل بطلب الفرجة على الصور، أو سماع الحكايات البسيطة، فعلى الأم أن تستجيب فورا، وقد تصبح هذه العملية واحدة من الأسباب التى تهدئ من روع الطفل، وتعيد إليه الفرح والسكينة.
3 ـ بعد أن يكبر الطفل ويكون قادرا على الكلام والتواصل الجيد مع من حوله، يقوم الأب أو الأم بشراء مجلات وقصص أطفال وتركها فى مكان قريب منه، فيقوم هو بإرادته الحرة بالسعى إليها، وحملها بين يديه، والنظر فيها، ولا مانع أن يعبث بها، وأن تكون مصدرا للعب والتسلية والتسرية بالنسبة له، فى هذه المرحلة العمرية من الطفولة المبكرة.
4 ـ فور التحاقه بالمدرسة يقوم الأب أو الأم باصطحاب الطفل إلى بائع الصحف أو إلى المكتبات، وأمامه تتم عملية شراء المجلات والقصص، فيعرف أن هناك مكانا معينا بوسعه أن يحصل منه على زاده من المعرفة.
5 ـ حين يكون الطفل قادرا على أن يذهب بمفرده إلى بائع الصحف القريب من منزله، يُعطى النقود اللازمة ليشترى بنفسه ما يريد، مع تذكيره فقط بموعد صدور مجلات بعينها، وصدور كتب أو قصص جديدة للأطفال، فى إطار السلاسل التى تنشرها بعض المؤسسات الثقافية.
6 ـ يجب أن يشارك الأبوان الطفل فى عملية القراءة، فيقرأون أمامه بصوت عال، الكتب التى يختارها هو، وتروق له، ويمكن إشراك أى من أفراد الأسرة الكبيرة أو العائلة الممتدة فى القراءة على هذا النحو، بحيث تتحول المطالعة إلى ألفة إنسانية ورابطة عاطفية، بين الطفل الصغير وأخيه الكبير، وكذلك الأجداد والجدات، والأعمام والعمات والأخوال والخالات، والمربيات والحاضنات وأصدقاء وصديقات الأسرة. ويجب أن تستمر هذه العملية حتى بعد أن يتمكن الأولاد من القراءة السليمة، فقراءة الكبار تساعد الصغار على استقامة اللسان، وقد يجد الكبار أنفسهم فى وضع من يجلى للطفل ما غمض عليه، ويتممون له ما نقص أمامه، ويفسرون له ما استغلق على فهمه، ويشاركونه هواجسه وخواطره وانطباعاته حيال ما يقرأ. ومع هذا، وربما قبله، فإن القراءة الجماعية أو المتبادلة من شأنها أن تعمق المودة والأنس فى الأسرة، وتربط صغارها بكبارها، وكبارها بصغارها.
7 ـ خلال هذه المرحلة تطلب الأم والأب من الطفل أن يحكى لهما بعض القصص التى قرأها، والمعلومات التى اطلع عليها، والأفكار التى لفتت انتباهه، ويفتحا معه نقاشا حولها، يتحول فيه من متلق للمعرفة إلى ناقل لها، ثم متفاعل بها وحولها، وقد يصير منتجا لها إن ربط بعض الأشياء وأعطاها معانى جديدة. ومن الأفضل أن يطلب الأبوان من طفلهما كتابة ما فهمه، وتعليقه عليه، أو نقده له.
8 ـ يتم تدريب الطفل على أن يُكون بمرور الأيام مكتبته الخاصة، وذلك بإعداد رف خاص له فى مكتبة الأب والأم، يضع عليه كتبه، ويمكنه أن يعود إليها بيسر وقتما شاء، بعد أن يعتاد ترتيبها وفهرستها، وفق ما يراه هو نافعا له، وسهلا عليه.
9 ـ يحث الأبوان الطفل على مداومة استعارة الكتب من مكتبة المدرسة، وفى الوقت نفسه يقومان بالاشتراك له فى عدد من المكتبات العامة، ويحرصان على زيارتها بصحبته بانتظام، للاطلاع والاستعارة، لتكون المكتبة من الأماكن المحببة للطفل، ولا يجب هنا أن يربط الأبوان هذه الزيارات بمكافأة مادية للطفل، بل يحولان الجلوس فى المكتبة واستعارة الكتب إلى مكافأة فى حد ذاتها.
10 ـ حين يصل الطفل إلى الصبا، وتتبدل اهتماماته فى القراءة، يشجعه الأبوان على أن يتبرع ��الكتب التى قرأها من قبل، وتجاوز محتواها فى الاهتمام، إلى أطفال الجيران، أو دور حضانة، أو مكتبات المدارس التى تفتقر إليها، أو هى فى حاجة ماسة إلى التزود من الكتب.