كيف أعرف نفسي وأفهمها؟
كيف أعرف نفسي وأفهمها
كرّم الله سبحانه وتعالى النّفس البشريّة، وميّزها عن غيرها من المخلوقات الكثيرة التي لا تُعَدّ ولا تُحصى، وقد أقسم الله سبحانه بها في كتابهِ العزيز، فقال:(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)، ولأنّ النّفس فيها شيءٌ من الغموض، فقد قال أحد الحكماء عنها: (اعرف نفسك… عندها ستدرك كنه كلّ ما هو جدير بالمعرفة)، وهنا تكمن أهميّة النّفس البشرية، وتظهر مكانتها التي يجب أن توضع فيها، مكانة فيها كلّ الرعاية والاهتمام، فالنّفس تهرم وتشيب وتصيبها الكآبة إن أُهمِلت وعُومِلت بشيءٍ من القسوة، أمّا إذا أحاطها الإنسان بالاهتمام فإنّ السعادة ستحطّ رحالها عندها، ويظهر منها الخير الكثير.
تكمن في داخل الإنسان محفّزاتٌ داخليّةٌ خاصّةٌ به، فإذا عرف وأدرك حقيقة هذه المحفّزات التي تُحرّكه وتوجّه تصرّفاته من أقوالٍ وأفعالٍ، أصبح بإمكانه استغلال تلك المحفّزات؛ للوصول إلى الغاية المَرجُوّة.
كيفيّة معرفة النّفس
معرفة الإنسان لنفسه يحتاج منه إلى وقفةٍ متأنّيةٍ، وإذا أراد أن يعرف نفسه وقدراته فعليه الاهتمام بعدّة أمورٍ، منها:
- الثقة بالنّفس: على الفرد أن يكون واثقاً من نفسهِ وقدراتهِ، وأنّه شخصٌ مميّزٌ وفريد، بإمكانهِ القيام بأمورٍ كثيرةٍ جيّدةٍ له ولغيرهِ من أفراد المجتمع الذي يعيش فيه، وأنه قادرٌ على فعل أمورٍ يعجز عنها الكثيرون؛ فهو يؤثر بالآخرين بطرقٍ عديدةٍ لا يتقنها سواه.
- تقدير النِّعَم الكثيرة: لقد خلق الله سبحانه الإنسان، وأغدق عليه بنعمٍ شتّى، ومن هذه النعم، حريّة الاختيار في الحياة التي يحياها، فلم يُجبره على نمطٍ وأسلوبٍ معيّن، بل ترك له حرية التفكير والتكلم، والتصرّف في أمورهِ كلها، وعندما يُدرك الإنسان ويعرف أنّ قرار حياتهِ بيدهِ هو وباختيارهِ، وأنّه هو فقط من يتحكّم في سَيْر تلك الحياة، سيعلم أنّ نعمة الاختيار هي التي تؤمّن له عملية التحكّم في الحياة، وتجعله يعيش حياة الأحرار بلا قيودٍ، فالاختيار دائماً سيكون بيدهِ هو، لا بيد غيرهِ.
- صناعة الحلم: من الجيّد أن يضع الإنسان لنفسهِ أحلاماً وطموحاتٍ يتمنّى تحقيقها، ويسعى إلى ذلك بكلِّ ما لديهِ من إمكانيّات وقدرات، وجميل أن يُدوّن ذلك في كتابٍ أو قائمةٍ يجمع فيها ما لديه من أحلام، وغاية الأمنيات التي يصبو إليها.
- أخذ الأمور ببساطةٍ وترك التفكير والانشغال في أمرٍ ما طوال الوقت: فقد يُزعج الإنسان نفسهُ في قضيّةٍ معيّنةٍ، ويُعطيها من الوقت الشيء الكثير، ويبدأ بمحاسبة نفسهِ فيما إذا أصاب أو أخطأ في ذلك الأمر، ويبدأ بلوم نفسهِ على أفعالٍ وتصرفاتٍ اقترفها، في هذه الحالات فإنّ التصرّف الأفضل هو أن يأخذ الإنسان الأمور بكلِّ بساطةٍ، ويترك ما أصابهُ من قلقٍ جانباً، وينسى الأمر؛ فالقلق من عدم إنجاز أمرٍ ما لن يُثمر أبداً، ولن يأتي لوم النّفس بخيرٍ أبداً.
- اكتشاف الإنسان ما لديه من مواهب: فيرى ما هي المواهب التي يبرع بها، ويُتقنها، وليس المقصود بالمهارات هنا الألعاب التي يمارسها الأشخاص الكُثُر عادةً، مثل: السباحة، أو الصيد، وإنّما المقصود المهارات التي فيها شيءٌ من العمق والتميز والانفراد، مثل: مهارة اكتساب الصداقات الجديدة، أو القدرة على صناعة السلام بين الناس، أو أن تكون لديه مقدرة على جعل الآخرين يشعرون بالرضى عن أنفسهم وقدراتهم، فيتعلّقون به بصورة كبيرة، فمن الجيّد أن يكتب الفرد ويُحصي ما لديهِ من ميزاتٍ ومواهب وقُدراتٍ خلاقةٍ، ويجعلها في ورقةٍ ويضعها في مكانٍ يستطيع أن يراه يومياً، وبشكلٍ مستمر، فهذا الأمر يُذكّر الإنسان بأنّه فردٌ رائعٌ، ويُعرّفه حقيقة القدرات التي لديه، فيعرف نفسه جيداً.
- الاهتمام بالذات، وتخصيص وقتٍ مناسب لها: ذلك أنّ مشاغل الحياة كثيرة ومُتعبة، وقد يغرق الإنسان في زحمة الحياة ومشاغلها وتزاحم الأحداث المُتوالية، فلا يعود يهتمّ بنفسه وراحته النّفسية ومتطلباته الروحانيّة، لذلك عليه البحث بين وقتٍ وآخر عن أعمال تُدخل الهدوء والسكينة إلى نفسه، كأن يُخصّص وقتاً لصيد السمك، أو الاستلقاء تحت أشعة الشمس وقراءة كتابٍ مشوق، أو تخصيص وقتٍ هادئ لتناول وجبة من الطعام في مطعمٍ رومانسيٍّ صغير؛ فالاهتمام بالذات أمرٌ مهم، والانفراد بالنّفس يُجدد للإنسان طاقته، فهو أمرٌ ضروري بين فترةٍ وأخرى.
- معرفة الدوافع الداخليّة: يذكر إبراهيم الفقي في كتابه المفاتيح العشرة للنجاح، إنّ من أهمّ الطرق لمعرفة الإنسان نفسه ورغباته في إنجاز الأمور والأعمال؛ هي معرفته للدوافع والبواعث النّفسية، فوجودها مهمٌّ في جعل الإنسان يُقدم على العمل بحماسةٍ أكثر وطاقةٍ أكبر، بعكس الفرد الذي يعمل في حياته من غير دوافع داخليّة؛ حيث تنعدم الطاقة لديه، ويكون جلُّ تفكيره واهتمامه بالأمور السلبيّة فقط، وقلّما يكون النجاح والتميز حليفَيْه؛ لأنّ مستوى الأداء لديه يكون في تدهور واضح، ويقول دينيس ويتلي في هذا: (تتحكّم قوة رغباتنا في دوافعنا، وبالتالي في تصرفاتنا)، ويقول فرانسيس بيكون: (نصيب الإنسان موجود بين يديه).
أهميّة معرفة النفس
قد يتساءل بعض الأشخاص عن الهدف والغاية من معرفة الإنسان نفسه، وبحثه عن ذاته، والاهتمام بما لديه من قدرات، هل يبحث في نفسه لمجرّد المعرفة، أم للنّجاح، أم لغايةٍ أخرى غابت عنه فتراتٍ طويلةً حتّى أصابها ما أصابها من نسيان؟ هنا يجلس الإنسان مع نفسهِ، ليتذكّر أنّ الغاية من معرفة النّفس والنجاح الذي يحققه ويسعى إليه هو نيل رضا الله عزّ وجلّ، والفوز بجنّاته سبحانه، وإن غفل الإنسان وتاه عن هذا الدرب؛ فهو بسبب الانشغال الشديد، وكثرة الأعمال والأعباء التي يضعها على عاتقهِ، فرضا الله سبحانه هي الهدف الأسمى من الأعمال التي يقوم بها ويؤدّيها.
لذلك على الإنسان أن يستحضر النيّة في كلّ تصرفٍ يقوم به، وفي كلِ نشاطٍ يومي يؤدّيه، فيجد بعد ذلك حلاوةً في إنجاز الأعمال؛ لأنّها تحوّلت من أعمالٍ عاديةٍ إلى وسائل تقرّبه إلى الله عز وجل،قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(إنما الأعمالُ بالنِّيّاتِ، وإنّما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى دنيا يصيبُها، أو إلى امرأةٍ ينكحها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه).