كيف أصل للأمان الوظيفي الحقيقي
يركز كثير من الشباب والباحثين عن عمل على استهداف وظائف محددة، ويتركون قطاعات أخرى بأكملها، بكل إيجابياتها وسلبياتها، بحجة عدم وجود “الأمان الوظيفي”.
يفسر الكثير بأن الأمان الوظيفي هو حالة الأمان المستقبلي التي توفرها بعض أماكن العمل، وذلك فيما يتعلق بإنهاء الخدمات أو تغيير المميزات والمكافآت.
ويرى آخرون أن “الأمان الوظيفي” سبب تم تضخيمه ليستخدمه بعضنا -بقصد أو بغير قصد- للتمسك بالوظائف ذات المتطلبات والتوقعات المنخفضة، وأنه حاجز بين الشخص وفرص مميزة يسترها الخوف من انعدام الأمان الوظيفي.
جدير بالذكر أن الأمان الوظيفي (أي تدني احتمالية إنهاء الخدمات وتغيير المميزات) غالبا تتسم به قطاعات تقل فيها المكافأة والمحاسبة، ويغلب عليها الرتابة، ومحدودية وضع الأهداف ومتابعتها.
وأحيانا يكون سبب تدني الأمان الوظيفي بيئات تتمتع بتنافسية عالية لمن عنده استعداد أن يكون حاضرا بمهاراته وقدراته.
كيف نفهم الأمان الوظيفي بشكل أعمق؟
بالرغم من أن الأمان الوظيفي مبدأ في غاية الأهمية ويؤخذ في الاعتبار في كل قراراتنا المهنية، إلا أن فهمنا له يجب أن يكون أكثر إدراكا وعمقا حتى نتخذ القرارات الصحيحة ولا نغلق أبوابا يوجد بداخلها فرص عظيمة.
نستطيع تقسيم العوامل المؤثرة على الأمان الوظيفي إلى ثلاث أنواع:
- عوامل متعلقة بالبيئة الاقتصادية وبيئات الأعمال
- عوامل تتعلق بالمنشأة تحديدا
- عوامل تتعلق بك وبقدراتك ومهاراتك (وهذا هو الأهم)
أ- عوامل متعلقة بالبيئة الاقتصادية وبيئات الأعمال
تتكون بيئة الأعمال بشكل عام من جوانب متعددة وأسواق كثيرة، وهذه الأسواق والقطاعات تحتاج إلى تخصصات وقدرات معينة بما يتناسب مع كل قطاع وسوق. ويختلف حجم الطلب على فئات الموظفين باختلاف خصائص هذه التفرعات، مثلا: إذا كانت مدينة تقع في منطقة تكثر فيها المصانع، فسيزيد الطلب على تخصصات ذات علاقة بالصناعة وما يدعمها.
وأحيانا تمر بيئة الأعمال بتحديات عامة تؤثر على هذه العوامل، وتكون خارجة عن تحكم الأشخاص والمنشآت، وكثيرا ما يكون تأثيرها شامل؛ سواء بسبب هزات اقتصادية معينة أو تغير جذري في قطاع ما مثل أن تظهر تقنية جديدة تغير قواعد السوق. على سبيل المثال: انخفاض أسعار النفط عالميا كان له تأثيرا مباشر على معظم المداخيل الحكومية والأسواق المحلية؛ لذلك تتأثر به القطاعات والمنشآت جميعها، ولكن بشكل متفاوت بقدر اعتمادها على الأعمال المتعلقة بالنفط ومداخيله. مثال آخر: خروج شركات أجهزة الجوال التقليدية من السوق عند ظهور تقنيات الأجهزة الذكية الحديثة (مثل سقوط شركة نوكيا الفنلندية وشركة الكندية المصنعة لجهاز بلاكبيري”RAM”).
ب- عوامل تتعلق بالمنشأة تحديدا
وهنا تتعد الأسباب التي تلعب دورا فيما نسميه الأمان الوظيفي. يرى البعض أن الشركات الصغيرة يتدنى فيها الأمان الوظيفي؛ لعدم وضوح إجراءاتها ولضعف أنظمتها الداخلية، وكذلك الشركات الجديدة؛ لشكوك حول قدرتها على الاستمرار. ويرى هؤلاء أن المنظمات الكبيرة ترتفع فيها نسبة الأمان الوظيفي.
ولكن عند النظر بعمق أكثر، نجد أن هذه الافتراضات غير دقيقة ولا تنطبق على كل المنشآت في كل الأحوال، بل هي تصورات تصح أو تخطئ. فكم من منشأة حكومية أعيدت هيكلتها؟ وكم من شركة كبيرة ألغت وظائفها؟ وشركات أخرى أصغر حجما كبر حجمها وتضاعف عدد موظفيها وأعطت علاوات لموظفيها المؤسسين.
لذلك، ننصحك بعدم الانسياق خلف الأحكام العامة، وأن تتم دراسة كل فرصة على حده، والاطلاع على تفاصيلها، وربطها بأهدافك وطموحاتك وخطتك المهنية، وإن كانت هذه المنشأة أم تلك هي الأنسب، وما هو مقدار المخاطرة المحتمل.
ج- عوامل تتعلق بك وبقدراتك ومهاراتك
لا يمكن أن تنظر إلى فرصك المهنية بمعزل عن مهاراتك ومستوى أدائك! ولا يمكن كذلك أن تنظر إلى سوق العمل ككتلة واحدة متطابقة. بل كلما ارتفع مستواك ومناسبتك لهذه الوظيفة أو تلك، كلما فتحت لك فرص أكثر في المنشآت العاملة في ذلك القطاع، والتي ترغب في شخص بمثل مؤهلاتك وخبراتك. لذلك، حتى في أسوأ الفترات الاقتصادية، وعندما يتأثر الكثير في وظائفهم، تجد نسبة من الناس لا تتأثر، بل إن بعضهم يزيد دخله بزيادة خبرته وجودة مخرجاته بغض النظر عن العاملين الأول والثاني المذكورين أعلاه.
علاقة أداء الموظف بتحقيق استراتيجيات المنشأة
إذا أردنا فهم المنشآت بصورة أفضل، وكيفية نظرتها إلى الموظف، ونخص تلك التي تتمتع باحترافية معقولة، فإن الخطوات التالية تحدث فيها؛ لتحديد المهام والأهداف للموظفين:
- يتم تحديد استراتيجية وأهداف عامة للمنشأة عبر إجراءات تفصيلية.
- بعدها يتم تحديد الأهداف ووضع مؤشرات أداء خاصة بكل هدف.
- يتم توزيع مسؤوليات تحقيق الأهداف والبرامج المساندة على كل إدارة.
- تحدد الإدارة المهام والأهداف لكل عضو للمساهمة في تحقيقها.
وتعتبر هذه العملية -إن فعلت بالشكل السليم- وسيلة لمعرفة عمل كل شخص بالمنظمة ومتابعة أدائه بشكل معقول وإدراك مدى مساهمته لتحقيق الأهداف العامة. فهنا يقل تقبل المنشأة للموظف غير المنتج أو الذي لا تتناسب مهاراته وقدراته وأدائه لمهامه الوظيفية.
وتتبع كثير من المنشآت هذه الطريقة في تحديد الأهداف بدرجات متفاوتة، ولكنهم يجتمعون على أن قيمة الموظف تكمن في قدرته على العمل بإنتاجية لتحقيق الأهداف، ومدى تفاعله وحرصه وتطوره ليواكب الطموحات. ونلاحظ أن ذلك بدأ يطبق مؤخرا في الجهات الحكومية أيضا.
فهمك لطريقة عمل المنشآت والقطاعات سيساعدك كثيرا في طريقة تفكيرك لمعالجة حاجز تدني الأمان الوظيفي. فلو فهمنا أن كل منشأة يهمها تحقيق أهدافها المرسومة، فإنها ستقيم وتقدر كل من يوفر لها هذه القيمة. أي أن الراتب والمكافآت التي تعطى للموظف يجب أن تعود بالنفع على المنشأة بطريقة عادلة وإلا اختلت المعادلة.
جدير بالذكر أن الجهات التي تقل فيها المحاسبة، تقل فيها المكافأة والعلاوات. لذلك، يأتي الأمان الوظيفي في بعض الأحيان على حساب التقدم المهني.
كيف أصل إلى الأمان الوظيفي بغض النظر عن القطاع والظروف؟ وكيف أوائم بين طموحاتي وبين المخاطرة؟
تمر الاقتصادات والدول وبيئات الأعمال بالكثير من التغييرات كما ذكرنا، وذلك يؤثر على طبيعتها وحجم الأعمال، ويؤثر أحيانا على قدرتها التوظيفية، فتضطر لتغيير نهجها بطرق مختلفة، ومنها تقليل عدد الموظفين. وغالبا تبدأ أي خطة لتقليل عدد الموظفين بأقل الموظفين إنتاجية وقيمة.
بما أن الأمان الوظيفي هو تدني احتمالية بقائك بلا وظيفة تناسب مؤهلاتك وتفضيلاتك، فذلك يعني أنك لو استطعت إقناع المنشآت التي تستهدفها ألا يتركوك بلا وظيفة مناسبة أبدا، فذلك يعني أنك وصلت للأمان الوظيفي.
الوصول إلى الأمان الوظيفي يعتمد بشكل كبير على تمكنك من مجالك المهني، وقدرتك على تطوير نفسك باستمرار، وصقل خبراتك بالتجارب، وتمتعك بمهارات قابلة للتوظيف في عدة مجالات. وعند التخطيط بالشكل الأنسب وتقييم الفرص وتوقيتها واختيارها، فإن “الأمان الوظيفي” سيكون آخر عامل تنظر إليه عند تقييم الفرص؛ لأن كل فرصة لها إيجابياتها وسلبياتها، حتى وإن كان الأمان الوظيفي بها متدنيا. وقد تفتح لك المخاطرة المحسوبة مجالات وفرص كبيرة جد.
نبين لك في النقاط التالية بعض وسائل تعزيز قدراتك حتى تتمتع بأمان وظيفي ذاتي بإذن الله:
- التمكن والتميز في مجال مهم ومطلوب (وكذلك عدم وفرة المتخصصين به يعتبر عاملا مساعدا).
- الحصول على شهادة مهنية في مجالك المهني، وهذا يزيد من تميزك.
- التمتع بشخصية إيجابية ومنتجة وجاذبة مهنيا.
- امتلاك مهارات قابلة للتوظيف في عدة مجالات مثل: التعامل مع التقنية، التواصل، إدارة المشاريع، الكتابة والتصميم، الجودة والسرعة في التنفيذ وغيرها.
- تكوين سمعة مهنية إيجابية لكل من يسأل عنك.
- من المستحسن جمع بعض الخبرة في منشآت كبيرة ومعروفة باحترافيتها في بدايات حياتك المهنية إذا توفرت الفرصة السانحة لما في ذلك من سمعة جيدة في سوق العمل (ولكن لا ينبغي الانتظار في التوظيف في حال لم تتوفر هذه الفرصة).
- تأخير المخاطرات الكبيرة إلى وقت غير مبكر في حياتك المهنية، أي أن أخذ المخاطرة لا يستحسن في بداية الحياة المهنية؛ لغياب الخبرة التي تدعم قدرتك على إيجاد وظيفة مناسبة مستقبلا.