كلية الطب في سبع سنوات
سبع سنوات في كلية الطب
سبع سنوات في كلية الطب
سبع سنوات في كلية الطب
سبع سنوات في كلية الطب
سبع سنوات في كلية الطب
سبع سنوات في كلية الطب
الطب … وبمجردِ أن قرأتُ هذه الكلمة تبادرَ إلى ذهني مباشرةً “سبعُ سنواتِ عجاف” وبدون مقدماتٍ ولا أعلم .. لماذا أو كيف؟!! عندها تسألت — لماذا هي سبعٌ عجاف لمَ لا تكون سبعَ أفراح ؟! لمَ لا تكون سبعَ النجاح ؟! بل السؤال الذي يجب أن ُيطرح هو : هل هي حقاً سبعُ نجاح وأفراح ؟! وكيف تكون كذلك ؟! …
لماذا نبَتتْ في ذهني أشواك الأفكار السلبية بمجرد أن قرأتُ هذه الكلمة المكونة من حرفين “الطب” ؟!!!
“سبع سنوات يا لها من مدة طويلة”
“سبع سنوات سينتهي عمري فيها”
“سبع سنوات هذا يتطلب مني مجهوداً ضخماً”
“سبع سنوات هذا دمار للنفسية وإهلاك للقدرات وإسراف للمال”
هذه عبارات سلبية بدت غصونها بمجرد أن قرأت كلمة “الطب” وغيرها كثير … والسؤال هو لماااااذااا؟؟؟؟!!
لا يجيب عن هذه الأسئلة إلا من عاش هذه التجربة بكاملها وبحذافيرها وأقصد هنا أنه عاشها حقيقةً وليس من عاشها غائباً أيام الدراسة ومتمرداً خلال تلك الأيام … العلم يا أُخيَّ رحلة شيقة من أمتع الرحلات التي ستخوضها في حياتك و لن تخوض رحلةً أمتع من رحلة العلم فلا تتردد أبداً في خوض غمارها انطلق وعلى بركة الله وبعد فتح شراع رغباتك >> وتوجيه دفة قدراتك وإمكانياتك >> إلى جزيرة أحلامك وأهدافك … انطلق في هذه الرحلة ولا تتردد أبداً … والطب هو أحد هذه الرحلات المميزة التي لم ولن تندم يوماً في سبر أغوار هذه الرحلة .. والسؤال هنا لماذا رحلة العلم (الطب) مميزة ؟! هل فعلاً تقليب صفحات كتاب أو أخذ عينة وفحصها أو مناقشة حالة مريض ممتع وشيق ؟! هل قضاء ليلة كاملة متنقلاً بين غرف المرضى .. تسمع صراخ هذا ويؤلمك بكاء ذاك ..وبينما أنت تسير في أروقة غرف التنويم ترى رجلاً يسير على قدميه خارجاً من المشفى بكامل صحته وعافيته بعد معركة خاضها مع المرض انتصر فيها بفضل الله ويرمقك بنظرة في فرح قد غمره ونشوة إنتصارٍ تعلو ملامحه وكأنه أيضاً يشكرك من كل قلبه وأنت لم تقدم له شيئاً .. و ما بين طاعن في السن قد جردته الحياة من قواه فخر صريعاً على فراش الموت .. أو شاب في مقتبل عمره ملقى على سريره يترقب لحظات الشفاء على أحر من الجمر لينطلق من جديد في حياته ويعيشها مجدداً بأجمل تفاصيلها … فهل معايشتك لكل تلك اللحظات ووجودك بين تلك المواقف والعبرات ممتع وشيق فعلاً ؟؟!! نعم هي كذلك … هذا لأنها تشعرك أنك على قيد الحياة .. نعم .. على قيد الحياة وما الفرق بينك وبين الميت في قبره إلا التحصيل والاستزادة من العلم ، ورؤية وتجربة الجديد في كل يوم من أيام حياتك له مذاق خاص ويشعرك بأنك تتنفس طعم الحياة ، والعلم يجعلك تعيش أكثر من حياة ، بل يجعلك تحسن من جودة الحياة وأجزم أن العلم في أحيان كثيرة يعيدك ويعيد غيرك إلى الحَيَاة .. هنيئاً لمن سلك هذا الدرب وشد متاعه لخوض هذه الرحلة ….. رحلة علم الطب تبدأ حين بدأت روحك تستنشق عبق الرحمة و الانسانية .. وحين بدت روحك تستشعر حرارة فيض الدعوات وهتافات الشكر والعرفان .. وحينما تكون بلسم شفاء لعِلَةِ عليل أو سُقْمِ سقيم أو أنين متألم >> من هنا تبدأ الرحلة الشيقة … إن ما ستراه أو تستشعره حين تقدم علمك هذا للمرضى على شكل وصفة طبية أو عملية جراحية أو وصية أخوية أو في أقل الاحتمالات على شكل لمسة أو نظرة أبوية عاطفية هو ما يجعلك تعيش شعوراً رهيباً وشيقاً وممتعاً أثناء مضيك في رحلتك هذه … وهي رحلة لا تكاد تتوقف فعند وصولك لكل محطة لا يكاد يسعفك الوقت لكي تحزم أمتعتك وتشد رحالك إلى وجهتك التالية .. وهكذا الحال .. وفي كل محطة تتعلم الكثير والكثير .. وفي كل محطة يمر بك طوفان من المواقف العاطفية التي لا يمكن أن يُعبِرَ عنها أمهر متذوقي الإحساس و المعبرين عنه ، بل أحياناً لا تستطيع أن تتمالك دموعك وقد لا تسطيع تمالك مشاعرك تجاه هذا الموقف أو ذاك فتحاول أن تبذل أقصى ما تملك لتعبر عنه ولكن غالباً ما يخونك مخزون المفردات .. وليست كل محطات هذه الرحلة متشابهة بل هي في غاية التنوع والتباين قد يصل أحياناً إلى حد الإلتباس .. ففي أحد المحطات تنظر إلى العلوم الأساسية التي منها انطلقت كل العلوم وانبثقت لتصبح على ما هي عليه الان وهذا بمثابة المرور على تاريخ العلم ثم كيف أصبح الان .. وفي محطة أخرى تمكث في علم مفردٍ بذاتهِ تصبح وتغدو وتسامر ذلك العلم وكأنه جمع كل العلوم و لا يوجد سواه وتكاد ترى فيه علامات الكمال حتى إذا انتقلت إلى المحطة التالية التي فيها علوم متنوعة ومتشعبة ومتنامية الأطراف وداخلة في كل باب ويتسارع امتدادها تسارعاً رهيباً واذا بذلك العلم الذي كنت تظنه الجامع الكامل لم يعد يملئ عينيك ولم تعد تراه شيئاً فلا يسعك بعدها إلا أن تردد قوله تعالى {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} … وهناك محطات تتعلم فيها كيف تعالج الأنسان بماديته وأخرى تتعلم فيها كيف تعالج الإنسان بروحه وجسده وعقله وهناك محطات العلاج فيها من نوع آخر حيث تهتم بمعالجة ما يحيط بالإنسان من بيئة أو مجتمع أو غير ذَلِك. وعلى هذا النحو تسير في رحلتك ولا تشعر بمرور الوقت إلا وقد أزف الرحيل من الكلية … وفي الحقيقة أن رحلتك هذه التي امتلكتَ فيها مفاتيح العلم الكبرى هي التي انتهت وليست رحلة العلم فرحلة العلم لا تنتهي أبداً بل هي للتو بدأت .. ولم أتحدث هنا عن صحبتي ورفاقي في تلك الرحلة فقد احتلوا مساحة كبيرة في صفحات ذكريات رحلة العلم فكيف لي أن لا أتحدث عنهم !! .. إنهم جمال فريد من نوعه في رحلتك .. فأنت وهم تسلكون درباً واحداً .. وتتشاركون الهموم .. وتتقاسمون الأفراح .. وتخوضون غماراً واحداً .. وتتسلقون جبال التحدي والصعوبات بروح الفريق الواحد .. وتقطعون أودية الاحزان والمعيقات معاً .. حتى إذا أشرفتم على النهاية يبدأ كل منكم يذرف دموعه .. ويوثق ذكرياته .. ويلقي بأجمل وأبلغ عبارات التأسف والاعتذار لمحو زلاته وتقصيره وأخطاءه ويختلط معها ابتسامات الفرح وبهجة النجاح وسعادة غامرة لا توصف …
وإلى هنا أسألك يا قارئ العزيز: ألم تتشوق نفسك لتكون على قائمة المسافرين في هذه الرحلة ؟؟ ألم تشتعل حماستك لتكون على موعد من الإثارة والتشويق والمتعة ورؤية الجديد ؟؟ ألم تذبل أشواك الأفكار السلبية في ذهنك إلى الآن ؟؟؟ ألم تشرق شمس الإيجابية نوراً يهديك إلى اتخاذ قرارك بعيداً عن ظلام الخوف ووحشته ووحشيته في تفكيرك ؟؟ أما هذه الأسئلة فلا يجيب عنها إلا أنت ..
أستودعك الله .