غرس المبادئ والقيم والأخلاق الإسلامية
إن من أسس تقدم المجتمعات والأمم ورقيها تماسك مجتمعها، وكلما كان المجتمع متماسكاً بين إفراده، وعلى مختلف المستويات كان أكثر قوة، ودافعية نحو التقدم والرقي، ولا شك أن تطبيق الأخلاقيات الإسلامية، والقيم، والمبادئ السامية بكل أشكالها، وأنواعها بين أفراد المجتمع بعضهم بعضاً حتى يصبح سلوكاً طبيعياً مألوفاً داعم أساس لتماسك المجتمع، وتقدمه ورقيه.
إن الدين الإسلامي أرسى الأخلاق الفاضلة، والقيم، والمبادئ، والمثل السامية التي تضمن تماسك المجتمع، وتعايش أفراده مع بعضهم بعضاً أياً كان توجههم، ومعتقداتهم، ولقد كان الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم في قمة الأخلاق، والتعامل الأخلاقي، وقد امتدح القرآن الكريم خاتمهم نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم في سمو أخـلاقه، فقـال تعـالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾[1] وقد سُئلت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – عن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ” كان خُلقه القرآن.”[2]
وفي الحديث الشريف عند الطبراني في الأوسط: ” ثلاث يصفين لك الود في صدر أخيك: تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجالس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه “. [3]
إن بعض المسلمين اليوم أهملوا أبسط حدود العلاقة بين المسلم، وأخيه المسلم، ألا وهو رد السلام عليه، وقد جاء في الحديث المشهور عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ” لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم “.[4]
والأحاديث الشريفة في باب إفشاء السلام كثيرة جداً، وهي من حق المسلم على أخيه المسلم، وهناك ضعف في القيام به، وإن تم تأديته يؤدى بدون حرارة تبعث من خلالها الحب، والود، وتثبت التواصل، والتماسك الاجتماعي الذي شُرع من أجله السلام، فإذا أبسط الحقوق بهذا الضعف، فغيره من باب أولى أضعف.
إن الكثير من المجتمعات الإسلامية اليوم تعيش منذ زمن حالة ضعف الالتزام بالأخلاق، والقيم، والمبادئ، والمثل الإسلامية السامية، مثل: إفشاء السلام، والعدل، والإحسان، والصدق، والأمانة، وحسن الأخلاق، والتواضع، والتراحم، وحسن الظن بالآخرين، والمحافظة على أعراضهم، ومحبة المسلم لأخيه ما يحبه لنفسه… الخ.
لقد سمعنا وقراءنا الكثير أنه في بعض الدول الأوربية يشاع أنهم تميزوا بالأخلاق الفاضلة في معاملاتهم، ومن أبسطها تقديم التحية بل الحرص على تقديمها ببشاشة وجه، وهناك مقولة اشتهرت عـن الشيخ محمد عبده – يرحمه الله – [5] واصفاً أوروبا، بقوله: (وجدت إسلام بدون مسلمين، ونحن مسلمين بلا إسلام).
وربما هناك من يوافق، أو يختلف مع مقولة الشيخ محمد عبده عن أوربا بأن أخلاقياتهم محدودة، وغالباً تكون بحكم القانون، أو لمصالح دنيوية معينة، فلا بأس هذه وجهة نظر مقبولة إلى حد ما.. ولكن الحقيقة التي لا جدال فيها اليوم، هي أن المجتمعات الإسلامية: ضعيفة التمسك بأخلاقيات الإسلام من أبناء الإسلام، وهذا أصبح واقعاً ملموساً، ومشاهداً.
ومن باب الإنصاف، فقد مكثت أكثر من ستة أشهر في مدينة أوربية هي: لندن، ولمست الكثير من الأخلاقيات، فمن ذلك: الدقة في احترام المواعيد والأوقات، الابتسامة والتلطف في المقابلة، احترام الكبير والمسنين، إرجاع الحقوق لأصحابها وإن قَلَّت، المحافظة على النظافة العامة، تعاون الجميع في المحافظة على الأمن، المحافظة على النظام واحترامه، احترام الإنسان وكرامته، الإتقان في العمل وجودته، الحرص، والمثابرة، والجد، والاجتهاد، تنظيم العمل، والوقت، وعدم العشوائية، التخطيط في العمل.
هذه حقيقة شاهدتها ولمستها، وهي في الأصل من أخلاق الإسلام، ولكن لماذا غيرنا يعيشها واقعاً حياً في حياته؟ والكثير من أبناء الإسلام لا يطبقها، ولا يحافظ عليها إذا كنا فعلاً نحترم توجيهات ديننا ونعتز به؟ أسئلة تحتاج إلى تأمل، ونقاش، وشفافية تامة، ولعلنا نصل بإذن الله تعالى إلى الجواب الشافي.
ولفضيلة الشيخ بن عثيمين – يرحمه الله – في خطبته عـن: ” الإيمان وحقيقته ” تأكيد لحال المسلمين اليوم، وبعدهم عن الأخلاق الفاضلة، فيقول: إنه إذا فكرنا في حال المسلمين اليوم، لا في هذه الجزيرة فحسب، ولكن في جميع البلاد الإسلامية، نجد مسلمين بلا إسلام، ومؤمنين بلا إيمان إلا أن يشاء الله، نجد ذلك من القمة إلى من لا يجد اللقمة، الكل مقصر، والكل غير قائم بما يجب عليه من حقوق لله تعالى، أو لعباد الله، إننا نجد في الأمة الإسلامية تقصيراً في الإيمان، واليقين، ونجد تقصيراً في الأخلاق الفاضلة وحمايتها، ونجد تقصيراً في الأعمال.[6]
إن الإسلام دين السلام، والكمال، وبتشريعه للأخلاق الفاضلة، والقيم، والمبادئ النبيلة، يريد من المسلمين أن يكونوا أمة متميزة في كل شيء، في تعاملها، وفي أعمالها، وفي أقولها، كما أن التعامل الأخلاقي في كل شؤون الحياة اليومية داخل أي مجتمع دليل تحضره، ووعيه بهذه الأخلاق، وأهميتها، ومتى غابت الأخلاق عنه، فهو دليل تخلف، وقلة وعي شئنا أم أبينا، وهذا المعنى أختصره أمير الشعراء أحمد شوقي – يرحمه الله – بقوله:
إِنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيَتْ ♦♦♦ فإِن همُ ذَهَبَتْ أخلاقهُم ذَهَبوا
منطلقات أساسية مهمة:
إن ضعف أكثر المجتمعات الإسلامية في ممارسة الأخلاقيات، والقيم، والمبادئ الإسلامية، يجعل من الواجب استشعار خطورة هذه المشكلة، وتأثيرها السلبي على مستقبل المجتمعات الإسلامية، وفي مقدمة ذلك إعاقة التقدم والرقي الذي نتطلع إليه لأمتنا الإسلامية، ومن أهم المنطلقات، لذلك:
أولاً: العناية والاهتمام بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، وسلف الأمة الصالح، وعرض نماذج وصور من حياتهم المشرقة في تمثلهم للأخلاق الإسلامية في كافة شؤون حياتهم.
ثانياً: على المؤسسات التربوية الرسمية: المدرسة والجامعة، وغير الرسمية: الأسرة، والمسجد، والإعلام بوسائله المختلفة، والمجتمع، والنادي، مسؤولية كبيرة جداً في غرس الأخلاق الفاضلة، والقيم، والمبادئ السامية في نفوس الناشئة، والشباب.
ثالثاً: العناية باستغلال كل الوسائل، والأساليب الممكنة في تثبيت الأخلاق الإسلامية، ولعل استغلال التجمعات الرياضية الكبيرة، كملاعب كرة القدم مثلاً للتأكيد على ذلك أمر في غاية الأهمية.
رابعاً: العناية بوضع حوافز تشجيعية لتثبيت بعض الأخلاقيات الإسلامية، وفي المقابل وضع عقوبات مناسبة لمن يخل بالأخلاق، والآداب العامة في المجتمع.
خامساً: العناية والاهتمام بدراسة المشاكل غير الأخلاقية التي تنشأ في المجتمع من خلال مشاركة أهل الاختصاص في العلوم الشرعية، والتربية وعلم النفس، والاجتماع في هذا الموضوع لوضع الحلول المناسبة لها.
سادساً: يقع على إمام المسجد، وخطيب الجمعة دور عظيم في غرس الأخلاق، والقيم الفاضلة في نفوس الناس، فيجب اختيار الأساليب والأزمنة المناسبة، والعبارات، والمواقف المؤثرة التي تشد السامع، وتحرك مشاعره.
سابعاً: إبراز القدوات الحسنة في المجتمع ممن حباهم الله تعالى بالأخلاق الفاضلة، والالتزام بالقيم، والمبادئ السامية، وبيان الآثار الإيجابية التي تميزوا بها عن غيرهم ليكونوا مشاعل خير لمحاكاتهم، والسير على نهجهم.
[2] أحمد، المسند، مسند الصديقة بنت الصديق، حديث رقم : 25302، الألباني، صحيح وضعيف الجامع الصغير، حديث رقم : 8942.