علم المعاني: الإنشاء الطلبي
علم المعاني: الإنشاء الطلبي
الإنشاءُ: هو الكلامُ الّذي لا يحتملُ الصِّدقَ أو الكذبَ، نحو:
يَا لَحُلْمٍ! أَمْسَى سَرَابًا وَجُرْمًا يَا ليَأْسٍ! لَا يَشْتَهِيهِ فُؤَادِي
في هذه المثال لا يصحّ أن يُقال لقائله إنّه صادقٌ أو كاذبٌ، فالشّاعر لا يُخبرنا عن شيءٍ سيقع أو لن يقع، إنّما يتعجّب من أحلامه الّتي أمست سرابًا واليأس الّذي سكنَ فؤاده.
أنواع الإنشاء
الإنشاءُ نوعان:
- طلبيٌّ:: هو ما يستدعي مَطلوبًا غير حاصلٍ وقتَ الطّلبِ، وأنواعهُ خمسةٌ، هي:
- الأمرُ.
- النَّهيُ.
- الاستفهامُ.
- التَّمنّي.
- النِّداءُ.
- غيرُ طلبيٍّ: هو ما لا يَستدعي مطلوبًا وقتَ الطَّلبِ، أي: أنّ حصوله غير مُرتبط بالطّلب، وأنواعهُ ستّة، هي:
- المَدحُ.
- الذّمُ.
- القسمُ.
- التّعجّبُ.
- الرَّجاءُ.
- صِيغُ العقودِ.
علم المعاني: الإنشاء: الإنشاء الطلبي
أوّلًا: الأمر
إنشاء لطلب حصول الفعل. له أربع صيغ، وهي:
- فعلُ الأمر، نحو: قُمْ للمُعلِّم وفِّهِ التّبجيلا.
- المُضارع المجزوم بلام الأمر، نحو: لتحذَرْ عدوّك مرّة، ولتَحذَرْ صديقك ألف مرّة.
- اسمُ فعل الأمر، نحو: عليكم أنفسكم، ونحو: هاكَ الدّواء فخذْه.
- المصدرُ النّائب عن فعلِ الأمر، نحو: صبرًا آل ياسر، ونحو: سعيًا في الخير.
قد تخرجُ صيغُ الأمرِ عن معناها الأصلي، فلا تُستعمل في معناها الحقيقي؛ فيدلُّ على معانٍ أُخرى تُفهم من سياقِ الكلام، نحو:
- الدّعاء: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا}.
- الالتماس: قِفَا نَبك.
- النّصح والإرشاد: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا}.
- التّمنّي: عُدْ يا شبابي.
- التّخيير: قُلْ خيرًا أو اصمتْ.
- الإباحة: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}.
- التّعجيز: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}.
- التّهديد: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ}.
- التّحقير والإهانة: {كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا}.
- الامتنان: {وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا}.
- التّسوية: عِشْ عزيزًا أو مُتْ وأنتَ كريمُ.
ثانيًا: النّهي
إنشاءٌ طلبي للكفّ عن الفعل (نهي حقيقي على وجهِ الاستعلاء والإلزام). لهُ صيغة واحدة هي: الفعل المُضارع المُقترن بلا النّاهية، نحو: {لَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا}، ونحو: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}.
قد تخرج صيغ النّهي عن معناها الأصلي إلى معانٍ أُخرى تُفهم من سياق الكلام، نحو:
- الدّعاء، نحو: {وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا}.
- الالتماس، نحو: {لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي}.
- الإرشاد، نحو: {لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ}.
- التّمنّي، نحو: {لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ}.
- التّهديد، نحو: {وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا}.
- التّحقير، نحو: لا تُفكّر في مُقارعتي.
- التّوبيخ، نحو: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ}.
ثالثًا: الاستفهام
إنشاء طلبي للعلم بشيء لم يكُن معلومًا.
أدوات الاستفهام: الهمزة، هل، ما، متى، من، أيَّان، كيف، أين، أنَّى، كم، أي.
استعمال الأدوات:
للأدوات ثلاثة استعمالات
- الهمزة: للتصوّر (تصوّر المُفرد ومعرفته)، والتّصديق، نحو: أمسافرٌ أنت أم أخوك؟
- هل: للتّصديق فقط، نحو: {هَلِ امْتَلأْتِ} فتقول: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}.
- بقيّة الأدوات: للتّصوّر فقط.
لنعرف ماذا يعني التّصديق والتّصوّر، نحتاجُ إلى نُعرّف الإسناد. الإسناد هو: الحكمُ بشيءٍ على شيء. والمسند إليه: هو المحكوم عليه، والمسند: المحكوم به.
التّصديق هو: إدراك الإسناد الخبري، ويُجابُ عنه بنعم أو لا. ولا يتلو المسؤول عنهُ مُعادلٌ، ولا تُكتب (أم)، وإن كُتِبَت فهي المُنقطعة، نحو: أمُحمّدٌ مُسافر؟
التّصوّر هو: ترك الإسناد، ولا يُجاب عنه بنعم أو لا، بل يفرض التّعيين ويتلو المسؤول عنه الهمزة، ويُذكرُ بعد (أم)، نحو: أمحمّدُ سافر أم عليّ؟ فلا يُجاب بنعم أو بلا، بل يُجاب عنه بمحمّد أو علي.
من، يُستفهم بها عن العاقل، نحو: من صمّم هذا المبنى السّكني؟ فيُجاب: محمود.
ما، يُستفهم بها عن غير العاقل لإيضاح الاسم وشرحه، نحو: مَا الحسام؟ فيُجاب: السّيف القاطع. ويُطلب بها بيان حقيقة المُسمّى: ما الغيبة؟ فيُجاب: ذكرك أخاك بما يكره.
متى، يُستفهم بها عن الزّمان في الماضي والمُستقبل، نحو: متى انتحرَ هتلر؟
أيَّان، يُستفهم بها عن الزّمان المُستقبل، وتكون في مقام التّفخيم والتّهويل، نحو: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا}.
كيف، يُستفهم بها عن الحال، نحو: كيفَ حالُك؟
أين، يُستفهم بها عن المكان، نحو: أينَ تُقيم؟
كم، يُستفهم بها عن تعيين العدد، نحو: {كَمْ لَبِثْتُمْ}.
أي، يُستفهم بها عن تعيين أحد المُتشاركين بحسب ما تُضاف إليه، نحو: أيّ الذّنب عند الله أكبر؟
أنَّى، يُستفهم بها عن معانٍ عدّة، بمعنى (كيف)، نحو: {أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا}.
بمعنى (من أين)، نحو: {قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا}.
بِمعنى (مَتى)، نحو: أنّى يرحلُ الجنود؟
قد يخرج الاستفهام عن معناه الأصلي إلى معانٍ أُخرى تُفهم من سياق الحديث، نحو:
- النّفي: {هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ}.
- الإنكار: {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى}.
- التّوبيخ: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ}.
- التّقرير، حمل المُخاطب على الإقرار بما يعرفه: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}.
- التّعظيم: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ}.
- التّحقير: أهذا الّذي أطريتَ نعتًا.
- التّشويق: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.
- التّعجّب: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ}.
- الأمر: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ}.
- التّمنّي: {هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ}.
- التّسوية: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}.
- الاستبطاء: إلى متى هذا الكسل؟
رابعًا: التّمنّي
طلب الأمر المحبوب الّذي لا يُرجى حصوله لاستحالته، وبُعد مناله، نحو:
ألَا ليتَ الشّبابَ يعُودُ يومًا فأخبرَهُ بما فعَلَ المَشِيبُ
أدواته:
لهُ أداةٌ واحدةٌ أصليّة، هي: ليت، وقد ينوبُ عنها ستٌّ أُخرى، هي:
- هل: {هَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا}.
- لعلّ: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}
- عسى: {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}.
- لو: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}. لو: حرف شرط جازم قد يتضمّن معنى التّمنّي.
- هلَّا: هلَّا تُذاكر فتنجح. هلَّا: حرفُ عرض وتنديم أمام المُضارع وقد تتضمّن معنى التّمنّي.
- ألَا: ألا تُكرم ضيفك. ألا: حرفُ عرض وتنديم أمام المُضارع وقد تتضمّن معنى التّمنّي.
ملحوظتان:
- عندما يستحيل حصول الأمر يُسمّى (تَمَنِّي)، وعندما يُمكن وقوعه يُسمّى (تَرجّيًّا)، ويُستعمل معه (لَعَلَّ) و (عَسَى)، وقد تُستعملُ فيه (لَيْتَ).
- لاستعمالِ هذه الأدواتِ في التّمنّي يُنصَبُ الفعلُ المُضارعُ في جوابها.
خامسًا: النّداء
هو دعوةُ المُتكلّم للمُخاطب بحرف ينوب عن الفعلِ المُضارع المحذوف (أُنَادِي) أو (أدعُوا) أو نحوهما، وأدواته سبع، وهي:
للقريب:
- الهمزة: أرَيْـحَانَةَ الـعَيْنَينِ والأَنْـفِ والحَشا/ ألا لَيْتَ شعري هَلْ تغيَّرْتَ عن عهدي.
- أي: أي بُنيّ أوصيك خيرًا.
للبعيد:
- يا: {يٰبُنَىَّ اركَب مَعَنا}.
- أيَا: أيا فالقَ الإصباحِ والحبِّ والنّوى.
- هيا: صبراً هَيا أُمَّةَ التُّركِ الَّتي ظَلَمت/دَهراً فَعمَّا قَليلٍ تُرفَعُ الحُجُبُ.
- وا: واحَرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ/وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ.
- آي: أَي رِجالَ الدُّنيا الجَديدَةِ مُدّوا/لِرِجالِ الدُّنيا القَديمَةِ باعا.
قد يخرج النّداء عن معناه الأصلي إلى معانٍ أُخرى، منها:
- التّحسُّر: {قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا}.
- التّحيُّر: يا أَعدَلَ الناسِ إِلّافي مُعامَلَتي.
- النّدبة: واحسيناه. واسلاماه. ووالَهَفي. وواعجبًا. فواأسفًا.
- الإغراء: يا مَظلوم أفصح عن مظلمتك.
- الزّجر: أي نفسي توبي.
- الدّعاء: يا ربّ رحمتك.
- الإهانة والتّحقير: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ}.
- التّأنيس والتّلطّف: {يَاْ أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}.
ملحوظة: قد يُنزّلُ النّداءُ البعيدُ منزلةَ القريبِ، للدّلالة على التّحبّب والقُرب، وقدْ يُنزّلُ منزلةَ البعيدِ للدّلالةِ على علوّ مرتبته، أو انحطاط منزلته، أو لنكتة بلاغيّة يشرحها السّياق.