صعوبة النحو العربي بين الوهم والحقيقة
صعوبة النحو العربي بين الوهم والحقيقة، يستمد النحو قواعده من القرآن الكريم ككل، فهو أصل تشريعه وأحكامه وليس هناك أي مصدرٍ غيره، ولعله من الجدير بالذكر هنا أن لغة الضاد من أعرق وأفخم اللغات في العالم أجمع، وإحقاقًا للحق فهي تُعد الأصعب على الإطلاق، ولكن ما إن يتمكن منها دارسها تُصبح في منتهى السّهولة وخاصةً لدى حَفَظَة القرآن، حيث يثمر لديهم القدرة على النطق الصحيح وإعراب الكلمات بشكلٍ سليم، لذلك صعوبة النحو العربي ما هى إلا مسألة وقت، وتزول بمجرد التعرف على الأصول وستُدرك حينها مدى سهولته.
يُعد النحو بمثابة العمود الفِقَريّ للغة العربية إذ أنه يدعمها ويبرز مدى جمالها ودقتها ويُزيدها بلاغةً، ولكن دائمًا ما يُواجه الطلاب صعوبة في تحصيل القواعد النحوية، مما يُزيد من أعباء العملية التعليمية ويُعيق سيرها بشكل يسير، وذلك للأسباب التالية:
- فهم النحو يحتاج إلى أسلوبٍ مختص على يدِ خبراءٍ تربويين يعملون بكل جهد على ربط قواعده وتسهيلها ليتمكن الطالب من استيعابها.
- نظرًا إلى تفرعه إلى عدة فروع منها علم البيان، الصّرف، الإنشاء، والبلاغةِ والتركيب، فضلًا عن الإعراب، قد يستشعر الطالب بثقلها ويبدأ في إهمالها.
- عدم تعود الطلاب باستثناء الأزهريين على دراسة النحو بشكل مُتعمق منذ نعومة أظفارهم.
- عدم اهتمام الآباء بتحفيظ أبنائهم القرآن الكريم الذي بدوره يُثري لغتهم دون أن يشعروا.
مشكلات النحو العربي
إن المشكلة لا تكمن أبدًا في القواعد بل في طريقة سردها وفهمها، إذ أن هناك عاملان أساسيان يتحكمان في مدى صعوبة النحو، أولهما المُعلم وثانيهما الطلاب ذاتهم، ومن أبرز تلك المشكلات التي إذا ما تغلبنا عليها زال ذلك الإحساس بالصعوبة، ما يلي:
- يتبع العديد من المعلمين أساليبًا خاطئة تنعكس على الطالب بنفوره من النحو، إذ يشرحون القواعد كأنها معادلات فيزيائية أو قانون كيميائي، مما يُعَقّد فهمها، مع كونها أسهل من ذلك بكثير إنما هي قلة في خبرتهم.
- سرد أمثلة لا يستحسنها عقل المبتدئ في دراسة تلك القواعد، بدلًا من أن يختار المعلم مثالًا بسيطًا أو شعرًا عربيًا يستسيغه الآذان وتقنع لفهمه.
- من أمثلة ذلك “أكلت فاطمةُ السمكةَ حتى ذيلها” والذي لأول وهلة قد يحتار الطالب في معناه لعدم تمكنه الشديد من اللغة ويفهمه بمعنى أن فاطمة أكل السمكة وذيلها، لكن المعنى الصحيح هنا لـ “حتى” هو إلى، أي أكلت فاطمةُ السمكةَ إلى أن وصلت إلى ذيلها.
- لابد أن يحدث تقييمًا دوريًا للمعلمين من قِبل الهيئات المختصة، وذلك من قِبل نتائج طلابهم ومستواهم الدراسي ومدى تحصيلهم للمناهج، والاطلاع على امتحاناتهم التحريرية.
- ضرورة شرح النحو كمادة منفصلة عن بقية فروع اللغة العربية من بلاغّة ،شعر ونثر.
أسباب صعوبة النحو العربي
اتجاه الآباء والأمهات إلى اختيار المدارس التي تهتم باللغات الأجنبية أكثر من اللغة العربية، مما أدى إلى خلق أجيالًا تكاد أن تكون لا تفقه أبسط الأشياء عن القواعد العربية، مما أدى إلى ما يلي:
أبرز ما قد يجعل النحو صعبًا ويزيد من تفاقم تلك المشكلة لدى الكثير من الطلاب عدم ممارسته في حديثهم، فلابد على المعلمين أن يختبروا لغة الطلاب من خلال التكلم باللغة العربية الفصحى والإصغاء الجيد لهم وتصحيح ما قد يُخطئون به لتجنب تكراره، والتركيز على نقاط الضعف وتنميتها، وتخصيص وقت للقراءة والاستماع لمقطوعات ترسخ اللغة لديهم.
انتشار اللغة الدارجة البعيدة كل البعد عن لغتنا الفصحى الفخمة، مما يُضعِف من ثقافة الطلاب في الأجيال الحالية وخاصةً الفئة التي تميل إلى التحدث بما أطلقوا عليه “الفرانكو آراب”.
أهم الخطوات التي يُمكن اتباعها لعلاج هذا الأمر ويُسهل استيعابه لدى الطلاب وخاصةً الصغار منهم، يجب أن تسير المنظومة التعليمية كما يلي:
- البدء مع الطلاب منذ نعومة أظافرهم وخاصةً في المرحلة الابتدائية بتعليمهم أصول نُطق الحروف العربية بشكل صحيح.
- تطبيق القواعد التي تتم دراستها يومًا بيوم على حياتهم، كتخصيص وقت في الحصة للتحدث بالفصحى وتصحيح الأخطاء.
- لابد وأن يلتزم المُعلِّم في حصته بنطق الكلمات جميعها باللغة الفصحي وشرح الدرس بأكمله محافظًا على النطق السليم، ليصبح قدوة لطلابه ويحتذوا حذوه ويتقنون اللغة مثله.
- تركيز المُعَلِّم على الدروس البسيطة وأن يبتعد عن التكلف حتى يتمكن الطلاب منها، ومن ثم ينتقل إلى ما هو أصعب.
- اعتماد المُعلِّم على الأساليب المبتكرة الأكثر تشويقًا والأمثلة التي تُرسّخ المعلومة، ولعل أبرزها آيات القرآن الكريم التي تحمل تعبيرات مميزة وتزرع داخل أذهان الطلاب حب المادة والرغبة في تعلمها.
- بغض النظر عن الامتحانات التي تُقيم الطلاب سواءًا التحريرية منها أو الشفوية، لكن تبقى تقنية “العصف الذهني” هي الأفضل وسط زخم الطرق التدريسية، والتي تخلق جوًا حماسيًا تنافسيًا مُميزًا بين الطلاب وتُشجعهم على جنيّ الكثير من المعلومات ليتفوقوا على زملائهم.
- البعد عن الأنماط التقليدية في التدريس، كسرد الدرس وأمثلته فقط، وكذلك في وضع الامتحانات لاختبار مدى ذكاء الطلاب ليس فقط مجرد البحث عن كلمة في فقرة.
- تخصيص حصص بالكامل لعقد المناقشات الطلابية والمسرحيات التي تستخدم النص اللغوي بالفصحى، واستغلال حصة المكتبة في مثل ذلك الغرض فضلًا عن الإذاعة المدرسية وتدريب الطلاب على نطقه الصحيح من خلالها.
كيف نشجع الطلاب على حب النحو
يُمكن تطبيق ذلك من خلال إحدى الطرق التالية أو جميعها:
- اتجاه الآباء إلى تعليم أبنائهم القرآن الكريم منذ حداثة سنهم، إيمانًا بأن العلم في الصغر كالنقش على الحجر، فضلًا عن كون تعلم القرآن يُرسّخ بشكل مميز اللغة والنطق المثالي لدى الأطفال والكبار ووزن الجملة بشكل صحيح من فعل وفاعل ومفعول به.
- بمجرد حفظ سورة لا بُدّ وأن يتم تشجيع الطفل وتكريمه بأي صورة كانت وسط أصدقائه، ويتكرر ذلك التكريم مع إتمام الأجزاء لحين الوصول إلى إجازة الحفظ بالكامل في سنٍ صغير.
- إجراء المسابقات اللغوية المدرسية وتكريم الطلاب المتميزين، مما يُثير روح المنافسة الشريفة.
أمثلة تفاعلية عن النحو العربي
يتوجب على الطلاب أن يُشاركوا في فعاليات الندوات، بل ويكونوا هم الأعضاء الأساسيين كالتالي:
- تُقيم المدرسة ندوة ما ويتم اختيار عدد من الطلاب لتقديم محتوى لُغوي صحيح، وشرحه أمام زخمًا من زملائهم بشكل صحيح والتركيز على النطق المنمق.
- فور أن يُنهي الطالب مناقشته للمشروع، يبدأ زملاءه في إبداء ملاحظاتهم عليه من تشجيع كل ما قاله بصورة صحيحة، وتصحيح كل ما حوى خطًأ.
- يتسبب ذلك في خلق بيئة تفاعلية بينهم، وتُزيد من التفوق العلمي الذي لا يعتمد فقط على مستوى حفظ الطالب، بل على أدائه الفعلي لكل معلومة درسها في نطاق مناقشة حية.
- الاهتمام بالطلاب الذين يمتلكون مَلَكَة التأليف والكتابة ومساعدتهم على تنميتها، من خلال عقد المسابقات التي يسرد فيها الطالب قصته مُحافظًا على اللغة السليمة.
- بالإضافة إلى تكريم القصة المميزة التي تتسم بالقواعد المنضبطة وتصعيد صاحبها لمستويات أعلى مع الإدارات ثم على مستوى الجمهورية ككل.
من ثم يتضح لنا أن صعوبة النحو العربي مجرد وهم يقع في فخه الطلاب بسبب الطريقة التدريسية للمقرر، وخطأ المعلمين في إيصال المعلومة بشكل مُبسط ويسير، مما يُعقد فهم القاعدة لدى الكثيرين وبخاصة ممن لم يحفظوا القرآن الكريم، وبالتالي فإن حل كل تلك المشكلات يتلخص في ابتكار الطرق الشيقة التي تُسهل على الطالب ترسيخ المعلومة في ذهنه، فضلًا عن تشجيعهم من خلال الندوات والمسابقات التي تُزيد من حماسهم وحبهم للنحو العربي.