شرح معادلة شرودنجر والنقل الكمي..فيزياء
إليك مسألة نموذجية: لديك سيّارة نفذ منها الوقود، ما هو مقدار القوة اللازمة لدفع السيّارة لتتسارع وصولاً إلى سرعة معينة؟
هل يُمكنه ذلك حقاً؟ عندما بدأ الناس أخذ عالم الأحجام الصغيرة بعين الاعتبار، كالإلكترونات التي تدور حول نواة ذرة ما، أدركوا أن الأشياء تُصبح أكثر غرابة عندها ولا يعود قانون نيوتن ذلك قابلاً للتطبيق، وتحتاج لوصف هذا العالم الصغير إلى ميكانيك الكم (quantum mechanics)، وهي نظرية طُورت في بداية القرن العشرين؛ ويُعرف قلب هذه النظرية، أي شبيه قانون نيوتن الثاني، بمعادلة شرودينجر (Schrödinger’s equation).
الأمواج والجسيمات
يشرح ناظم بوعطا (Nazim Bouatta) عالم الفيزياء النظرية في جامعة كامبريدج: “في الميكانيك التقليدي، نصف حالة نظام فيزيائي ما باستخدام الموقع وكمية الحركة”. على سبيل المثال، إذا كان لديك طاولة مليئة بكرات البلياردو وأردت معرفة موقع وكمية حركة (أي الكتلة مضروبة بالسرعة) كل كرة عند لحظةٍ زمنية معينة t، أي أين يُوجد كل شيء، وإلى أين ستمضي الأشياء وعند أي سرعة.
يقول بوعطا: “بالتالي يكون نوع السؤال الذي علينا طرحه: إذا ما عرفنا الشروط الابتدائية لنظامٍ ما، أي أننا نعرف النظام عند لحظة زمنية t0، ما هو التطور الديناميكي لهذا النظام؟ بعدها نستخدم قانون نيوتن الثاني للإجابة عن هذا السؤال. في ميكانيك الكم، نسأل السؤال نفسه لكن الإجابة خادعة لأن كمية الحركة والموقع لا يبقيان المتحولات الصحيحة التي تصف النظام”.
تكمن المشكلة في أن الأجسام التي يُحاول ميكانيك الكم وصفها لا تتصرف دوماً ككرات بلياردو صغيرة؛ ففي بعض الحالات من الأفضل التفكير بها على أنها أمواج. يقول بوعطا: “خذ الضوء على سبيل المثال. كان نيوتن مهتماً بالبصريات إضافة إلى عمله مع الجاذبية. ووفقاً لنيوتن، كان الضوء يُوصف على أنه جسيمات. لكن بعد لك وبعد عمل الكثير من العلماء، بما في ذلك الفهم النظري الذي قدّمه جيمس كليرك ماكسويل، اكتشفنا أن الضوء يُوصف بالأمواج”.
لكن في العام 1905، أدرك اينشتاين أن الصورة الموجية ليست صحيحة بالكامل أيضاً؛ ولشرح المفعول الكهروضوئي (photoelectric effect)، تحتاج إلى التفكير في شعاع من الضوء على أنه مجراً من الجسيمات، التي أطلق عليها اينشتاين اسم الفوتونات (photons). يتناسب عدد الفوتونات مع شدة الضوء، وتتناسب طاقة كل فوتون E مع تردده f وفقاً للمعادلة التالية:
يقول بوعطا: “إذاً نحن نواجه حالةً يكون فيها الوصف الموجي للضوء صحيحاً في بعض الأحيان، وفي أحيانٍ أخرى يكون الوصف الجسيمي هو الصحيح”. ارتبطت نتيجة اينشتاين مع مسعاً قديم جداً بدأ في القرن السابع عشر من قبل كريستيان هويغنز وأُعيد استكشافه في القرن التاسع عشر من قبل ويليام هاميلتون، وتمثل ذلك السعي في محاولة توحيد فيزياء البصريات (التي تتحدث بشكلٍ كامل عن الأمواج) والميكانيك (الذي يدور كل شيء فيه عن الجسيمات).
ملهماً بالسلوك الفصامي للضوء، أخذ عالم الفيزياء الفرنسي لوي دو برولي خطوة جذرية في هذه الرحلة، إذ لم يقترح أن للضوء فقط طبيعة جسيمية-موجية، وإنما تُعاني كل المواد من هذه الثنائية، فلبنات البناء الصغيرة للمادة، مثل الالكترونات، تتصرف أيضاً مثل الجسيمات وفي بعض الحالات تتصرف كالأمواج.
لم تعتمد فكرة دو برولي، التي أُعلن عنها في عشرينات القرن الماضي، على أدلة تجريبية وإنما جاءت نتيجةً لاعتبارات نظرية قادت إليها نظرية النسبية لاينشتاين؛ لكنّ الأدلة التجريبية ظهرت بعد ذلك بوقتٍ قصير. في أواخر عشرينات القرن الماضي، أكّدت التجارب التي تتضمن تشتت الجسيمات على الهياكل البلورية الطبيعة الموجية للإلكترونات.
تُعتبر تجربة الشق المزدوج (double slit experiment) واحدةً من أشهر البراهين على الثنائية الموجية-الجسيمية. وفي تلك التجربة، يتم إطلاق الالكترونات (أو جسيمات أخرى مثل الفوتونات أو النيوترونات) في لحظة معينة نحو شاشة تحتوي شقين. يوجد خلف تلك الشاشة شاشةٌ أخرى يُمكنها كشف المكان الذي انتهى إليه الالكترون الذي عبر الشقوق.
إذا تصرف الالكترون مثل الجسيمات، فسيتوقع المرء أنها ستتسارع على طول خطين مستقيمين خلف الشقين. لكن ما تراه في الواقع على شاشة الكاشف هو نمط تداخل (interference pattern)؛ وهو نفس النمط الذي ستحصل عليه فيما لو كانت الالكترونات أمواجاً، وعبرت بالتالي كل موجة عبر الشقين في الوقت نفسه وبعد ذلك تداخلت مع نفسها أثناء انتشارها من جديد في الجانب الآخر.
وعلى شاشة الكاشف تُسجل الالكترونات كما تتوقع ذلك، أي على شكل جسيمات. في الواقع، إنها نتيجة غريبة جداً، لكنها نتيجة تكررت كثيراً من ناحية أخرى. إذاً وببساطة علينا قبول أنّ العالم يعمل بهذه الطريقة.
معادلة شرودينجر
وهنا p هي كمية الحركة.
وبالاعتماد على تلك الصيغة، اقترح دو برولي أنّ علاقةً مماثلة بين طول الموجة وكمية الحركة يجب أن تبقى صحيحة من أجل أي جسيم. ومن الأفضل لك عند هذه النقطة قطع حدسك الخاص والمتعلق بطلب معرفة ما الذي نعنيه بتصرف الجسيم كموجة، وكل ما عليك فعله هو المتابعة مع الرياضيات.
في الميكانيك الكلاسيكي، يُوصف تطور موجة ما بمرور الزمن -على سبيل المثال: موجة الصوت أو موجة المياه- باستخدام معادلة موجية، وهي معادلة تفاضلية تمتلك حلاً يُعرف بالتابع الموجي (wave function)، الذي يُقدم لك شكل الموجة عند أي لحظة زمنية t -طبعاً عند وجود شروط حدية مناسبة.
على سبيل المثال، افترض أنه لديك موجة تتحرك على طول وتر ممتد على طول المحور x ويهتز في المستوي xy. لوصف الموجة بشكلٍ كامل، تحتاج إلى إيجاد إزاحة الوتر في الاتجاه y عند كل نقطة من نقاط المحور x في كل لحظة زمنية معينة. باستخدام القانون الثاني لنيوتن، يكون باستطاعتك البرهان على أنّ الإزاحة y تخضع للمعادلة التالية:
حيث أن v هي سرعة الأمواج.
كان عالم الفيزياء إرفين شرودينجر أول من جاء بهذه المعادلة عام 1926. وبالنسبة لجسيم وحيد يتحرك في بيئة ثلاثية الأبعاد، يُمكن كتابة المعادلة على الشكل التالي:
ih2π∂Ψ∂t=−h28π2m(∂2Ψ∂x2+∂2Ψ∂y2+∂2Ψ∂z2)+VΨ
في بعض الحالات، لا تعتمد الطاقة الكامنة على الزمن t. وفي هذه الحالة يُمكننا غالباً حل المسألة بأخذ نسخة معادلة شرودينجر المستقلة عن الزمن والتي تكون أكثر بساطةً بكثير وتعتمد على الاحداثيات المكانية فقط، وهي كالتالي:
ادخل عالم الارتياب
تُعرف تلك النتيجة حالياً بمبدأ الشك أو الارتياب لهايزنبرغ (uncertainty principle) وهي واحدة من النتائج الأساسية المستخدمة لوصف غرابة ميكانيك الكم. يعني مبدأ الارتياب أننا في ميكانيك الكم لا يُمكننا التحدث عن موقع أو مسار جسيم ما. ويقول بوعطا: “إذا ما صدّقنا مبدأ الارتياب هذا، بالتالي علينا قبول القصة الاحتمالية لما يحصل لأننا لا نمتلك إجابات دقيقة تماماً عن أسئلة مثل (أين الالكترون في اللحظة t0؟)”.
بكلماتٍ أخرى، كل ما يمكنك توقعه من التمثيل الرياضي لحالة كمومية ما ومن التابع الموجي هو أنه يُعطينا احتمالاً!
هل للتابع الموجي تفسير فيزيائي أم لا؟ هو سؤال لا يزال غايةً في الحساسية. ويقول بوعطا: “لدينا هذا التابع الموجي، والسؤال هو: هل نفكر حقاً في وجود أمواج تنتشر في المكان والزمن؟”. ويتابع قائلاً: “حاول دي برولي، وشرودينجر واينشتاين تقديم قصة واقعية مثل انتشار موجة الضوء في الفراغ. لكن رفض كلٌ من فولفانغ باولي وفيرنر هايزنبرغ ونلز بور الصورة الواقعية. وبالنسبة لهم، فإنّ التابع الموجي كان مجرد أداة لحساب الاحتمالات”.
هل يعمل؟
وإلى الآن، تستمر هذه المعادلة بالصمود أمام كل التجارب. ويقول بوعطا: “إنها المعادلة الأساسية الأكثر أهمية في ميكانيك الكم. إنها نقطة البداية لكل نظام كمومي نريد وصفه: الالكترونات، والبروتونات، والنيوترونات، وأي شيء آخر”.
تمثّل النجاح المبكر لهذه المعادلة في قدرتها على وصف ظاهرة ساعدت في ولادة ميكانيك الكم: الطيف المنفصل لطاقة (discrete energy spectrum) ذرة الهيدروجين. ووفقاً لنموذج ارنست رذرفورد للذرة، يجب أن يتغير تردد الإشعاع الصادر عن ذرات، مثل ذرة الهيدروجين، بشكلٍ مستمر. مع ذلك، أوضحت التجارب أن ذلك الأمر لا يحصل: تُصدر ذرة الهيدروجين الإشعاع عند ترددات محددة، وهناك قفزة عندما يتغير التردد.
انتهك هذا الاكتشاف الحكمة التقليدية، التي طرحها فيلسوف ورياضي القرن السابع عشر غوتفريد لايبنز: “لا تصنع الطبيعة القفزات”. في العام 1913، جاء نلز بور بنموذج ذري جديد وفي ذلك النموذج، كانت الالكترونات مقيدة بسويّات طاقة محددة. وبعد ذلك، طبق شرودينجر معادلته على ذرة الهيدروجين، ووجد أن حلوله تُعيد إنتاج نفس سويّات الطاقة التي نصَّ عليها نموذج بور. يقول بوعطا: “لقد كانت نتيجة مذهلة، وهي الإنجاز الرئيسي الأول لمعادلة شرودينجر”.
بعد عددٍ لا يُحصى من النجاحات التي تحققت في ظلها، أصبحت معادلة شرودينجر المماثل المؤكد لقانون نيوتن الثاني في الحركة بالنسبة لميكانيك الكم. وفي المقالات القادمة، سنشاهد معادلة شرودينجر وهي تعمل باستخدام مثال بسيط عن جسيم يتحرك داخل صندوق. وسنستكشف نتيجة غريبة أخرى لهذه المعادلة وتعرف بالنفق الكمومي (quantum tunneling).