سلسلة مراحل الحياة من منظور التنمية المهنية – مرحلة التأسيس
الجزء الخامس: مرحلة التأسيس (سلسة مراحل الحياة من منظور التنمية المهنية)
هذا المقال يتحدث عن مرحلة التأسيس، وهى امتداد لمرحلة الاستكشاف. أي أن مرحلة التأسيس تبدأ بعد أن يستكشف الإنسان قدراته وميوله ومهاراته، وبعد تكوينه فكرة شاملة عن ذاته.
خصائص وسمات مرحلة التأسيس
كما نعلم، يبدأ تكوين الشخصية المهنية منذ الولادة، إلا أن الحياة المهنية تتركز خلال مراحل التأسيس و هي من سن 25 سنة مرورا بمرحلة الاستقرار حتى مرحلة التقاعد.
مع بلوغ الفرد سن 25 عاما تبدأ المرحلة الثالثة من مراحل الحياة، وهي مرحلة “التأسيس”، وتمتد حتى سن 45 سنة، والتي تمثل مرحلة مهمة من مراحل الحياة المهنية. تتسم مرحلة التأسيس باستقرار أكثر. حيث يبدأ الفرد في إثبات صحة وملاءمة القرار المهني من خلال خبرة فعلية في مجال العمل. ويبدأ الفرد في هذه المرحلة بتقييم مدى رضاه عن مهنته والتأكد من تأسيس واستكمال مساره المهني بالشكل الصحيح المناسب له.
إن مرحلة التأسيس لدى عالم النفس دونالد سوبر Donald Super تتصف بحصول الفرد على عمل مناسب والاستمرار فيه، كما يسعى إلى التقدم في عمله من خلال اكتسابه خبرات ومهارات لتحسين الواقع المهني. وكذلك هناك نسبة من الأشخاص في تلك المرحلة يميلون إلى التغيير في العمل بحجة اكتساب مهارات أساسية إضافية والتعرف على خيارات أوسع.
الرضا المهني وأهميته في مرحلة التأسيس
باعتبار أن العمل والبحث عنه يشكل جزءا رئيسا من هذه المرحلة، فأغلب الجهود تتوجه نحو البحث عن العمل الذي يحقق الرضا والسعادة المهنية. ويمكننا تعريف الرضا المهني بأنه شعور الفرد بالتناغم التام بين ما يقوم به من أعمال وما يسعى إلى تحقيقه وإشباعه داخليا والرضا عن الذات.
يعتمد الرضا المهني في هذه المرحلة على عوامل كثيرة. فهناك عوامل متعلقة بالعمل ذاته؛ مثل:
- طبيعة العمل، وظروفه.
- مدى توافق بيئة العمل مع سمات الفرد الشخصية.
- نوعية المسؤوليات والمهام الوظيفية.
- توفر الميول والرغبات والقدرة على أداء العمل الناجح.
- فرصة الفرد للتعبير عن ذاته وقدراته بالعمل.
- ما يتلقاه من تقدير على جهوده بالعمل (بغض النظر عن نوع التقدير حيث أنه قد يختلف كثيرا من فرد لآخر).
- توفر فرص الترقية والنمو.
- المهارات التي يكتسبها نتيجة خبرته بالعمل.
وهناك عوامل أخرى تؤثر على الرضا المهني أهمها:
- درجة الانسجام بين نمط حياة الفرد ومهنته.
- مدى تأثير العمل على حياته الأسرية والشخصية.
- القدرة على بناء علاقات جيدة مع زملاء العمل.
- كذلك الأجر الذي يحصل عليه الفرد.
- المكانة الاجتماعية التي يحققها له العمل.
- الشعور بالأمان والاستقرار فيه.
لذا يمكننا القول بأن المسار الذي يوفر الرضا المهني الكامل لأي فرد يتميز بالتالي:
- إشباع العمل الذي يقوم به لاحتياجات الفرد الشخصية؛ مثل علاقته بالأسرة والأصدقاء والطرف الآخر، حالته الجسدية والنفسية والروحانيات وتطوره المهني ورؤيته لذاته.
- توفر منافذ لقدراته وميوله، وفي نطاق اهتماماته.
- انسجامه مع القيم الحياتية والمهنية للفرد؛ والتي تحمل بين طياتها الكثير من المعاني مثل: المكانة الاجتماعية، أو درجة الأمان الصحي، أو العائد المادي، أو فرص الترقية والتقدم، وما إلى ذلك.
- التوافق مع سماته الشخصية والتي تنعكس بشكل كبير على أدائه لعمله.
وفي هذه المرحلة، يمكن أن ينتقل الفرد من مهنة إلى اخرى، سواء في نفس المجال المهني أو يقوم باختيار مجال آخر حتى يتوطد الفرد في مهنته المفضلة ويكتسب الخبرات الأساسية ويثبت فيها كفاءته، ويقوم بإنشاء واغتنام فرص النمو والتطور الوظيفي، والارتقاء بالمستوى المهني الذي يحقق له مكانة مرموقة بالعمل وتحسين دخله وتحقيق الرفاهية في مستوى المعيشة. فنجاح مرحلة “التأسيس” يضمن سعادة واستقرار الفرد على مدى مراحل حياته المقبلة.
دلائل النضج المهني في مرحلة التأسيس
إن النضج المهني هو اكتمال إدراك الفرد لذاته والبيئة المحيطة للقيام بأفضل القرارات المهنية، وفي مرحلة التأسيس له عدة مؤشرات أهمها:
- الوعي بالحاجة إلى القيام باختيارات مهنية عوضا عن العشوائية أو الاستسلام للظروف فقط،
- تقبل الفرد لتحمل مسئوليته لعمل خططه المهنية وأخذ الخطوات لتحقيقها.
- فهم وإدراك الذات والمعلومات المهنية من أجل استخدامها في اتخاذ القرار المهني، والسعي الدائم إلى التفضيل بين البدائل المهنية على عدة أسس مثل القدرات، والميول، والقيم، والسمات الشخصية.
- معرفة الشخص بسوق العمل وحاجته لفهم كيفية عمله والمهارات المطلوبة وإيجاد تلك النقطة التي تساعده في تحقيق ذاته بالعمل المناسب.
- رضا الفرد المهني ونجاحه في تحقيق ذاته في هذه المرحلة.
وبهذا سعى “سوبر” إلى ترسيخ فكرة أن إدراك الذات يتغير مع الوقت والخبرة، حيث يبدأ اكتمال مفهوم الذات بدرجة كبيرة في مرحلة التأسيس، كما أن الأفراد يميلون إلى اختيار المهن التي يستطيعون من خلالها تحقيق ذواتهم المهنية والاستقرار بها. ولكن ذلك لا يعني أننا جميعا قمنا بذلك، حيث قد تغلب قلة وعينا بذاتنا المهنية مما يقودنا إلى التأخر في تحقيق النضج المهني وبالتالى أخذ قرارات غير مناسبة في بعض هذه المراحل.