سلسلة مراحل الحياة من منظور التنمية المهنية
مراحل الحياة من منظور التنمية المهنية – الجزء الأول: مقدمة عامة
تناولنا في مقال “تعرف على التنمية المهنية” أن الحياة المهنية لا تقتصر فقط على الحصول على عمل أو الترقية في السلم الوظيفي، ولكنها رحلة مستمرة تستند على قرارات يقوم بها الفرد على مدار حياته لذلك سنلقي الضوء في هذا المقال على مراحل حياة الفرد من منظور التنمية المهنية، ونتعرف على خصائص كل مرحلة وأهدافها. ويعتبر فهم سيكولوجيتنا المهنية والناحية النفسية عاملا مهما في بناء حياة مليئة بالنجاحات بإذن الله، بغض النظر عن مجالنا، سواء كان طبيا أو إداريا أو هندسيا أو أكاديميا أوغيره.
تعتمد مراحل الحياة المهنية على نظرية “النمو المهني” التي تبناها عالم النفس دونالد سوبر Donald Super، وهو أحد كبار علماء التنمية المهنية. والذي قام بتطوير نظريته بالاعتماد على ثلاثة أسس تشكل حجر الأساس لنظريته وهي:
أولا: معرفة الذات
إن أهم مفهوم تقوم عليه نظرية “سوبر” أن سلوكيات وقرارات الشخص في حياته تتحدد في ضوء مفهومه عن ذاته، وما يتصوره عن قدراته وإمكانياته، وأن يتعرف الفرد على نفسه ويدرك أنه فرد متميز، وأن يأخذ خطوة للتعرف على أوجه الشبه والاختلاف بينه وبين الآخرين. في حين أن مفهومه عن ذاته قد يأخذ أشكالا مختلفة اعتمادا على مراحل النمو التي يمر بها على مدى العمر.
وبالتالي فإن فهم الذات المهنية لدى الشخص يتغير تبعا لتطوره العقلي والجسدي والنفسي من جهة، وتفاعله مع البيئة المحيطة والأشخاص الآخرين من جهة أخرى.
ثانيا: الفروق الفردية والرضا المهني
يرى “سوبر” أن كل فرد لديه القدرة على النجاح وتحقيق الرضا المهني والسعادة الحقيقية، وذلك بتوظيف مهاراته وميوله وقدراته داخل المهن المناسبة له. ولذلك فإن الأفراد يتفاوتون في مستوى مناسبتهم المهن والوظائف بناء على ميولهم وقدراتهم ومهاراتهم، وبناء عليه فإن كل فرد له مساحة يبدع فيها أكثر من غيره، ولكل فرد مسار مهني يناسب ميوله وقدراته وقيمه المهنية أكثر من مسارات مهنية أخرى.
ثالثا: مراحل الحياة والتنمية المهنية
إن النمو والخبرة يلعبان دورا أساسيا في الوعي والنضج المهني لدى الفرد، وبالتالي القدرة على تحديد المهنة وزيادة درجة الكفاءة والنجاح. ويرى “سوبر” أن الحياة يمكن النظر إليها كتتابع لمراحل متتالية، وكل مرحلة لها سماتها وخصائصها المختلفة، وأن طريقة الفرد في التكيف والتعامل مع طبيعة وتحديات كل مرحلة من مراحل الحياة يمكن أن تساعده على التنبؤ بمتطلبات المراحل اللاحقة. ولذلك فإن الفرد يحتاج للمواءمة بين الخصائص الفردية والعوامل الاجتماعية لتحقيق مفهوم إدراك الذات المهنية في مراحل النمو المهني.
وقد لخص “سوبر” عملية النمو المهني بخمس مراحل أساسية: النمو، الاستكشاف، التأسيس، الاستمرار، والتقاعد، ولكل مرحلة سن معين. وتختلف خصائص هذه المراحل باختلاف العوامل البيولوجية والاجتماعية والبيئية والمهنية والتي تؤثر على كل مرحلة. كما تختلف باختلاف إدراك الذات حيث أنه عندما يتوافق مفهوم الذات العام مع مفاهيم الذات المهنية يميل الناس لأن يكونوا أفضل في أعمالهم. وسوف نتطرق في المقالات القادمة بإذن الله تعالى لكل مرحلة على انفراد، ونتعرف أكثر على الاختلافات بين كل مراحل الحياة، واحتياجات وخصائص كل مرحلة، وكيف يتم الإعداد لكل مرحلة من خلال المرحلة التي تسبقها.
وختاما يمكننا القول بأن نظرية “سوبر” تأخذ في اعتبارها تطور الاهتمامات المهنية بالنسبة للفرد في المستويات الفردية المختلفة، وتشرح العوامل التي من خلالها تتكون إمكانيات الفرد واهتماماته ومعرفته لذاته.