حقوق الطفل في الإسلام
حقوق الطفل في الإسلام
حقوق الطفل في الإسلام
حقوق الطفل في الإسلام
حقوق الطفل في الإسلام
(طفل اليوم قائد المستقبل)
بمناسبة اليوم العالمي للطفل
إدارة رياض الأطفال
رابط الورقة للتحميل في اسفل الموضوع
============
المقدمة :
تعتبر مرحلة الطفولة من أهم المراحل في تكوين الشخصية حيث تتشكل شخصية الإنسان في السنوات الأولى من عمره ، ونظراً لأهمية هذه المرحلة ، فقد اهتمت الشريعة الإسلامية بالأطفال اهتماماً بالغاً ، فقبل أن تعرف الإنسانية حقوق الإنسان وحقوق الأطفال نجد أن الإسلام ومنذ ما يزيد عن ألف وأربعمائة عام أثبت بوجه عام للإنسان ، وللطفل بشكل خاص حقوقاً وضمانات لا يجوز حرمانه منها أو الانتقاص من جوهرها و ألزمت المخاطبين بأحكامها ، وبضرورة كفالتها وتوعدت من يخل بها بالعقاب في الدنيا والآخرة .
ولقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية العديد من الآيات والأحاديث التي تدور جميعها حول حقوق الأطفال وهي كثيرة ومتعددة الجوانب فمنها ما هو متعلق بالأم والأب والأسرة ، ومنها ما هو متعلق بمجتمعه الذي يعيش فيه مما يؤكد شمولية هذه الحقوق .
وبالنظر في هذه الحقوق نجد أن العنصر الأكثر أهمية في المعالجة الإسلامية لحقوق الطفل بشكل خاص ولحقوق الإنسان بشكل عام ، أنها حقوق مفروضة للأبد بإرادة الله فهي لم تنتزع تاريخياً بنضالٍ أو صراعٍ قويٍ ، ولم يتم الإقرار بها من خلال ثورة تطيح بنظام ، وهي ليست منحة من مخلوق يمنّ بها على من يشاء ويسلبها عندما يشاء وهي ليست منحة إمبراطور أو ملك أو أمير أو حزب أو لجنة إنما حقوق قررها الله بمقتضى المشيئة الإلهية فهي ثابتة دائمة بحكم الشريعة والطبيعة معاً .
كما أن الحديث عن حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية يثبت لنا أن هذه الحقوق تتسم بالعالمية فهي لم تخاطب مجتمع بعينة أو جماعة من الناس أو عرق محدد وإنما جاءت لكافة البشر على اختلاف أجناسهم .
وتبدأ حقوق الطفل قبل ولادته وتتدرج حتى تصل إلى مرحلة الرشد وبلوغ الأشد .
الطفل في اللغة :
الصغير من كل شيء عيناً كان أو حدثاً ، وقيل الولد الصغير من الإنسان والدواب ، وجارية طفلة إذا كانت صغيرة ، واتيته والليل طفلٌ أي في أوله ، وأطفلت الأنثى : صارت ذات طفلٍ ، ويقال : يسعى لي في أطفال الحوائج أي صغارها .
أورد الثعالبي مرادفات لكلمة طفل : وليد، ورضيع، وفطيم، وصبي، ويافع، وغلام، ومراهق، وهي ألفاظ ترادف لفظ طفل، وأن كانت تمثل في مسمياتها مراحل نمو الطفل متدرجة حسبما هي مرتبة .
الطفل في الاصطلاح :
يشير مصطلح الطفولة إلى المرحلة التي تمتد من الولادة إلى البلوغ دون تحديد سنٍ معين ، ويحددها بعضهم بالسن وهو بلوغ سن الخامسة عشر للذكر والأنثى ، ويحددها البعض ببلوغ سن الثامنة عشر للذكر والسابعة عشر للأنثى كأبي حنيفة .
في المادة (1) من اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة في عام 1989م ، اشتمل مصطلح الطفولة على كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره ما لم يبلغ قبل ذلك، ونصها (الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المطبق عليه) .
خصائص مرحلة الطفولة :
يتميز الأطفال بخصائص نفسية وعقلية تختلف عما عليه الكبار، وعلى وجه الخصوص في المراحل العمرية الأولي، فيجب مراعاتها والتعامل معهم في ضوئها، ومنها:
1- الفهم السطحي للأشياء الحسية .
2- القابلية العالية للتوجيه السلوكي العملي .
3- تلقائية المشاعر والعواطف النفسية والعجز عن السيطرة عليها .
4- روح الصداقة والعمل الجماعي مع الآخرين .
5- الميل إلى اللعب والتضجر من أخذ الأمور بالجدية .
6- حب الاستكشاف والمعرفة والفضول العملي، لذا تكثر عندهم الحركة وتناول الأشياء واختبارها، ومحاولة التعرف عليها والكشف عن أسرارها .
7- الحاجة إلى المثال والقدوة الواقعية ، لأنه يتعلم في بادئ الأمر عن طريق المشاهدة والملاحظة ثم التقليد.
حقوق الطفل في الإسلام :
لقد جاءت شريعة الإسلام بكل ما يصلح أحوالنا ولم تترك صغيرة ولا كبيرة إلا وأتت فيها بحكم وتوجيه ، وقبل البدء باستعراض عدداً من حقوق الطفل التي اعتنى الإسلام بها وأكد على الالتزام بها ، تجدر الإشارة هنا إلى بعض المفاهيم الأساسية المرتبطة بهذا الشأن وهي كما يلي :
1- الإسلام قد حكم في سائر القضايا ووضع حلولاً لكل المشكلات؛ ولم يترك شاردة ولا واردة إلا اعتنى بها صراحةً أو بالمفهوم (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء) سورة النحل ]89[.
2- الإسلام لا يضيِّع حق مخلوق ـ إنساناً كان أو غيره ـ بل يفصِّل فيها تفصيلاً، ويعطي كل ذي حق حقه؛ لأنه دين رب العالمين الذي حرَّم الظلم على نفسه، وجعله بين العباد محرماً .
3- اهتمام المسلمين ببيان حقوق الطفل ليس وليد اليوم ، أو تبعاً لضغوط منظمات أو هيئات ، بل هو نابع من دين ومعتقد، وقد جاءت تلك الحقوق في كتاب الله عز وجل ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم منذ مئات السنين قبل أن توجد المنظمات والهيئات، وقبل أن تعرف الدنيا أن للأطفال حقوقاً .
4- صلاح الذرية ونباتها النبات الحسن غرضٌ شرعي يحرص عليه المسلم ويسعى إلى تحصيله من طرقه المشروعة، وقد علَّمنا ربنا في القرآن أن ندعو بقولنا (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً) الفرقان ]74[، قال ابن كثير رحمه الله تعالى: يعني الذين يسألون الله أن يخرج من أصلابهم وذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له، وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى ـ وسئل عن هذه الآية ـ أن يُري الله العبد من زوجته ، ومن أخيه ، ومن حميمه طاعة الله، لا والله ما شيء أحب إلى المرء المسلم من أن يرى ولداً أو والداً أو حميماً أو أخاً مطيعاً لله عز وجل .
وإذا تم تقرير ما سبق ، والتأكيد عليه فيمكن استعراض الحقوق في مسارين وهما كما يلي :
أولاً / حقوق الطفل قبل الولادة :
وتتمثل في مجموعة من الركائز الأساسية وهي كما يلي :
1- أن يكون له أبوان صالحان طيبان؛ يعرفان حق الله عليهما، ويرعيان دينهما في أقوالهما وأفعالهما، ابتداءً بحسن اختيار الزوجة فالأم تمثل الوعاء والغطاء والعطاء بكل معانيه ، وقد وضع الإسلام شروطاً مهمة لحسن اختيار الزوجة كتوافر شرط الدين فإن الدين هداية للعقل والضمير وفي هذا الصدد يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك) متفق عليه ، كما يضع الإسلام توصيف المرأة الصالحة بأنها الطيعة ، المثابرة ، الأمينة فيقول صلى الله عليه وسلم (خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، وغن أقسمت عليها ابرتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك) رواه النسائي ، كما أن كونها من بيئة كريمة معروفة باعتدال المزاج ، وهدوء الأعصاب ، والبعد عن الانحرافات بأنواعها ، فإنها أجدر أن تكون حانية على ولدها ، خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أم هانئ فاعتذرت إليه بأنها ذات أولاد فقال لها (خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش ، أحناء على ولد في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده) رواه البخاري ومسلم ، وكذلك في اختيار الزوج لا بد أن يكون الاختيار قائماً على أساس الدين السليم والخلق القويم (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد) رواه الترمذي ، حتى صار مستقراً في عرف المسلمين الاهتمام باختيار الزوج قبل الاهتمام باختيار الزوجة ، كما ينسب للحسن البصري قوله (لا تزوِّج بنتك إلا لتقي، إن أحبها أكرمها، وإن كرهها لم يظلمها) .
2- أن يكون للأب نية صالحة حين يضع تلك النطفة في رحم الزوجة (وابتغوا ما كتب الله لكم) البقرة ]187[، حتى إنه ليؤمر بالدعاء في تلك الحال (لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: باسم الله؛ اللهم جنبنا الشيطان؛ وجنب الشيطان ما رزقتنا؛ فقضي بينهما ولد لم يضره) رواه البخاري ومسلم ، قيل: المعنى لم يسلط عليه من أجل بركة التسمية ؛ فيكون من جملة العباد الذين قيل فيهم (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) الحجر ]42[.
3- الاهتمام الكبير بالأم حال حملها ؛ حيث نجد في القرآن نصوصاً تبيِّن ما تعانيه الأم في تلك الحال (حملته أمه وهناً على وهن) لقمان ]14[، (حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً) الأحقاف ]15[، فيؤمر الأب بالإنفاق على تلك الأم ولو كان قد طلَّقها (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) الطلاق ]6[، كما أن الإسلام أباح للحامل الفطر في رمضان إن خافت الضرر على نفسها أو ولدها (إن الله وضع عن المسافر الصوم شطر الصلاة وعن الحامل والمرضع الصوم) رواه الترمذي .
4- حفظ حقه في الحياة وذلك بتحريم الإجهاض ، كما رتب العقوبات المالية والبدنية لمن يتسبب في إسقاطه وهو جنين .
5- حفظ حقوقه المالية وهو جنين فيُحفظ ماله وميراثه حتى تلده أمه وليس لأحد أن يأخذ حقه ، كما استحب إخراج الزكاة عنه وهو في بطن أمه .
6- من حق الطفل أن يُنسبَ إلى أبيه ، وليس من حق الأب أن يجحد ولده لخلاف بينه وبين أم الولد ، بل الواجب عليه أن يعطي الولد حقه في النسبة إليه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي يقول حين نزلت آية المتلاعنين (أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته ، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه ، احتجب الله عنه، وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين) رواه النسائي .
ثانياً / حقوق الطفل بعد ولادته :
دعا الإسلام إلى رعاية الطفل بعد ولادته بمجموعة من الحقوق التي تضمن صيانة فطرته وحفظ ديانته؛ باعتبار أن (كل مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) رواه البخاري ومسلم ، ومن ذلك ما يلي :
1- التأذين في أذنه اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى لما روى أبو رافع رضي الله عنه أنه قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذَّن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة) رواه الترمذي ، قال ابن القيم رحمه الله تعالى : وسر التأذين ـــــــ والله أعلم ــــــــ أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام؛ فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا؛ كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها، وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثيره به وان لم يشعر، مع ما في ذلك من فائدة أخرى، وهي هروب الشيطان من كلمات الأذان وقد كان يرصده فيسمع ما يضعفه ويغيظه أول أوقات تعلقه به، وفيه معنى آخر وهو أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام وإلى عبادته سابقة لدعوة الشيطان كما كانت فطرة الله التي فطر عليها سابقة على تغيير الشيطان لها ونقله عنها .
2- تحنيكه ، والتحنيك مضغ التمر ووضعه في فم الصبي ودلك حنكه به ، لما روى أنس رضي الله عنه (أن أم سليم ولدت غلاماً، قال: فقال لي أبو طلحة : احفظه حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته به ـــــ وأرسل معي بتمرات ــــــ فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها؛ ثم أخذها من فيه فجعلها في في الصبي وحنَّكه به وسماه عبد الله) رواه البخاري ومسلم .
3- التسمية بالاسم الحسن فعن أبي موسى الأشعري قال : ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم فحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ، وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق) رواه الترمذي ، والحكمة من استحباب الاسم الحسن ليكون مثار إيحاء المعاني الخيرة التي يحملها كلما هتف به هاتف أو دعاه داع فتنطبع فيه آثار هذه المعاني الطيبة حتى تصبح خلقاً حميداً يتخلق به ، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى : وإذا أردت أن تعرف تأثير الأسماء في مسمياتها ، فتأمل حديث سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده قال (أتيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما اسمك ؟ قلت : حزن ، فقال : أنت سهل ، قال : لا أغير اسماً أسمانيه ابي ، فقال ابن المسيب : فما زالت تلك الحزونة فينا بعد) رواه البخاري .
4- العق عنه في يوم سابعه ، وذلك لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه في اليوم السابع ويحلق رأسه ويسمى) رواه أبو داود .
5- المبادرة إلى ختانه متى ما أطاق ذلك؛ عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم (خمس من الفطرة: الاستحداد والختان ونتف الإبط وقلم الأظفار وقص الشارب) رواه البخاري ومسلم .
6- إعطاؤه حقه كاملاً في رضاعة طبيعية ينال بها حظه من الغذاء الطبيعي والحنان الوالدي (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) البقرة ]233[ ،قال القرطبي رحمه الله تعالى (يرضعن) خبر معناه الأمر على الوجوب لبعضض الوالدات، وعلى جهة الندب لبعضهن، وقيل: هو خبر عن المشروعية ، ويمنعع الإسلام الأبوين من أن يستبد أحدهما بأمر الفطام (فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) البقرة ]233[ ، وبلغ من عناية الإسلام برضاعع الطفل أن همَّ النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن وطء المرأة المرضع؛ فعن جذامةة بنت وهب الأسدية قالت: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس وهو يقول (لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئا) رواه مسلم .
7- القيام على رعايته الرعاية التامة بالإنفاق عليه في مطمعه ومشربه ومسكنه وملبسه وعلاجه؛ لقوله عز وجل (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله) الطلاق ]7[، وفي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك ) ،وفي حديث عائشة رضي الله عنها (أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله) متفق عليه ، ،وفي حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه (إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة) متفق عليه ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه (دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك؛ أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك) رواه مسلم ، كما أن في تضييع ذلك والتقصير فيه إثم كبير، ففي صحيح مسلم (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) وفي حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الله تعالى : يا ابن آدم، إنك أن تبذل الفضل خير لك، وأن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى) رواه مسلم .
8- إعطاؤه حقه في اللهو والرياضة واللعب وممارسة المرح الذي يتناسب مع طفولته؛ إذ اللعب رمز لحيويته ونشاطه، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يداعب الأطفال، ويرأف بهم ويحسن ملاعبتهم ومن ذلك مواقفه مع أحفاده ومع أبناء الصحابة رضي الله عنهم ،فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال (قبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ثم قال : من لا يرحم لا يُرحم) رواه البخاري ومسلم ، وهذا من مراعاة الفطرة الإنسانية وعدم كبتها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب بالبنات (أي اللعب) فقال : ما هذا يا عائشة ؟ قلت : خيل سليمان ولها أجنحة فضحك) رواه أبو داود ،وفي هذا تنبيه إلى أن لهو الطفولة ليس سبباً يباعد بين صاحبه والنبوغ ، فها هي عائشة رضي الله عنها ، تلك التي كانت تلعب في طفولتها تصير إحدى أمهات المؤمنين وسيدات المسلمين ، بل كما قال الإمام الذهبي رحمه الله : وقد كانت عائشة أعلم نساء هذه الأمة بل هي أعلم نساء العالمين ، ويروي الحافظ ابن حجر رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداعب الحسن والحسين رضي الله عنهما ، ويمشي على يديه وركبتيه وهما يتعلقان به من الجانبين فيمشي بهما ويقول (نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما) رواه الطبراني، وعن عبد الله بن الحارث قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصُفُّ عبد الله وعبيد الله كثيراً بني العباس ثم يقول من سبق إلي فله كذا وكذا قال فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلزمهم) رواه أحمد ، وكتب عمر بن الخطاب إلى أهل الشام (علموا أولادكم السباحة والرمي والفروسية) .
9- تعليمه وتأديبه (فما نحل والد ولداً نحلة أفضل من أدب حسن) أخرجه البخاري في التاريخ ، وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) التحريم ]6[ ، فيجب على الولي تأديب الصغير بالآداب الشرعيةة والفضائل المرعية، ويشمل ذلك تنشئته على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات وأمرهه بالمعروف ونهيه عن المنكر، وتعويده على الصلاة (مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع) رواه أبو داود .
10- حق الطفل في تكريمه فقد قال صلى الله عليه وسلم (أكرموا أولادكم ) واه ابن ماجة ، ومن التكريم السلام على الطفل ففي حديث أنس كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر على صبيان فسلم عليهم ، ومن التكريم استئذانه ، فقد أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب , فشرب منه , وعن يمينه غلام (هو عبدالله بن عباس) ، وعن يساره الأشياخ ، فقال للغلام ( أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ ، فقال الغلام : لا والله يا رسول الله ، لا أوثر بنصيبي منك أحداً ، فتله ” أي : وضعه ” رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده ) رواه مسلم ، ومن تكريم الطفل اصطحابه ، فقد كان صلى الله عليه وسلم تارة يصحب ابن عباس , وتارة يصحب أطفال ابن عمه جعفر , وأخرى يصاحب أنساً ، ومن تكريم الطفل أيضاً استرضاؤه ، فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن مظعون ، ومعه صبي صغير له ، يلثمه ، فقال له ( ابنك هذا ؟ ) قال : نعم ، قال (تحبه يا عثمان؟) قال : إي والله يا رسول الله ، إني أحبه ، قال ( أفلا أزيدك حباً له ؟ ) قال : بلى ، فداك أبي وأمي ، قال (إنه من ترضّى صبياً صغيراً من نسله حتى يرضى، ترضّاه الله يوم القيامة حتى يرضى) أخرجه ابن عساكر ، ومن تكريمه تكنيته ، فقد نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم طفلا بكنيته وقال له : ( يا أبا عمير ! ما فعل النغير؟ ) رواه مسلم .
11- بذل أسباب الرحمة والحنان للصغير حتى ينشأ نشأة سوية، ويتعود خلق الرحمة في معاملته مع خلق الله؛ ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : تقبلون صبيانكم ؟ فقال (نعم) ، فقالوا : والله لكنا ما نقبل ، فقال (أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة) .
12- من حقوق الأطفال العدل بينهم في العطاء والمنع ؛ حتى لا تثور بينهم أسباب العداوة والبغضاء ، أو ينشئوا على حال من الكراهية والنفور من بعضهم البعض ، ففي روى مسلم أن امرأة بشير قالت له انحل ابني غلاماً وأشهد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتى رسول الله فقال إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلامي ؟ قال (له إخوة؟) قال: نعم. قال (أفكلهم أعطيت مثل ما أعطيته) قال: لا ، قال (فليس يصلح هذا وإني لا أشهد إلا على حق) ، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها ، قال يعني الذكور ، أدخله الله الجنة) رواه الحاكم ، فليس من حق الأبوين أن يميزا بين الأولاد من غير موجب للتمييز لما يخلف ذلك من آثار سيئة، ربما لا تزول على مر السنين .
13- حق الطفل في إبداء رأيه وتشجيعه ، روى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله تعالى قال : قمت وراء النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخذني، فأقامني حذاءه ، فلما انصرف، قال: (ما لك؟! أجعلك حذائي فتخنس ) ، قلت: ما ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك ، وأنت رسول الله ، فأعجبه، فدعا الله أن يزيدني فهماً وعلما .
14- حق الطفل في بعض الاختيار ، روى النسائي عن عبد الحميد الأنصاري عن أبيه عن جده : أن جده أسلم ، وأبت امرأته أن تسلم ، فجاء بابن له صغير لم يبلغ ، قال : فأجلس النبي صلى الله عليه وسلم الأب ها هنا ، والأم ها هنا ، ثم خيره ، وقال : ( اللهم اهده ) فذهب إلى أبيه .
15- حق الطفل في التدريب الاجتماعي والاقتصادي ، فقد نقل البغوي أن النبي صلى الله عليه وسلم شاهد الطفل عبد الله بن جعفر وهو يبيع ، فأقره ودعا له بالبركة .
الخاتمة :
التشريع الإسلامي عندما نظر للطفل على أنه إنسان كامل الحقوق استوعب كل مناحي وجوانب حياة الطفل كما استوعب كل جوانب حياة الإنسان ، والمتأمل يجد هذا واضحاً جلياً؛ لأنه سيجد التشريع الإسلامي قد أعطى الطفل حقوقه الجسدية والنفسية والمالية والتعليمية والتربوية بأفضل صور الرعاية والمحافظة عليها .
كما يتبين مما سبق المنزلة الرفيعة التي حظيت بها مرحلة الطفولة في التشريع الإسلامي، بحيث تعلقت بها أحكام كثيرة، ونيطت رعايتها بكل من الوالدين وذوي القربى وكلِّ المجتمع ، كما أن ما جاءت به الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لا يخرج في كلياته ولا جزئياته عما قرره الإسلا�� للطفل من حقوق (قبل ما يزيد عن أربعة عشر قرناً من الزمان)، مع امتياز ما قرره الإسلام للطفل من حيث مراعاته المحافظة على منظومة القيم الدينية والأخلاقية كلها. ففي شرع الله لا يجوز حق طائفة من المجتمع على حق طائفة أخرى، ولا تتعارض المصالح، بل ينسجم الكل في إطار العبودية الحقة لله تعالى والتزام شرعه الحكيم .
وإذا كان من توصية يمكن أن نخرج بها من هذا العرض المختصر فهي أن نكرر تأصيل هذه المعاني الحقوقية في التشريع الإسلامي، وزيادة التوعية والتنويه بها بكل الطرق الممكنة ، وذلك في سياق تعريف العالم أجمع بحقيقة الإسلام وقيمه الحضارية ونسقه الرباني الفريد، وغنيٌّ عن القول التوصية بأن نكون في مجتمعاتنا وبيوتنا مثالاً مشرِّفاً لقيم الإسلام النبيلة وحضارته الفريدة، بالتزامنا بما نؤمن به ، وما ندعو إليه من قيم حضارية نبيلة ، والحمد بالله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
Attachments
-
ورقة عمل حقوق الطفل
File size: 293 كيلوبايت Downloads: 866