تغيير المسار المهني.. هل هو ممكن؟
في الماضي كان من المعتاد أن يقضي الموظف حياته المهنية بالكامل داخل مؤسسة واحدة وربما في الوظيفة نفسها، حيث أنه يتقدم لوظيفة تتناسب مع مجال دراسته ومؤهلاته؛ لكي يستقر في هذه الوظيفة لفترة طويلة مع السعي إلى الترقية في تلك المؤسسة حتى يصل إلى سن التقاعد.
أما في القرن الواحد والعشرين، تعددت الخيارات المهنية وزاد الانفتاح على العالم من خلال تغير طبيعة الأعمال وازدهار التكنولوجيا مما خلق العديد من فرص العمل المعتمدة أساسا على التخصص الدراسي، ولكنها أصبحت تتطلب مهارات شخصية وفنية بشكل أكبر يمكن تطويرها من خلال الدراسة الحرة (التعلم الذاتي) أو الشهادات المهنية المتخصصة (انظر إلى مقال مقدمة عن الشهادات المهنية). وكذلك أصبحت بعض القطاعات والمنشآت لا تمانع أن يتحرك الموظف مهنيا بشكل أفقي، أي إمكانية أن تغيير الوظيفة والعمل في قسم آخر ما دام لديه القدرة على تنفيذ مهام تلك الوظيفة. بل وأصبح تغيير المسار والمجال المهني أمر ممكن، مثل المهندس الذي يترك العمل في الهندسة ليعمل في التسويق، والطبيب الذي يترك الطب ليدرس العمارة ويعمل كمعماري، وغيرها من الأمثلة التي تتكرر في سوق العمل. ولا يقتصر تغيير المسار المهني فقط على الشباب في بداية مسارهم المهني، ولكن يمكن تغيير المسار المهني أيضا في عمر الأربعين والخمسين. ففي العالم حاليا فرص متعددة لا تشترط الخبرة في المجال فقط، بل إن هناك عناصر تعوض الخبرة، مثل: الطموح، والشغف، والمهارات القابلة للنقل من مجال إلى آخر (المهارات المنقولة) وهي المهارات التي يمكن توظيفها في عدة مجالات. نمر خلال حياتنا المهنية بخيارات عدة وأفكار كثيرة وفرص متنوعة ومن الخيارات التي قد تطرأ لنا تغيير المسار المهني.
متى يمكن للشخص أن يفكر في تغيير مساره المهني؟
هناك عدة حالات يعتبر تغيير المسار المهني فيها أمرا منطقيا وقابل للدراسة، منها:
- تأثر مجال وتخصص العمل بعوامل خارجية بشكل جذري: قد يتأثر مجال العمل الذي يعمل به الشخص عند دخول التكنولوجيا في أداء المهام مثلا أو ضعف الفرص لأسباب اقتصادية وسياسية، أو عالمية ومحلية، مثل: تأثر مجال الترجمة بالنسبة للمترجمين بسبب استخدام الإنترنت في ترجمة الكتب والأبحاث إلكترونيا، وضعف فرص الصحف الورقية بسبب انتشار الصحف الإلكترونية ومواقع الإنترنت التي تسهل الحصول على الأخبار بضغطة زر.
- تغيير الشخص لنمط حياته أو المرور بمرحلة تحول: أحيانا يضطر الشخص إلى تغيير مساره المهني مع انتقاله من مكان لآخر، مثل: المرشد السياحي الذي ينتقل من بلد تعتمد على السياحة إلى بلد لا تتوفر فيها فرص عمل في السياحة بشكل كبير، أو وجود الشخص في عمل يتطلب سفر مستمر ويرغب في تغيير هذا المسار بعد تكوينه لأسرة يهتم بالبقاء معهم لفترات طويلة.
- الشعور بعدم الرضا المهني: أغلب الأشخاص في العالم يختارون وظائفهم دون تخطيط مهني جيد؛ لذلك يصدمون بعد مرور سنوات من العمل بشعور عدم الرضا الوظيفي وعدم القدرة على تقديم أداء جيد يحقق لهم طموحاتهم المهنية. لذلك، قد يعد تغيير المسار المهني في هذه الحالة حلا مناسبا لهم للانتقال لوظيفة تحقق الرضا الوظيفي، بشرط ألا يتم ذلك بشكل عشوائي.
- قلة فرص التقدم الوظيفي في مجال ما: أحيانا يجد الشخص نفسه في وظيفة لا يمكنه التقدم فيها ولا الحصول على فرص تسمح له باكتساب خبرات أكبر وتعلم مهارات جديدة، وقد يجد الشخص بعد فترة أنه يريد تغيير مساره المهني لمجال آخر تفاديا لنوع المهام اليومية التي يقوم بها ولا تتيح له اكتساب خبرات جديدة، وذلك بسبب طبيعة المهنة والمجال، وليست لسبب خاص في منشأة أو قطاع ما.
خطوات القيام بتغيير المسار المهني:
- تأكد من أن قرار تغيير المسار المهني هو القرار الأنسب لك: هناك فرق بين تغيير الوظيفة من خلال ترك مركزك الحالي والانتقال لمنشأة أخرى ولكن في نفس مجال عملك، وبين تغيير مسارك المهني بالكامل. تغيير المسار المهني يجب أن يكون قرارا واعيا يرجع لأحد الأسباب السابق ذكرها أو أسباب وجيهة أخرى.
- أعد تقييم ذاتك وتجاربك: قرار تغيير المسار المهني يجب أن يتم بناء على وعي ذاتي حتى تتمكن من فهم سبب تركك لمجالك السابق، وما هي المجالات التي تتناسب مع شخصيتك وميولك وقيمك المهنية حتى تتخذ القرار السليم.
- اكتشف المجالات التي تناسبك: قبل اتخاذ قرار باختيار المسار المهني، يجب المرور بمرحلة الاستكشاف للمجالات والوظائف التي تتناسب مع شخصيتك والتأكد من توافر فرص عمل فيها، وأنها تحقق مميزات مهنية تتناسب مع قيمك وأولوياتك. ويتم ذلك من خلال البحث على الإنترنت وقواعد بيانات الوظائف، وحضور فعاليات في التخصصات التي تود اكتشافها.
- استشر أصحاب الخبرة: اطلب المشورة من خبراء التطوير المهني ومن سبقوك في المجال المستهدف حيث أنهم سيزودونك بمعلومات ستفيدك في تقييم قرارك.
- اختر المجال وقم بتحديد المهارات القابلة للنقل من مجال لآخر: بناء على نتائج مرحلة الاستكشاف، اختر المجال الذي يحقق أهدافك المهنية المستقبلية، وحدد ما هي الخبرات والمهارات المكتسبة من المجال السابق وقد تكون مناسبة للمجال الجديد، وابدأ في برز هذه المهارات في سيرتك الذاتية وتطويرها خلال هذه المرحلة.
- اهتم ببناء شبكة علاقات في المجال الذي تود التحول إليه: تحدث بشغف وتواصل مع العاملين في المجال الذي تود الانتقال إليه للبدء في تكوين شبكة علاقات ثرية في مسارك المهني الجديد.
- حدد الفجوات المعرفية والمهارية: حلل قدراتك ومعارفك وخبراتك ومهاراتك، واعرف بشكل دقيق متطلبات الوظيفة والمجال المستهدف، لتنمية الوعي ومعرفة الفجوات بشكل واضح ودقيق.
- ضع خطة مهنية تتضمن الدراسات الأكاديمية أو المهنية والتطوير الذاتي: الخطة المهنية هي خارطة طريق تؤهلك لمجال العمل الجديد تقربك من هدفك. لا تتردد كثيرا وتؤجل قرارك خوفا من الخروج من مجالك الذي يعتبر منطقة الراحة بالنسبة لك، ولكن حدد الوقت المستهدف الذي تحتاجه لإعداد نفسك حتى تستطيع الانتقال إلى المجال الآخر بلا التضحية بشكل كامل بمميزات ومراكز وصلت إليها في مجالك الحالي (عامة، قد تمتد فترة الإعداد إلى 3 سنوات)، وخذ الخطوات بثقة بناء على معلومات عن نفسك وسوق العمل.