ترجمة المنهاج المخطط إلى خطوط تعليمية
ماذا نعني بترجمة المنهاج؟
إن الترجمة هي عملية تحويل من شكل إلى آخر مع الحفاظ على المعنى والوصول إلى الهدف العام. فالمنهاج المخطط له أو ما يطلق عليه عادة المنهاج الرسمي” Official curriculum ” والذي تقره وزارة التربية والتّعليم وتضع له المقررات الدراسية المصادق عليها رسميّا وتؤلف له الكتب، وهو الذي أسماه ثجز واكو Thijs A. , Akkew J. ,2009) Intended curriculum ) حيث يختلف عن المنهاج الذي يتم تنفيذه بالفعل “Operational curriculum” والذي يرى ثجز واكوي بشأنه أنه ليس بالضرورة وجود إشكالية في تقليل الفجوة بين ما أسماه الأحلام، الأفعال، والنتائج. أي “الرؤية والمنهاج المخطط و المنفذ”، كما وضع معايير للحكم على المنهاج وهي معايير لما بعد التنفيذ وليس التخطيط.
المنهاج المخطط …. والمنهاج المنفذ
أ- ما المقصود بالمنهاج المخطط والمنفذ؟
إن تعريفات المنهاج المختلفة توحي بوجود فروق جوهرية بين المنهاج المخطط له والمنهاج المنفذ ولكليهما مسميات عديدة، فالمنهاج المخطط هو المعروف والذي وضعه تربويون مختصون. أما المنهاج المنفذ فهو متعدد متنوع غير معروف، ويقصد به الممارسات الواقعية على مستوى المدرسة، وقد تكون تلك الممارسات مقصودة لتحقيق هدف، أو غير مقصودة (مرعي والحيلة، 2004). إضافة إلى أن خطط المنهاج المنفذ التي وضعها المعلم قد تختلف عن خطط المنهاج المخطط لها أصلا.
ب- ما العوامل المؤثرة في نوعية المناهج؟
إن هناك عددا من العوامل التي تلعب دوراً واضحاً في وجود التباين بين المنهاج المخطط والمنهاج المنفذ، والتي فصلها مرعي والحيلة باثني عشر عاملاً، إلا أنني سأوجزها في ثلاثة عوامل رئيسة (نوعية المعلّم وأدائه ومهاراته)، حيث يعتبر المعلم أهم العوامل المؤثرة في المنهاج الرسمي، بل هو أساس نجاح المنهاج وتنفيذه. وقد برز دور المعلم في عدد من الأبحاث، خاصة تلك المتعلقة بنظريات التعلم والنظريات الفلسفية. وتعتبر قضية إعداد المعلمين من القضايا البارزة التي تهم الباحثين وذلك باعتبار المعلم من أهم عوامل تحقيق الأهداف المنشودة من المنهاج الرسمي المخطط، كما أن الإيمان بالفلسفة التي تقف وراء إعداد المناهج المخططة هو من العوامل المهمة أيضا. فالفلسفة ضرورية لصياغة وتبرير أهداف المناهج، وتنظيم المعرفة وصياغة الأساليب والأنشطة، والتعامل مع المواقف سواء ما نلمسها ونلاحظها، أو ما تعتبر خفية، ومن هنا تظهر مدى أهمية الإيمان بالفلسفة التي تقف وراء إعداد المنهاج في تحقيق وتنفيذ أهدافه.
كذلك فإن نتائج التقويم في العملية التربوية تلعب دوراً حاسماً في التباين بين المنهاج المخطط والمنفذ، حيث أن لنتائج الامتحانات التي تقوم بها الوزارة أكبر الأثر في السيطرة على المناهج الرسمية، وعلى طريقة تصميم الموضوعات مما يؤدي إلى التأثير على طرق التدريس والتركيز على نواحي معينة في المنهاج أكثر من غيرها.
إضافة لما سبق، فان العاملين في المناهج الرسمية تخطيطا وتنفيذا يؤكدون على ضرورة وجود روابط قوية بين آليات التخطيط للمناهج وآلية الامتحانات العامة “التنفيذ”، إذ على الامتحانات أن تقيس الأهداف العامة للمناهج الرسمية، وبالتالي فطبيعة الامتحانات الوزارية تؤثر بشكل مباشر على نوعية المناهج المقدمة.
ج- آليات لتقليص الفجوة بين النظرية والتطبيق
أورد (مرعي والحيلة، 2004) بأن الفجوة بين المنهاج المخطط والمنهاج المنفذ تختلف في طبيعتها وفي مداها من بيئة إلى أخرى، وقد ذكر بعض التربويين مثل جلاتهورن ومولين دبارك أمورا قد ترفع من مستوى تطبيق المنهاج المخطط وتقلل الفجوة بين النظرية والتطبيق، ومنها توفير المواد التعليمية التي قد تساعد المعلم على تنفيذ المنهاج كما خطط له، إضافة إلى تشجيع مدراء المدارس على تحميل مسؤولية تطبيق المنهاج في المدارس، مع اقتناع المعلمين بتلك المناهج والعمل على تبنيها، إضافة لإعطاء التدريب اللازم للمعلمين، وتهيئة الفرصة لهم لتبادل الرأي حول المنهاج الجديد.
كما نجد أن لواضعي المنهاج دور في ذلك، إذ عليهم إشراك المعلمين في وضع المنهاج، فمساهمة المعلمين في التخطيط للمناهج لها أثر كبير في تنفيذها بشكل أفضل، وتقليل الفجوة بين المادة النظرية وآليات تطبيقها على أرض الواقع، وداخل الصف. ولا نغفل أهمية تأييد المجتمع ومساندته ودعمه للمناهج، كذلك الاعتناء بتثقيف المعلمين، وتطوير أساليب جديدة لإعداد المعلم وتحسين الكفايات اللازمة للقيام بدوره، مع الاهتمام بالجانب العملي والتطبيقي للمقررات الدراسية، والتأكيد على التكوين المستمر للمعلمين، وإعطاء أهمية لجوانب التعلم الثلاثة (المعرفية، المهارية، الوجدانية)، كل تلك الأمور تساعد في جسر الهوة بين المنهاجين المخطط والمنفذ.
النظرية النقدية والمناهج
ترى النظرية النقدية أن للمعلم دورا أساسيا في ترجمة المنهاج المخطط إلى خبرات تعليمية يومية، فهي تريد من المعلمين اختبار أيديولوجيات مرتبطة بالتربية لتوسيع طرح القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وكانت الأجندة الخاصة بهم هي تمكين المعلم”Teacher empowerment”والتي تتضمن تقليل الفجوة بين المعلمين والإدارة، كذلك التعاون بين المعلمين لصياغة مفاهيم المنهاج المخطط وتعليماته وإعداد طرق تدريس خاصة، وإثراء المنهج المخطط بالموضوعات المستجدة والضرورية والمعاصرة، إضافة إلى دراسة الثقافة، وإشراك المدرسة في حل مشاكل المجتمع المحلي “المجتمع الديمقراطي”، وجعل المدرسة جزءا لا يتجزأ من المجتمع وقضاياه. كما وتجد أن على المعلمين طرح الموضوعات السياسية والثقافية والاقتصادية بشكل حوار مفتوح ونقاش مع الطالب، من أجل رفع مستوى الوعي لدى الطالب، وكذلك تحويل الخبرات المخططة من أجل إقامة الحرية والعدل والمساواة الاجتماعية، وأن على المعلمين التصدي لمقتضيات المواجهة مما يعني تهيئة الظروف المناسبة للطالب.
هذا ويهدف أنصار النظرية النقدية إلى قيادة الطلبة نحو ما أسموه “الانفجار المعرفي” الذي يبدأ من تجربتهم متعددة الثقافات، في حين أن المنهاج قد يسبب ضغطا لدراسة الطالب التاريخية واللغوية والثقافية خاصة تلك المتعلقة بالتمكين أو عدمه