اللسانيات التطبيقية .. المنهج التقليدي والمنهج البنيوي في تعليم اللغات
المنهج التقليدي والمنهج البنيوي في تعليم اللغات
تعدّ المناهج الدراسية خططا وأنظمة يتم عن طريقها تزويد المتعلمين بمجموعة من الفرص التي تعمل على تحقيق أهداف عامة مرتبطة بأهداف خاصة مفصلة. فهي أساس العملية التعلمية التعليمية في الدراسات التعليمية القديمة والحديثة، تساعد على تحقيق النمو الشامل من جميع النواحي الجسمية والعقلية والاجتماعية والفنية للمتعلمين.
1- تعريف المنهاج:
لغة: هناك اتفاق على معنى المنهاج الذي يورده ابن منظور في اللسان الذي تعني الطريق الواضح، حيث قال:” طريق نهج بين واضح وهو النهج… أو نهج الطريق: وضح واستبان وصار نهجا بينا واضحا” ،
– وأصل الكلمة في الانجليزية “Curriculum”، وهي كلمة مشتقة من جذر لاتيني تعني مضمار سباق الخيل. الذي من شروطه الوضوح حتى يسهل فيه السباق.
أصطلاحا: له تعريفان:
أ-المفهوم التقليدي: هو مجموعة المواد والمعارف والمحتوى، التي على المتعلم تلقيها في المدرسة من المعلم، مصدر المعرفة.
ب-المفهوم الحديث: يتمحور عموما على أنه مخطط تربوي يتضمن عناصر مكونة من أهداف ومحتوى وخبرات تعليميـــة وتدريس وتقويم، مشتقة من أسس فلسفية واجتماعية ونفسية ومعرفية، مرتبط بالمتعلم ومجتمعه، ومطبقة في مواقف تعلميه تعليمية داخل المدرسة وخارجها اشراف منها، بقصد الاسهام في تحقيــق النمو المتكامل لشخصية المتعلم بجوانبها العقلية والوجدانية والجسمية، وتقويم مدى تحقق ذلك كلـــه لدى المتعلم.
من خلال هذين التعريفين يتضح لنا الفرق بين معنى المنهاجين، فالمفهوم الأول يتمحور حول المعلم مصدر المعرفة التي تعطى للمتعلم، أما الثاني فتظهر فيه تغير النظرة إلى المنهج، حيث تصبح المدرسة بمرافقها تؤدي دورها الأكبر خدمة للمجتمع في بناء نمو شامل للمتعلم معرفيا ومهاريا ووجدانيا، وليس الجانب العلمي أو المعرفي فقط.
ولكي لا نخرج عن اللسانيات التطبيقية في معالجة مسألة تقليدية وحداثة المنهاج، فإننا سنحاول تناول الموضوع من خلال طريقتين تعليمتين، تمثل الأولى مثالا تعليميا للمنهاج التقليدي ضمناها التدريس بالمضامين والتدريس بالأهداف وتمثل الثانية مثالا تعليميا للمنهج البنيوي في تعليم اللغات، ضمناها المقاربة بالكفايات.
1- المنهج التقليدي:
ويشمل طريقتين بيداغوجيتين، التدريس بالمضامين والتدريس بالأهداف
أ- التدريس بالمضامين:
تقوم هذه الطريقة على أساس المحتويات، فالنمط البيداغوجي بها تقليدي حيث أنّ المدرس يشرح الدرس، ينظم المسار، وينجز مذكرات،” فالمعلم هو مالك المعرفة” ويكون التلميذ متلقيا، يستمع ويحفظ، يتدرب، يعيد ما حفظه، أي أن وظيفة التلميذ تقتصر على القيام بوظيفتين
– الأولى: اكتساب المعرفة كمقررات جاهزة كمّا ونوعا.
– الثانية: استحضار المعرفة في حالة المساءلة.
– مزاياها:
-احترام منطق المادة
اكتشاف المعارف.
– عيوبها: و هي كثيرة نذكر منها:
– التركيز على المادة
-الاهتمام أساسا بإيصال المعلومات( المعارف).
– النقص الكبير في الاهتمام بمنطق التعلّم.
– الصعوبات في اختيار وسائل التقويم.
ولكن نحن ” لا نعيب الطريقة لأن الحاجة كانت ملحة في مرحلة خرجت فيها الجزائر من ظلم المستعمر، إلا أنه كان لابد من إعادة النظر في المنظومة التربوية وفي التعليم من حيث التطبيق والوسائل التقويمية بحيث تكون الأولوية لتشجيع الملكات المبدعة، ولكن هذا لا يعني أن التدريس بالمضامين قد أهمل تنمية القدرات والمهارات بل اعتمد المعرفة من أجل الوصول إلى تنميتها”.
وهذا ما أدى إلى الانتقال إلى طريقة أحسن وهي:
ب-بيداغوجيا الأهداف
1- مفاهيمية الأهداف من حيث البيداغوجيا:
يطلق مصطلح الهدف تربويا ويراد به:” تصور فكرى مسبق عن الحالات أو النتائج النسبية لتطـــور ما يتم اختيارها وتحديدها من الواقع الموضوعي ويتم تحقيقها بواسطة النشاط الفاعل للإنسان “
أي تلك الغايات الدقيقة المتوقع أن تطرأ على البنية المكونة لشخصية المتعلمين أثناء وبعد احتكاكهم بمكتسبات تعليمية وتفاعلهم معها عبر مواقف تعليمية محدد ة كدليل على حدوث التغيرات المبرمجة سلفا ولكن باعتبارها نتائج يرجى تحققها من العملية التعليمية.
“ وتأتي عملية وضوح الأهداف التربوية ودقتها في المقام الأول بالنسبة للعاملين في تخطيط المناهج وتطويرها وتنفيذها. فهذه الأهداف الواضحة تمثل الأساس السليم لكل نشاط تعليمي هادف، والمصدر الدقيق لتوجيه العمل التعليمي التربوي نحو ما نسعى إلى تحقيقه من نتائج للتعليم المرغوب فيه. كما نختار على أساس هذه الأهداف محتوى المنهج المدرسي الفاعل، الذي يتمثل في مجموعة الحقائق والمفاهيم والنظريات التي تسهم في تحقيق الأهداف التربوية الموضوعة “، حيث تحدث هذه التغيرات في جزء من جوانب النمو في المتعلم أو في كلها عقليا، وجسميا، وأخلاقيا، واجتماعيا.
2- مستويات الأهداف: (حسب تصنيف بيرزيا سيزار(*)
أ- الغايات: أول الأهداف من حيث المستوى العام، تتناول فلسفة المجتمع وطموحاته وهي عبارة عن أفكار ومبادئ عامة، تحددها مقاصد ينتظر تحقيقها في الآجال البعيدة، والذي يحدد هذه المبادئ الدولة بأجهزتها المختلفة عبر الاستراتيجيات الموضوعة باعتبارها من ضمن سياستها اللغوية. وتثبت في الدستور
وتتسم هذه الغايات بالمثالية والتجريد أي أنها لا تتحقق في الممارسات البيداغوجية على مستوى المناهج والتطبيق وإنما تظهر في أخر المطاف في الحياة العامة للمواطن كإنسان تبرز من خلاله تلك الميزات التي يتفرد بها عن غيره في مجتمعات أخرى مختلفة عنه، وهي الصورة المثالية للمواطن المرغوب في تكوينه مثل:
– المحافظة على الثوابت الوطنية والقيم الحضارية للأمة.
– المحافظة على اللغة الوطنية وصيانتها من الضياع والعمل على تطويرها.
– أما فيما يتعلق بتعليمية اللغة العربية فتتمثل في محاولة جعل ذلك المتعلم يحترم هذه الثوابت والقيم ومنها اللغة التي تميزه عن غيره
2- المرامـي: مستوى آخر من الأهداف أقل عموما وغموضا من الغايات وهي ترتبط مباشرة بالنظام التربوي مناهجه وبرامجه حيث تتولى وزارة التربية صياغتها في شكل توجيهات تحدد مخططات الفعل التربوي وملامح النواتج التعليمية، فتظهر في أهداف البرامج واضحة كتوجيهات تحدد ملمح المراحل التعليمية، وتثبت في القانون التوجيهي الذي تصدره وزارة التربية
مثل:
– اكتساب المتعلم المعارف الأولية الضرورية لمواصلة نشاطاته التعليمية في المراحل التعليمية الموالية.
– تمكينه من الاستفادة من الخبرات المختلفة التي اكتسبها من التجارب لسابقة.
3- الأهداف العامة: هذا النوع من الأهداف ينحصر أكثر ضمن رؤية واضحة خالية من العموم والهلامية فتظهر على مستوى الإنجاز فتصف جزءا من برنامج أو منهاج، تحدد قدرات ومهارات، حيث تبرز في سلوكيات المتعلمين في أوقات محددة . وعادة ما نجد الوثائق التربوية من أدلة المعلمين والكتب المدرسية مصدرة بهذه الأهداف التي تؤدي إلى:
– تمكين التلميذ من اكتساب وسائل التعليم والتواصل.
–دفع متعلم للغة العربية من غير الناطقين بها إلى أن يجعل تعلمه ذاك سبيلا إلى تنمية المهارات تواصلية بواسطة علاقته بأهل اللغة التي يتعلمها معهم ومع غيره.
4- الأهداف الخاصة: المعلم هو الذي يقوم بصياغتها عندما يريد تقديم حصة تعليمية أو نشاط معين مستخلصا ذلك من الأهداف العامة فهذا النوع من الأهداف يتميز بنوع من الدقة والوضوح في الصياغة ولا يقبل أي غموض أو عموم وتتميز أيضا بإنجازها في أوقات محددة (حصة أو حصتين أو أكثر)، يحدد فيها مقدار المعارف والمهارات التي يريد أن يتحكم في أدائها المتعلم مثل: موضوع نحوي أو صرفي أو تعبيري محدّد أو غير ذلك (الفعل، الفاعل، المبتدأ، التشبيه، المجاز…إلخ).
فالهدف الخاص إذن: أن يكون المتعلم في نهاية الحصة قادرا على أن يعرف “أن المفعول به اسم منصوب وقع عليه فعل الفاعل” هذه الصياغة الدقيقة والمحددة لمقدار الكم المعرفي الذي ينبغي على المتعلم التحكم فيه في نهاية حصة ما.
5- الأهداف الإجرائية (السلوكية): وهي في الاصطلاح التربوي تعني: ” التخطيط والتنظيم للعملية التعليمية وبمعنى أخر يقصد بها نقل حالة مفهوم أو مبدأ عام أو نظرية أو معارف عامة من مستوى النظري إلى المستوى التطبيق الملموس أي وصف الناتج أو الحاصل التعليمي”
ويكون ذلك في شكل نية بيداغوجية تصف بدقة ما ينبغي أن يكون المتعلم قادرا على فعله أثناء الفعل التعلّمي، تبرهن على أنه بلغ ذلك الهدف. إن الهدف من الإجرائية إذن هو وصف للسلوكيات الأدائية التي ينتظر وقوعها لدى المتعلم نتيجة تفاعله مع الوضعيات المختلفة عن طريق ما تكوّن لديه من خبرات تربوية يستثمرها خلال سيرورة تعليمية. ولكي تتم هذه الأجرأة لابد من توفر شرطين أساسين هما:
– القدرة: يقصد بها تلك الصفة الكامنة في نفس المتعلم (مكوّن أساسي في الصياغة الإجرائية) والتي لا يمكن ملاحظتها إلا أنها تترجم إلى أفعال سلوكية يمكن ملاحظتها وقياسها وبعبارة أخرى القدرة التي تترجم بفعل سلوكي (إنجازي) في شكل أعمال وإنجازات ومهارات يقوم بها المتعلم أثناء سير الدرس. مثال: أن يكون المتعلم قادرا على أن يكتب الوحدة الصوتية(ب)، وأن يميزه عن الوحدة الصوتية(p)
– الفعل السلوكي(الإنجاز): هو الفعل الذي يقوم به المتعلم أثناء الفعل التعليمي سواء أكان عمليا أو لفظيا أو حركيا داخل قاعة الدراسة أو (الساحة، الملعب، الطبيعة…. إلخ)، يتميز بالوضوح والدقة حيث لا يقبل التأويل مثل قولنا: ” يحوّل، يعطي أمثلة، يشرح لماذا، يعبر، يقرأ، يكتب، يرسم إلخ” وأن يكون قابلا للملاحظة والقياس(التقييم) ويشترط أن يصاغ بفعل المضارع لأن ذلك يدل على زمن وقوع الفعل (الحدث) المستمر الدال على الاستمرارية والتواصل ويحقق شرط الملاحظة أي ملاحظة المتعلم وهو ينجز عمله (ملاحظة سلوك المتعلم).
والفرق بين القدرة والفعل السلوكي هو أن القدرة تتصف بالثبات والدوام أي أنها لا تتلاشى ولا تزول وهي تقبل النقل والتعميم على وضعيات وفي سياقات مختلفة. أما الفعل السلوكي فيرتبط بموقف معين أي وقت الإنجاز وهو إلى جانب ذلك يتعلق بمادة معينة لذلك قد يتلاشى مفعوله بمجرد أن تختلف الوضعيات وتتبدل السياقات والأحوال وهو الأمر الذي يجعله غير ثابت. ولما كان التلازم ضروريا بين القدرة والفعل السلوكي وجب أن يجمع بينهما في أجرأة الأهداف.
4- الخلفية المعرفية لبيداغوجيا الأهداف:
يبدو لنا أن علماء التربية واللسانيات التعليمية خاصة قد أجمعوا على أنّ بيداغوجيا الأهداف ترتبط إبيستيمولوجيا (معرفيا) بالنظريات السلوكية التي ترى أن معظم سلوكيات الإنسان متعلمة وهي بمثابة استجابات لمثيرات محددة في البيئة، من خلال علاقته بهذه البيئة يتعلم أنماط الاستجابات المختلفة.
إن هناك ارتباطا وثيقا بين السلوكية وبيداغوجيا الأهداف، يكمن في أن هذه البيداغوجيا قد نشأت في الإطار المعرفي الأنجلوساكسوني عموما والأمريكي خصوصا الذي تأسس على الفلسفة التجريبية والفكر البراغماتي بالأخص.
إن معظم مؤسسي هذه البيداغوجيا من أمريكا من أمثال: رالف تايلر، بنيامين بلوم مثل ثورندايك، وكلارك هل وسكينر غيرهم. والذين يرون في العموم أنّ التعلم يحدث عند المتعلمين نتيجة سلسلة من المثيرات والاستجابات، وليس نتيجة سيرورة ذهنية تنظمها العمليات العقلية، حيث تبيّن لهم أن العقل لا دور له في العملية التعلمية وبخاصة في الاكتساب اللغوي التي تعتبر في منظورهم شكل من أشكال السلوك الإنساني.
ولذا فإنهم لا يعترفون بوجود أي اختلاف بين مسار تعلمها ومسار تعلم أية مهارات أخرى، “إن اللغة لا تعتبر إلا مجموعة من العادات الصوتية، تكيّفها مثيرات البيئة، فلا تتعدى كونها بالتالي شكلا من أشكال الاستجابة للمثير، فمتكلم اللغة يسمع جملة ما، أو يشعر بشعور معين، فتحصل لديه استجابة كلامية دون أن ترتبط هذه الاستجابة بأي شكل من أشكال التفكير”
هذه اللمحة السريعة للمقاربة بالأهداف تفرض علينا القاء نظرة مختصرة عل المقاربة بالكفايات لنعرج بعدها إلى المقاربة التواصلية في تعليمية اللغة العربية للناطقين بغير اللغة العربية.
ب- المنهج البنيوي في تعليم اللغة
والذي سنحاول تناوله من خلال نمذوج المقاربة بالكفايات من بالإجابة هذا السؤال: هل نموذج التدريس بالكفايات بديل موثوق للتدريس بالأهداف السلوكية، هل يعادلها أو يتممها ثم ينميها؟
ليس من نافلة القول التأكيد على أن حركية المجتمع ومرونته في تفاعله الوجودي محليا وعالميا، تلزمه التموقع بين أحد خيارين: يوجد أو لا يوجد، وبالتالي تلزمه ان يعيد النظر والالتفات إلى المؤسسات التي وضعها لتأمين هذه الكينونة ومراجعة الأدوار الموكولة إليها.
والمدرسة تقع في قلب هذه المؤسسات، وفعل التدريس أحد تجليات هذه الأدوار، والتغيرات التي يشهدها المجتمع الجزائري، والرهانات التي رسمها تلزمه وضع مقاربات جديدة لفعل التدريس تتجاوز ما كان معمولا به من قبل، والذي لم يعد مسايرا للطموحات والاكراهات (contraintes).
فالتنافسية وتأهيل العنصر البشري تلزم مجتمعنا التخلي مبدئيا عن التنميط والترويض الذي تدافع عنه المدرسة السلوكية ببيداغوجيا الأنساق المغلقة حيث تحدد النتائج سلفا ويقاد المتعلّم إلى تحقيقها وفق أنظمة المثير- الاستجابة في حركية آلية لا يعد فيها التلميذ إلا منفعلا وليس فاعلا, كما أن التنافسية- أيضا- وتأهيل العنصر البشري، تلزم هذا المجتمع تبني استراتيجيات شعارها التنمية المستدامة وحركية السوق وتدبير الموارد والجودة، وتصحيح المقاربات البيداغوجية السائدة بمقاربات تدافع عن الابتكار والإبداع والعمل الأصيل، وذلك بجعل المتعلم في قلب العملية التعلمية التعليمية, ولم يكن هذا إلا بتبني المقاربة “بالكفاءات” في المناهج التعليمية.
لقد عرفت المقاربة بالكفايات، كمدخل للمناهج والبرامج، تطورا من حيث المفهوم ومن حيث الأجرأة عبر الممارسات التربوية المختلفة. وخلال كل مرحلة من مراحل هذا التطور، تم تدقيق مفهوم الكفاية بهدف صياغتها صياغة وظيفية تساعد على بناء أسس نظرية للمنهاج الحديث من جهة، وتجاوز النماذج البيداغوجية التي برزت حدودها (المنهاج التقليدي) من جهة أخرى.
لذلك وفي هذا الإطار حاولت جعل الاهتمام بتدقيق جانب خاص بالكفايات؛ معرفي لعله يدعم الفاعلين التربويين-الأساتذة -في تنمية كفاياتهم المعرفية لتوظيفها في مقاربتهم المهنية الأساسية.
1- مفهوم المقاربة بالكفاءات.
سأتناول المقاربة بالكفاءات من حيث التحديد العلمي لهذا المصطلح وأعني التعريف عند علماء اللسان العربي والأعجمي ثمّ في الاصطلاح وأقصد علماء النفس التربوي.
أ) المقاربة:
لغة: من قَرُبَ قُرْبا وقُربانا وقِربانا: دنا، فهو قريب.
اصطلاحا: “الانطلاق في مشروع ما، أو حل مشكلة أو بلوغ غاية معينة، وفي التعليم تعني القاعدة النظرية التي تتكون من مجموعة من المبادئ التي يقوم عليها إعداد برنامج دراسي وكذا اختيار استراتيجيات التعليم والتقويم “.
ب) الكفاءة
في لغة: كافأه على الشيء مكافأة، وكفاءة: جازاه، والكفيء: النظير، وكذلك الكفء، والكُفؤ على وزن فُعل وفعول. والمصدر: الكفاءة بالفتح والمد: وتقول: لا كِفاءة له بالكسر: وهو في الأصل مصدر للفعل كفأ، أي: لا نظير له، ويقال: كافأه يكافئه مكافئه: أي مساوية
– فالكفاءة: مصدر للفعل كفأ: جازى.
– وفي المعجم الوسيط، (الكفء): المماثل، والقوي القادر على تصريف العمل. جمع أكْفاء وكِفاء … (الكفاءة): المماثلة في القوة والشرف… والكفاءة للعمل: القدرة عليه وحسن تصريفه. (الكُفُؤُ): الكفء، (الكفئ): الكُفُؤُ.
– أمّا في المعجم اللاتيني ثم الفرنسي: Compétence :nF ( latin compétencia , Just rapport ) أي العلاقة الصحيحة.dict./ franc. : aptitude d’une personne à décider.
– اصطلاحا:
– في حقل التعليمية: يبدو أن مفهوم الكفاية مفهوم جديد على اللغة العلمية، سواء في علم النفس أو في مجال التشغيل والتسيير وتدبير المقاولات والموارد البشرية أو علوم التربية. ففي هذا المجال الأخير يلاحظ أن المعطيات اللسانية والسيكولوجية والاقتصادية حاضرة بشكل أو بآخر في كل مقاربة بيداغوجية للكفاية لأن التعليم أصبح مسالة سياسية نتيجة تزايد أعداد العاطلين عن العمل الشيء الذي جعل الاهتمام ينصب على المعرفة والتكوينات التي من شأنها أن تؤهل للشغل.
ومنذ ذلك الحين تحول التعليم من المعارف والتخصصات إلى الكفايات القابلة للتحويل والتطبيق والمراقبة في وضعيات ومهام مختلفة وبالتالي فهناك تعريفات عدة متعلقة بمفهوم الكفاية.
فالكفاية إذن: “حسب القاموس التربوي لفولكي فإن: كلمة compétence مشتقة من اللاتينية compétens ومن الفعل compéter بمعنى الذهاب (aller) petèr ومع (avec cum) بمعنى الملائمة والمرافقة ” إن الكفاية هي القدرة capacité , سواء القانونية أو المهنية المكتسبة لإنجاز بعض المهام والوظائف والقيام ببعض الأعمال” .
إن الكفاية في التعريف التشومسكي: ” تحدّد بأنها المعرفة الضمنية بقواعد اللغة، التي هي قائمة في ذهن كل من يتكلم اللغة” والمعرفة الضمنية أي الفطرية innée التي يمتلكها جميع الأفراد عن لغتهم، إن النظام المستبطن (المتمثل) للقواعد المتحكمة في هذه اللغة يجعل الفرد قادرا على فهمها و “على إنتاج عدد لا نهائي من الجمل، لم يسبق له أن سمعها من قبل وتفهّمها” وهذا المعنى قد سبق تحليله.
أمّا فليب بيرنو (F. Perrenoud): فيقترح التخلص من دلالة المفهوم اللساني للكفاية من أجل إعادة بنائه في التربية فيقول: “الكفاية هي القدرة على التصرف بفاعلية في نمط معين من الوضعيات”، فهي عنده قدرة تستند إلى المعارف، لكنها لا تختزل فيها، أي لمواجهة وضعية ما يجب استخدام موارد معرفية متكاملة ومتعددة، ومنها المعارف.
وعند كزافي روجيرس (Xavier Rojers) “الكفاية هي إمكانية الفرد وقدرته على تعبئة مجموعة مندمجة من الموارد (معارف ومهارات ومواقف) بكيفية مستبطنة، بهدف حل عشيرة من الوضعيات – المسائل”.
ومن كل هذه التعريفات جدير بالذكر إذن القول بأن مفهوم الكفاية لا يأخذ مفهوما واحدا بل إنه وكما وصفه لبوترف (LEBOTERF) مفهوم حربائي مما يدل على تنوع وتعدد دلالاته.
أي تعني القدرة(*) على تحقيق الأهداف والوصول إلى النتائج المرغوب فيها بأقل التكاليف من جهد ووقت ومال حيث تقيس الجانب الكمي والكيفي معا في مجال التعليم (هناك وسط يطبق فيه التكوين).
في حين تعني الكفاءة الجانب الكمي فقط (التكوين) باعتبارها الحصول على اكبر قدر ممكن من العائد بأقل كلفة وجهد ممكنين.
4- الخلفية النظرية للمقاربة بالكفايات:
إن التصور البيداغوجي للكفاية جاء بعد مقاربات كثيرة في مجالات وتخصصات معرفية غير التربية والتعليم والتكوين؛ وذلك ما جعل تصورات تربوية كثيرة تتأثر بمفاهيم وتصورات تنتمي لتلك التخصصات.
ففليب جونير مثلا يرى أن تصورات علوم التربية للكفاية تتوزع إلى مدرستين نظريتين إحداهما أنجلوساكسونية والأخرى فرانكفونية تمثلان المرجعية العامة للمقاربة بالكفايات رغم كل التفريعات في التعاريف العديدة لهذه المقاربة.
أ- المدرسة الأنجلو سكسونية:
يعود إدخال مفهوم الكفاية في البرامج الدراسية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى سنوات الستينيات من القرن العشرين. بحيث انحصر مفهوم الكفاية في التصور السلوكي: في السلوكات les comportements، السلوكات القابلة للملاحظة. ويتحدد الإنجاز ب:
– إظهار الفرد للسلوكات المنتظرة من تحكمه في هذه الكفاية أو تلك الموصوفة في البرنامج الدراسي.
– الخلط بين الهدف والكفاية.
– تضخم الأهداف- الكفايات التي بلغت في بعض الأحيان إلى ألف كفاية
– إمكانية المقارنة بين التصور التايلوري للشغل والمنظور الأمريكي للكفاية في البرامج الدراسية: لوائح الكفايات، التجزيئي، وفي مرحلة لاحقة تم استدماج تصورات جديدة وأسس معرفية مثل علم النفس المعرفي ولم تعد الكفاية سلوكية محضة. فقد أخذت مفاهيم الاتجاه الذهنيle cognitivisme (مهارات، معارف، قدرات….) تحل تدريجيا محل العادات السلوكية، كما أخذت هذه المقاربة ” الذهنية ” تتحدد شيئا فشيئا في سياق الوضعيات وتشمل هذه المدرسة أسماء كثيرة منهم: هاملتون،هيلبر”سلوكية «أندرسون،”ذهنية” فلتمان”سياق الوضعيات”
ب- المدرسة الفرنكوفونية:
يشمل هذا التيار أسماء كثيرة مثل دهينوت وميريو وجيلي وجونير ولوراريس (1991) وبلتي ورينال (1990) وريونيي وبيرنو (1997) وبولاسيو وبوسمان ورويجرس (2000) إلخ… (سويسرا، بلجيكا، كندا). وما يجمع بين هؤلاء الباحثين، في نظر فليب جونير، ما يلي:
– نقد المقاربات السابقة مثل المقاربة اللسانية والسيكولوجية ومقاربة علوم الشغل.
– محاولة الابتعاد عن التصور السلوكي الصرف السائد في الولايات المتحدة الأمريكية.
– محاولة اقتراح مقاربة تنتمي للعلوم التربية.
– تطور مقارباتهم في منآي عن التصور الأمريكي- الأنجلوساكسوني.
– الدخول الفعلي لمصطلح الوضعيات”situations” وهو الهرم الثاني للكفايات.
ويلاحظ في آراء رواد هذه المدرسة في مجال المقاربة بالكفايات أنهم طبعوها بصبغة ديداكتيكية حقيقية، أي أنهم أعطوا الكفايات ميزة تعليمية وابتعدوا بها عن مسار اللسانيات والشغل والسيكولوجيا [الإنجاز], (أنظر الجدول 01)، التي امتازت بها المدرسة السابقة، فقد يسيء مدرس بارع في التنشيط، استخدام وضعية تعليمية / تعلمية، رغم وضوح الكفاية على مستوى الذهن، أي جلاء الفكرة المراد توصيلها إلى التلاميذ.
إن هذا الفصل بين الكفاية والإنجاز يخلص مفهوم الكفاية من المنظور الأدائي” la perspective instrumentaliste” الذي كان يرى في الإنجاز تلك الصفات أو الخصائص القابلة للملاحظة من الكفاية.
وهذا التباعد مهم لأنه يتجنب من البداية كل مشابهة اختزالية مفرطة بين الكفايات والأهداف البيداغوجية (لان هناك خلطا شائعا يجعل الكفايات هي الأهداف ولكن بصورة أخرى ” الجيل الثاني من الأهداف”).
إن هذا المنحى يبرز الفرق بين المعارف المنطلقة من منظور بيهافيوري (النزعة السلوكية) والتي تقدم جوابا غير كاف على الأسئلة المتعلقة بنمو المعارف وبنائها.
فهناك مقاربة إبستيمولوجية جديدة مغايرة للسلوكية يمكن لها – حسب أصحاب هذا التيار- يمكن لها أن تؤسس لمعارف جديدة، إنها السوسيوبنائية؛ هذا “البراديغم”(*) (النمذوج) الإيبيستيمولوجي (المعرفي) الجديد الذي يبنى عليه أهل الكفايات الجديدة معارفهم في ميدان التربية.
ج- المقاربة السوسيوبنائية للكفاية (نظرية بياجي Jean Piaget (1896-1980):
ولكنّ المدرستين تعودان إلى إطار نظري واحد إنه السوسيوبنائية. ليست السوسيوبنائية منهجا ولا اتجاها بيداغوجيا بل هي براديغم إبستمولجي للمعرفة. البراديغم الإبستمولوجي للمعرفة هو إطار مرجعي عام، يقيم تمفصلا بين المفاهيم والمقولات الموجهة والقائدة للفكر والعمل بالنسبة لأولئك الذين يهتمون بالمسائل المتعلقة ببناء المعارف واكتسابها وتغييرها ووصفها أوتنميتها. ” فالبنائية تعطي الأسبقية المطلقة للذات العارفة في بناء المعارف، كما ان المعرفة تبنى ولا تعطى جاهزة من العالم الخارجي، أو هي مجرد نسخة عنه.”.
بخلاف الفرضية الأونطولوجية: المعرفة هي معرفة للواقع، مع المصادرة على ان هذا الواقع مستقل عن (الذات العارفة) والملاحظين الذين يصفونه.
إنه واقع أونطولوجي؛ وفي هذا الإطار تندرج النزعة الوضعية، التي ترى بان المعارف هي موضوعية ومستقلة عن الذات العارفة، وبان القوانين والمفاهيم العلمية لها وجود قائم بذاته خارج عن الذات، ومن ثمّ لا يمكن للذات أن تبنيه لأنه يوجد[موجود] قبلها. أقصى ما في وسعها أن تفعله حياله هو أن تتلقاه. فالمعارف العلمية تنقل، والمعارف المتلقاة (او المستوعبة) وفقا لهذا المنظور، هي نسخ مطابقة للواقع. ولا يبقى لنا إذن سوى أن نراكم هذه المعارف. (المقاربة بالأهداف).
إنّ فليب جونير يتساءل كيف يمكن تناول مفهوم الكفاية من منظور سوسيوينائي؟ فيجيب قائلا بأن المقاربة بالكفايات يمكن لها أن تبقى متماسكة إذا أدرجت في إطارالبراديغم السوسيوبنائي. ويضيف إن المعارف تبنى من قبل من يتعلمها، ثم يحتفظ بها طالما أنها قابلة للاستبقاء بالنسبة إليه. وإذا ما تم ربط هذه المعارف المستبقاة بموارد أخرى فإنها تتيح لمنتجها أن يظهر كفاية معينة في سلسلة من الوضعيات.
وهذه الوضعيات لا ينبغي أن تكون، حينئذ، ذات دلالة بالنسبة للتلميذ وحسب، بل يجب أن تكون، كذلك، مناسبة وملائمة للممارسات الاجتماعية القائمة؛ ذلك لأن هذه الأخيرة هي التي تضع، فعلا، معارف المتعلم موضع تساؤل.
5- نقد التعليم بالكفايات:
رغم الإيجابيات التي يسوّق لها أنصار المقاربة بالكفايات إلا أن هناك العديد من الإشكالات التي يجب على أنصار المقاربة الجديدة الإجابة عنها ومن أهمّها: