الحربي: اللجوء المفاجئ للتعلم عن بُعد أربك العملية التعليمية
الحربي: اللجوء المفاجئ للتعلم عن بُعد أربك العملية التعليمية
أكد وزير التربية ووزير التعليم العالي د ..سعود الحربي انه على الرغم من المعاناة التي يواجهها التعليم، تحت وطأة جائحة كورونا، إلا أن هذه التجربة توفر فرصة ثمينة للكشف عن نواقص نظام التعليم وعيوبه، وتسليط الضوء على إمكانات القوة الكامنة فيه، والتي يمكن تفعيلها واستثمارها لمعالجة المشكلات المزمنة والتوصل إلى مداخل جديدة تساعد على صياغة نظام تعليم مبتكر، يرقى إلى مستوى مطالب الحاضر وتحديات المستقبل ويقوم بالدور المتوقع منه في دفع مسيرة التنمية الشاملة واستدامتها، وفق الغايات التي تهدف الرؤى الوطنية إلى تحقيقها.
جاء ذلك خلال رعايته ومشاركته في المؤتمر التربوي الدولي الثاني الذي يعقده المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج في الكويت ويحمل عنوان «التعليم عن بُعد استجابة لجائحة كورونا».
وقال د.الحربي: ان مكانة التعليم في الدول الأعضاء بمكتب التربية العربي لدول الخليج، كما تدل على ذلك الرؤى الوطنية بعيدة المدى التي تبنتها، لتضع خارطة لمسيرة التنمية، ترسم غاياتها وتحدد وسائلها وأدواتها، مشيرا الى ان الدول الخليجية ادركت مكانة التعليم وضرورته، فأولته جل اهتمامها، وعملت على تطوير مؤسساته والعاملين فيها، وواصلت جهودها للارتقاء به إلى المستويات العالمية المتمثلة بضمان إتاحة فرص الالتحاق بالتعليم أمام جميع الأطفال بكل المراحل، دون استثناء، والعمل من أجل تحقيق جودة التعليم المقدم لجميع المتعلمين، بما يراعي خصائصهم ويلبي احتياجاتهم، ويوفر لهم الفرص العادلة المنصفة، لتحقيق ذواتهم واكتساب الخبرات التي تناسبهم، وتيسر لهم التمتع بحياة كريمة.
قلب الموازين
واضاف: حينما داهمت جائحة «كورونا» العالم قبل عام، واكتسحت البلدان بسرعة خاطفة شلت الحركة وقلبت الموازين، وغيرت ترتيب أولويات العمل، حيث أصبح واجب المحافظة على الصحة له الأولوية، مما استدعى فرض الإجراءات الصحية الاحترازية لتقليل احتمالات انتقال العدوى والحد من أضرار الكارثة.
ومن ضمن تلك الإجراءات الوقائية إغلاق المدارس، واللجوء إلى التعليم عن بُعد، فأحدث هذا التحول المفاجئ إرباكا للعملية التعليمية، مما دعا إلى استنفار خبرات العاملين في أجهزة التعليم وحشد الطاقات في المدارس لاستخدام وسائط التقنية الرقمية ووسائل البث الإعلامي للمحافظة على استمرار تعلم الطلبة، وإكمال مقررات مناهج العام الدراسي، مشيرا الى ان الجهود المخلصة التي بذلت لمواجهة الأزمة ساعدت في تخفيف وطأتها إلى حين.
وعلى الرغم من ذلك، فهناك أمور مهمة تحتاج إلى مزيد من الاهتمام، منها تنمية الخبرات اللازمة في مجال اختيار المحتوي التعليمي، وتصميم وسائل مناسبة لتقديمه عبر قنوات التعلم عن بُعد لتتلاءم مع مختلف مستويات المتعلمين واحتياجاتهم، إلى جانب توفير خدمات الدعم والإرشاد لهم وتقييم تحصيلهم ومتابعة انتظامهم في الدراسة وتخفيف الضغوط النفسية والاجتماعية الواقعة عليهم.
محاور ومساهمات
واختتم د.الحربي كلمته قائلا: ان برنامج هذا المؤتمر غني بمحاوره وموضوعاته، وكلي ثقة بأن مساهمات هذه النخبة المتميزة من الخبراء المتحدثين فيه وما يدور حولها من مناقشات وما يطرح من أفكار وتوصيات، ستكون مصدرا رافدا يثري تجربتنا في التعليم عن بُعد، ويوجهها في مسار التعلم المستمر مدى الحياة، فأرجو لأعمال هذا المؤتمر المهم النجاح والتوفيق، والشكر والتقدير لهذا الجهد الذي يقوده مكتب التربية العربي لدول الخليج بقيادة مديره العام د.علي بن عبدالخالق القرني، والشكر موصول لذراعه البحثية، المركز العربي للبحوث التربوية في الكويت الذي ينظم مثل هذه المؤتمرات المهمة لخدمة التعليم والعاملين فيه بدولنا الخليجية.
من جانبه، قال مدير المركز العربي للبحوث التربوية د.سليمان العسكري: لقد كان توجهنا الأول، في بداية التحضير لهذا المؤتمر، أن يكون موضوعه مرتبطا بتعليم المستقبل، كما ترسمه الرؤى الوطنية للتنمية بالدول الأعضاء والمرتكزات الأساسية التي يقوم عليها والغايات البعيدة التي يستهدفها في ضوء التقدم العلمي والتقني المتواصل، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المبتكرة في اختراع الأجهزة والأدوات والوسائل التي تتميز بالسرعة الفائقة والكفاءة العالية في دقة الأداء وتوفير الجهد والطاقة، مما يتوقع أن يكون له تأثير مباشر على نمط الحياة ومجالات العمل والإنتاج وأنواع المهن والأعمال والصناعات والخدمات، وبالطبع على أنواع المعارف والمهارات والخبرات المطلوب توافرها في المتقدمين للعمل بها، مشيرا الى انه وفي منتصف طريق الإعداد لأعمال المؤتمر، حلت جائحة كورونا (كوفيد ـ 19)، مكتسحة أرجاء العالم بسرعة مذهلة، أجبرت الدول على أن يكون خيارها الأول هو المحافظة على صحة الجميع واتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية الممكنة للحد من تفشي الوباء واستفحاله.
وبسبب الجائحة شلت الحركة، وأجبر الناس على التباعد، وأغلقت المؤسسات والمدارس، وانقطع أكثر من مليار ونصف المليار من الطلبة في العالم عن الذهاب إلى المدارس والجامعات، واستعيض عن الدروس الصفية بالتعليم عن بُعد، وقد تم استنفار أجهزة التعليم ومؤسساته لتوفير كل ما يساعد على وصل ما انقطع من الدروس، بما في ذلك البرامج التعليمية المذاعة عن طريق أجهزة الإعلام، ومن خلال المنصات التعليمية والدروس الإلكترونية المباشرة والمسجلة، وقد ساعدت الجهود الحثيثة والمكثفة التي بذلتها الدول على احتواء الضرر البالغ الذي لحق بالتعليم، وخاصة ما اتخذته من تدابير لتقديم التعلم عن بُعد، لتخفيف المشكلة، وإيجاد بديل مؤقت يسمح للطلبة بمواصلة دراستهم، على أمل انقشاع الأزمة، وعودة المياه إلى مجاريها.
3 مشكلات
وأضاف د.العسكري: ان هناك من المشكلات ما تتجاوز حدود الإمكانات المتاحة، وتستوجب مواصلة العمل الجاد للتغلب عليها، ونذكر منها على سبيل المثال المشكلات الثلاث الآتية:
أولا: ما يتعلق منها بالطلبة
1 ـ غياب الطلبة عن المدرسة وما نتج عنه من انخفاض في مستوى تحصيلهم الدراسي، مما قد يؤدي إلى ضعف مزمن يصعب تداركه في المستقبل.
2 ـ حرمان ذوي الاحتياجات الخاصة من الرعاية التعليمية والخدمات الصحية والاجتماعية الخاصة التي تقدمها لهم المدرسة، وتوفر لهم عن طريقها تعليما يراعي ظروفهم ويلبي احتياجاتهم، وكذلك حرمان الطلبة الذين يعانون من صعوبات خاصة في التعلم من الخدمات المساندة التي تقدم لهم في المدرسة، من قبل اختصاصيين تربويين مؤهلين، لمساعدتهم في التغلب على مشكلاتهم الدراسية.
4 ـ حرمان الطلبة المبتدئين من تعلم المهارات الأساسية في وقت مبكر من حياتهم المدرسية، على أيدي معلمين مؤهلين.
ثانيا: ما يتعلق منها بالمعلمين
1 ـ صعوبة تخطيط مواقف التعليم والتعلم بأسلوب، يفترض فيه أن يكون مغايرا للدروس الصفية المعتادة، ومعتمدا على عرض أساسيات محتوى الدرس، وتحفيز الطلبة على التفكير والتفاعل والتعلم الذاتي.
2 ـ صعوبة إجراء تقييم دقيق لتحصيل الطلبة وأدائهم وسلوكهم عن بُعد.
ثالثا: ما يتعلق بالأسرة
1 ـ معاناة من ليس له إلمام كاف بمحتوى الدروس في تقديم الدعم والمتابعة لأولادهم في مراجعة الدروس وحل النشاطات المدرسية.
2 ـ قلة خبرة كثير من الوالدين في تشغيل الأجهزة الإلكترونية والبرمجيات التي يستخدمها أولادهم في التعلم.
وذكر د.العسكري أنه على الرغم من ثقل وطأة الجائحة، وتأثيرها السلبي البالغ على نظام التعليم، إلا أنها أتاحت فرصة فريدة للوقوف عن قرب على أضعف حلقات النظام التعليمي، وأشدها حاجة للمعالجة، كما أبرزت أهم سمات النظام التعليمي المهيأ للارتقاء إلى مستوى تعليم المستقبل، لافتا الى ان خير ما نخرج به من تجربة «كورونا» أربعة دروس، نوجزها فيما يلي:
1 ـ أن التعلم عن بُعد، وإن جاء بصفته إجراء مؤقتا للتعويض عن الانقطاع عن المدارس، فإنه في حقيقة الأمر يفتح بابا واسعا لمعالجة أوجه الخلل المزمن، الذي يؤخذ على النظام التقليدي، وهو التلقين والحفظ، بدل اكتساب مهارات التعلم الذاتي، الذي يجعل الطالب متعلما طوال الحياة.
2 ـ إن التقنية الرقمية في هذا العصر وما بعده هي أداة التعلم، ومصدر المعرفة والثقافة، ويجب توطينها في المدارس، وإتاحة الفرصة أمام جميع المعلمين لإتقان أساسياتها، واستخدامها في التدريس، وإعداد وسائل التعليم والتعلم، ومراجعة مصادر المعرفة في شبكة المعلومات، واستخدام وسائط التواصل الرقمية لإنجاز العمل، وفي عملية التعليم والتعلم، باعتبارها من أهم أدوات التواصل والتعلم والعمل، والمدخل الرئيس إلى عالم الابتكار والإنتاج والتقدم.
3 ـ إن التعليم النافع هو الذي يرتبط بواقع المجتمع، ويستجيب لاحتياجاته المتجددة، ويراعي متغيرات العصر وتحدياتها، ولذلك فلابد من أن تتميز مناهجه بالمرونة الكافية للمحافظة على حداثته وحيويته وقربه من اهتمامات الطلبة، وحفزه إياهم للاعتماد على أنفسهم في مواصلة التعلم مدى الحياة.
4 ـ ان التربية والتعليم مهمة مشتركة بين المدرسة والأسرة، ومن الضروري تحويل هذه الشراكة إلى ممارسة عملية، تمكن الأسرة من متابعة تعلم أولادها في المنزل، وتسهم في استمراريته ودعمه وتيسيره.
التعليم الرقمي
من جانبه، قال مدير عام مكتب التربية العربي لدول الخليج د.علي القرني: منذ أن طرأت الجائحة، وفي مواجهة الظروف التي أحدثتها بادر مكتب التربية العربي لدول الخليج إلى إطلاق موقع «التعليم عن بُعد» عبر بوابة المكتب الإلكترونية، ووفر دليلا بالبرامج التدريبية والخدمات الإلكترونية، وأصدر عددا من الكتب والنشرات الإلكترونية حول التعليم عن بُعد لمساعدة الأطفال في عملية التعلم، وتوعية الأسرة الخليجية والعربية حول التعامل مع أطفالها في هذه الظروف المستجدة الطارئة، كما أصدر كتيبا تعريفيا حول تبني التعليم الرقمي لتوعية الطلبة والمعلمين وقائدي المدارس بالتعليم عن بُعد، ودليلا آخر حول التعريف بالجائحة وسبل الوقاية منها، كما أتاح الفرصة مجانا للمعلمين والتربويين والطلبة وغيرهم لتصفح 160 كتابا من منتجات برامج المكتب في العلوم التربوية المختلفة عبر بوابة المكتب، مشيرا الى انه وفي الوقت ذاته توجه المكتب نحو وضع أرضية مشتركة للتعامل مع الأزمة وتفعيل دور التربية في العمل المشترك من أجل المواجهة، فعقد الاجتماع الاستثنائي عن بعد للمؤتمر العام لوزراء التربية والتعليم للدول الأعضاء بالمكتب، الذي جاء بعد اجتماع استثنائي للمجلس التنفيذي للمكتب عقد لذات الغرض.
وفي إطار التعاون الدولي دعا المكتب لاجتماع مشترك تم عقده عن بعد مع المنظمة العربية والمنظمة الإسلامية.
واضاف القرني: في تلك الاجتماعات تم تدارس واقع الأزمة وانعكاساتها والسبل المشتركة لمواجهتها، كما تم تبادل الرؤى والتجارب حول العمل التربوي وإدارة العملية التعليمية في ظل الجائحة.