مقالات

التعلم التشاركي في الفصول الافتراضية

يواجه الكثير من الطلبة صعوبة في مواكبة عملية التعلم عن بعد في ضوء إغلاق المدارس بسبب COVID-19، خاصة الطلبة الأكثر هدوءاً حيث يجدون صعوبة في الانضمام للمحادثات الجماعية. وقد أشار أبو مغلي وشعيب (2020) في تقرير مركز الدراسات اللبنانية أن التلاميذ الذكور هم الأقل رغبة في التعليم عن بعد والالتزام به. وبحسب التقرير العالمي لرصد التعليم الذي تصدره اليونسكو، فإن 60% من طلاب العالم قد تأثروا من عمليات إغلاق المدارس والتحول إلى التعلم عن بعد (UNESCO, 2020). يعتبر هذا المؤشر مهماً جداً، لذلك لابد من التركيز على تصميم أنشطة واستراتيجيات التعلم التشاركي التي تدمج معرفة المتعلمين بعضهم مع بعض، ومع معلميهم لتعزيز الديناميكيات الاجتماعية أثناء عملية التعليم عن بعد.
يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على أهمية التعلم التشاركي في خلق ارتباطات إيجابية في الفصول الافتراضية أثناء التعلم عن بعد، كما يتناول أهم الممارسات التي يمكن للمعلم تطبيقها لخلق بيئات تفاعلية داعمة للطلبة.

يمكن تعريف التعليم التشاركي بأنه أسلوب تعليمي مبني على خلق بيئة فعالة تسمح للطالب أن يتعاون مع جميع الطلاب ويتشارك معهم في بناء تعلمهم. كما يزود المتعلمين بفرصة للمناقشة والمجادلة وإبداء الرأي والتفاوض، وذلك بشكل متزامن أو غير متزامن (محمود، 2020). ويشجع التعلم التشاركي الطلبة على البحث والاكتشاف والتجريب، بالإضافة إلى أنه يهتم بعقل المتعلم والعمليات التي تتم داخله وسط إطار اجتماعي تفاعلي ( الموزان، 2015). ويؤكد بندورا حاجة الطالب إلى بيئة تعليمية صحية تشاركية تربطه بمعلمه وزملائه، حيث تركز هذه النظرية على أهمية التفاعل الاجتماعي من خلال السياق والمحيط الاجتماعي في حدوث التعلم (العتوم وآخرون،2017). إن هناك اتفاق بين التربويين على أن التعلم التشاركي في التعليم الإلكتروني يعتمد على التفاعل بين المتعلمين، ويلعب دوراً مهما وأساسياً في نجاح العملية التعليمية، كما يعد من أهم وأكثر الأساليب تمركزاً حول المتعلم (عبد الرحمن، 2019).

يرتكز التعلم التشاركي على التبادل الاجتماعي كأساس لبناء المعرفة من خلال توظيف تكنولوجيا الاتصال عبر الويب وتوفير أدوات التواصل، وكذلك توفير وسطاً فعالاً يساعد في بناء المفهوم الاجتماعي وتطوره، بالإضافة إلى توطيد العلاقة بين أفراد المجموعة الواحدة وبين المجموعات الأخرى. ويقوم التعليم التشاركي الإلكتروني على الأنشطة الجماعية التي تطبق الكثير من النظريات مثل التعلم المقصود، الخبرات الموزعة، والتعلم القائم على المصادر، وكذلك المسؤولية الفردية (لطيف وآخرون، 2018). ولقد أكدت العديد من الدراسات على أهمية أن يركز المعلم على تفعيل التعلم التشاركي؛ فقد دعت الرحيلي (2018) إلى محاولة بناء بيئة تشاركية متعددة الوسائط قائمة على التلعيب، وبينت أثر ذلك في تفاعل الطلاب الاجتماعي، وتأثيره على تحصيلهم الدراسي والفوائد التي تحققها، فهو يقوم على مبدأ المشاركة والاتصال بين الطلاب لتحقيق الأهداف المعرفية.

لقد أظهرت الدراسات نتائج إيجابية في اتجاهات الطلبة نحو أنشطة الكتابة التشاركية باستخدام   Google Doc  (Suwantarathip and Wichadee,2014). وأشارت الدراسات التي هدفت إلى معرفة أثر الويب القائم على الكتابة التشاركية؛ إلى وجود فروق إحصائية في تحصيل الطلبة تعزى لطريقة التدريس Bikowski and Vithanage , 2016) . وعلى الرغم من إمكانية التواصل الاجتماعي بين الطلبة في الفصل الإلكتروني، إلا أن نجاح هذه العملية التشاركية تتطلب مساندة المعلم، ومعرفته بالخصائص الأساسية لنمو الطلاب، ومراحلهم التعليمية (حسين وآخرون، 2016). كما أن بيئة التعلم والاهتمام بدقة وسلامة المحتوى العلمي ساعد على المشاركة والتواصل، وتشجيع النبوغ الاجتماعي لدى الطلبة في بناء المعرفة الجديدة وتطبيقها، وعزز من عملية التعلم الفردية والجماعية، والالتزام بإنجاز المهام والأنشطة المطلوب تنفيذها (عبد الحميد والخوالدة، 2018).

وبالرغم من أن الدراسات السابقة أكدت على فاعلية استخدام التعليم التشاركي الإلكتروني، إلا أن الشحات ( 2019 ) تعتقد أنه لا يلبي حاجات المتعلمين بشكل يناسب أنماط تعلمهم. ورأت العتيبي (2016) ضرورة جعله متمايزاً، حيث أكدت على فاعلية استخدام استراتيجيات التعلم التشاركي الإلكتروني المتمايز عن طريق تحديد أهدافه وتقسيم الأنشطة إلى مهمات فرعية يقوم المعلم بتوزيعها على أفراد المجموعة بحيث تدعم هذه الأنشطة التفكير، والعمل مع الأصدقاء ضمن فريق واحد. يجب أن يحدد المعلم التاريخ النهائي للتسليم، ويوضح قوانين ونظم تنفيذ هذه الأنشطة بشكل معلن وواضح. ويقصد بالتعليم المتمايز ذلك التعليم الذي يراعي الاختلاف في حاجات المتعلمين ومعلوماتهم السابقة واستعدادهم للتعلم، وأنماط تعلمهم، والاستجابة إلى ذلك في عملية التدريس (حسين وآخرون،2016). كما يجب التأكيد على ضرورة تحديد البرامج الإلكترونية المساعدة وتحديد أنماط المتعلمين ومتابعتهم باستمرار عن طريق مراقبة تفاعلهم مع بعضهم البعض (عبدالرحمن، 2019).

ويتم تصميم البيئة التشاركية من خلال تنويع دور المعلم في تقديم الدعائم التعليمية حسب مستوى المهارة التي وصل إليها الطلبة مع مراعاة الفروق الفردية، من خلال تبادل الآراء والأفكار مع الطلاب الأكثر خبرة والأقل خبرة حتى يصبح الطلبة شركاء في العملية التعليمية (الشحات، 2019). إن أسلوب التعلم التشاركي يزود الطلبة بأشكال مختلفة من الدعائم التعليمية التي تساعده على التعلم، وعلى رأسها الدعائم التفاعلية التي يقدمها المعلم عند التغذية الراجعة، ودعائم ما وراء المعرفة وتتمثل في التوجيهات المقدمة عن طرق التفكير في إنجاز المهام، والدعائم الاستراتيجية التي تزودهم بتوجيهات عن أساليب حل المشكلات، والدعائم الميسرة من خلال تعزيز الأفكار (عبد الحميد والخوالدة، 2018).

ولكي يقوم المعلم بتصميم أنشطة التعلم التشاركي، يجب عليه أولاً تحديد احتياجات المتعلمين الفعلية ومتابعتها من خلال اعتماد التقويم القبلي والبعدي باستخدام أدوات التعلم الإلكترونية الحديثة والملائمة، وأن يختار نموذج التصميم التعليمي المناسب لبيئة التعلم التشاركي في ضوء نظريات التعلم والتعليم (الموزان،2015). ويبدأ بتحديد أهداف تصميم وإنتاج المقررات الإلكترونية المناسبة، ثم يحدد قائمة بالمعايير اللازمة للتقييم، بالإضافة إلى إعداد المحتوى التعليمي أو تكييف المنهج بما يتناسب مع بيئة التعلم التشاركية الإلكترونية. كما يختار المعلم الأنشطة والاستراتيجيات المناسبة، ثم يعد أدوات لقياس محتوى الجانب المعرفي قبل وبعد المحتوى المقدم، وأدوات آخرى مناسبة لقياس الجانب المهاري. ويجب على المعلم أن يعد سيناريو مناسبا للبيئة التشاركية التزامنية وغير التزامنية من أجل توفير بيئة فاعلة (عبد الرحمن، 2015).

إن البداية الصحيحة لتوفير بيئة تشاركية متمايزة وصحية تأتي من المعلم وممارساته التدريسية التي يجب أن تأتي في طليعة الأمر، حيث تستحق المراجعة والتدقيق والتطوير، فهي المفتاح الرئيسي لنجاح المعلم وهو الذي سيمكن المؤسسات التعليمية من مواجهة تحديات العصر (الفهيد، 2018). ويمكن للمعلم أن يقوم بإعادة تنظيم المقرر بطريقة توفر للطلاب الخيارات المتعددة للوصول إلى المعلومات، وتكوين الأفكار باستخدام أساليب تدريس متنوعة. كما يمكنه أن يستخدم التدريس وفق الذكاءات المتعددة والتعلم التعاوني، بالإضافة إلى تصميم أنشطة مناسبة لأنماط المتعلمين (السيد، 2016). ويمكن للمعلم أيضاً تخزين المحتوى التعليمي في صورة رقمية تسمح بالتفاعل المتزامن وغيرالمتزامن وتكون متاحة في أي وقت. أضف إلى ذلك، إتاحة أدوات التشارك والعصف الذهني التي تساعد على التفكير ورؤية الموقف من وجهات نظر الآخرين. ويمكن للمعلم أن يضع خططاً دراسية ويشرك المتعلمين بشكل إبداعي في المحادثات الجماعية ومجموعات الدراسة من أجل محاربة مشاعر الوحدة التي يشعرون بها في الفصول الافتراضية (Saavedra,2020).

إن ممارسات المعلمين يجب أن تتوافق مع تغيرات العصر والمتطلبات التربوية المتجددة والتي تمكن الطلاب من العيش في هذا الزمن، فيحقق المعلم مبدأ الاستدامة الذي يعتمد التدريس المتمركز حول الطالب ويمكنهم من المهارات المختلفة. فالمعلم يوجه عملية التعلم، في حين يتفاعل الطلبة في وسط بيئة تشاركية ثرية تشجع على العمل الجماعي وبناء المعرفة. وكما ذكرنا، فإنه يحدث من خلال حرص الطلاب واهتمامهم على المشاركة والتعاون مع زملائهم المتعلمين ومشاركتهم في بناء تعلمهم. إن هذه الممارسات التي يمكن القيام بها من خلال التعلم التشاركي الإلكتروني لها أثر كبير في زرع الثقة في نفوس الطلاب وحثهم على التواصل في ظل وجود الفصول الافتراضية وخلال أزمة Covid-19.

 

#مدونة_المناهج_السعودية✔️

👌ليصلك جديد الأخبار والملفات تابعنا✔️
👇

https://t.me/eduschool40

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock