اسباب الحملات الصليبية الدينية والإجتماعية والسياسية ونتائجها
نأخذكم اليوم في جولة حول اسباب الحملات الصليبية وهو الاسم الذي يطلق على مجموعة الحروب المتسلسلة التي شنها المسيحيون الموجودين في أوروبا على الشرق الأوسط بغرض الأخذ بالثأر من المسلمين لتحقيق الأهداف الاستعمارية والحصول على ثروات وأراضي المسلمين، وقد عزم الصليبيون على شن الحملات الصليبية منذ انتصار القوات الإسلامية على البيزنطيين في معركتي أجنادين واليرموك واستمرار الفتوحات الإسلامية آنذاك دعاهم إلى شن الحرب ضد المسلين بغرض توقيفهم عن التوسع.
بدأ المسيحيون في تلك الحروب منذ أن سنحت لهم الفرصة بذلك حينما انقسم المجتمع الإسلامي إلى نصفين فقد شجعهم ذلك على الهجوم على بلاد المسلمين واستغلال لحظات ضعفهم محاولين الاستيلاء على الأراضي، وقد كان لهذه الحروب عدة دوافع وأسباب، هذه الدوافع سنوضحها لكم من خلال سطورنا التالية.
اسباب الحملات الصليبية
هناك العديد من الأسباب التي دعت المسيحيين إلى شن الحملات الصليبية، فلم تقتصر دوافع الحملات على أسباب دينية فقط بل اشتملت على أسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية، هذا بالإضافة إلى العوامل التي ساعدت على قيام الحروب، وتجدر الإشارة إلى أن الحملات امتدت من أواخر القرن الحادي عشر حتى القرن الثالث عشر الميلادي، وتتمثل الأسباب العامة للحملات الصليبية في:
- الرغبة في السيطرة على بيت المقدس واستعادة الأراضي المقدسة وضمها لسيطرة المسيحيين.
- الرغبة في إعادة نشر الدين المسيحي وطمس تعاليم الدين الإسلامي.
- تقليص التوسعات الإسلامية في جميع البلدان.
- انتشار الكثير من الروايات التي تشير إلى اضطهاد المسلمين للمسيحين خاصة بعد هدم كنيسة القيمة في بدايات القرن لبحادي عشر.
- انتشار الطبقية بين المسيحين ووجود فجوة اجتماعية كبيرة بين جماعاتها، حيث انقسمت الطبقات إلى نبلاء وعمال وأسياد.
- وجود فجوة اجتماعية كبيرة بين المسيحين وانتشار الطبقية بين الأفراد ساعد على تعزيز موقف الحملات الصليبية.
- خوف المسيحين من القوة الإسلامية نظرًا للتوسع والانتشار الكبير الذي شهده الإسلام في هذا الوقت، فقد امتدت حدود الدولة الإسلامية لتشمل فرنسا وشمال إفريقية وشمال إسبانيا.
- استنجاد البيزنطيون بالمسيحيين الموجودين في فرنسا بعدما تغلب المسلمين عليهم في الحرب، ويعتبر هذا السبب هو الشرارة الأولى لانطلاق الحملات الصليبية.
كان هذا اختصار موجز للأسباب العامة التي أدت إلى قيام الحملات الصليبية، ولأن الأسباب التي أدت إلى حدوث تلك الحملات كثيرة ومتنوعة وترجع لعدة تصنيفات سنتناولها معكم تفصيليًا من خلال فقراتنا التالية.
الأسباب الدينية للحملات الصليبية
على الرغم من تعدد أسباب الحملات الصليبية إلا أن الأسباب الدينية هي أهم الأسباب التي دعت إلى حدوث تلك الحملات فالرغبة الأولى للصليبيين تمثلت في القضاء على المسلمين، ومنعهم من التوسعات، والهدف الأساسي للصليبين تمثل في طمس الدين الإسلامي، لهذا السبب طالب الصليبيون بحقهم في بيت المقدس وطالبوا بإرجاعه إلى المسيحيين، وقد كان ذلك ظاهرًا في الحملات الصليبية الأولى فقد كان المحاربون يرتدون الصليب طوال الوقت بشكل ملحوظ.
سادت المنازعات بين الدول الأوروبية في العصور الوسطى وكانت البابوات حينها تتخذ مكانة كبيرة عند الأوروبيين فأصبح البابا هو الحاكم الروحي لجميع المسيحين في مختلف دول العالم، وفي هذه الفترة ظهر نزاع بين الكنيسة الغربية الشرقية والكنيسة الأرتذوكسية، فأرادت كل كنيسة أن تثبت أنها الأفضل وأنها هي التي تنادي بالمعتقدات الصحيحة، فحاولا فرض آرائهم وأفكارهم، فاتجه كلًا منهما للتفكير في المقدسات المسيحية الموجودة في الدول الإسلامية ورغبوا في ضمها إلى تراثهم الغربي محاولين بذلك القضاء على الدين الإسلامي وتقوية موقف الكنيسة الأرثكسية الغربية.
الأسباب السياسية للحملات الصليبية
وصف بعض المؤرخين الحروب التي كانت قائمة على أنها حلقات متصلة من الصراع الطبيعي بين الغرب والشرق، وقالوا أنها تشبه الحروب التي كانت قائمة بين الروم والفرس، والفرس واليونان، فاتجه العديد من المؤرخون إلى وصف الحملات الصليبية على أنها حروب دينية، وأن السبب الرئيسي وراء قيام تلك الحملات هو السبب الديني.
يرى بعض المؤرخين أن السبب الرئيسي وراء الحملات الصليبية يرجع إلى الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتشير الحقائق إلى أن جميع الأسباب أدت إلى قيام الحملات الصليبية وأن جميع الأسباب مرتبطة مع بعضها البعض.
الأسباب الاجتماعية للحملات الصليبية
نظرًا لمعاناة المجتمعات الأوروبية من العيش ضمن مجتمع طبقي شعر الجميع بأن السبيل الوحيد للتخلص من تلك الطبقية هي الحملات الصليبية، فقد كان المجتمع الأوروبي يتكون من طبقة من رجال الدين الذي سعوا جاهدين إلى التخلص من الدين الإسلامي وسيادة تعاليم دينهم.
بينما نظرت طبقة المحاربين والفرسان إلى الحملات الصليبية على أنها الفرصة المثلى للسيطرة على الأراضي والأملاك وكذلك الغنائم، وتطلعوا إلى زيادة رصيدهم المادي من خلال تلك السيطرة.
أما طبقة الفلاحين والعبيد فقد عانت من الظلم وسوء المعاملة من الطبقات الأوروبية، هذا الأمر دعاهم إلى المشاركة في الحملات الصليبية للتخلص من الظلم والاستعباد الطبقي.
الأسباب الاقتصادية للحملات الصليبية
أثناء فترة قيام الحملات الصليبية عانت الكثير من الدول الأوروبية من الأزمات الاقتصادية وتردي الوضع المادي للأفراد، هذا الأمر دعاهم إلى الاشتراك في الحملات الصليبية الموجهة للشرق الأوسط بغرض الاستيلاء على خيراتهم من أموال وغنائم وأراضي.
نتائج الحروب الصليبية
ترتب على حدوث الحملات الصليبية العديد من الآثار سواء في مجال التجارة أو السياسة أو الإقطاع أو التنمية الفكرية، فقد توالت الحملات منذ أواخر القرن الحادي عشر حتى القرن الثالث عشر الميلادي، ولأن النتائج المترتبة على الحروب الصليبية كثيرة ومتنوعة سنناقشها معكم تفصيليًا من خلال فقراتنا التالية.
النتائج المترتبة على الحروب الصليبية في التنمية الفكرية
ساهمت الحملات الصليبية في الانفتاح على الشعوب والبلدان الأخرى، فقد تسببت في خروج أهل الغرب من القلاع والقصور الخاصة بهم لرؤية المدن والقصور العظيمة وللاطلاع على الأدب الشرقي.
أدت تلك الحروب إلى جلب العديد من الفنون والاختراعات والمصنوعات الغير متعارف عليها من آسيا إلى أوروبا، فساهمت تلك المخترعات في تنمية حب الاستكشاف الجغرافي لدى العديد من الرحالة وظهرت فكرت الترحال على يد العالم الشهير ماركو بولو.
النتائج المترتبة على الحروب الصليبية في التجارة
ظهرت أهم آثار الحروب الصليبية في المستوى التجاري، فقد ازداد معدل الطلب على نقل الرجال والامتدادات اللازمة فشجع ذلك على بناء السفن وتوسيع السوق في الأجزاء الشرقية من أوروبا.
تسببت الحروب الصليبية في نقل الكثير من المنتجات من دمشق والإسكندرية والقاهرة والموصل وغيرهم من المدن الكبرى، وتم ذلك من خلال البحر المتوسط مرورًا بالمواني ومنها إلى جميع الأراضي الأوروبية.
النتائج المرتبة على الحروب الصليبية في السياسة
ساهمت تلك الحروب في التخلص من سيادة القوة الأرستقراطية الإقطاعية، فقد ذهب الكثير من النبلاء مع الحملات ولم يعودوا على الرغم من أنهم من الأسباب الرئيسية لقيام تلك الحملات، وأضاع الكثير منهم ثرواتهم في تغطية متطلبات الحروب.
أثناء قيام الحملات الصليبية اكتسبت الكثير من المدن العديد من المزايا السياسية على حساب البارونات والأمراء الصليبية.
من أهم الآثار السياسية المترتبة على قيام الحملات الصليبية تأجيل سقوط القسطنطينية لمجة ثلاثة قرون، وتم ذلك حينما تم التأكد من تقدم الأتراك، فمنح هذا الإجراء للحضارة الإسلامية المبكرة الوقت الكافي لاكتساب القوة لدحر جيوش المسلمين أثناء تقدمها في أوروبا في القرن الخامس عشر.
النتائج المترتبة على الحروب الصليبية في الإقطاع
ساهمت الحروب الصليبية في التخلص من الإقطاعية نظرًا لاضطرارا عدد كبير جدًا من الفرسان والبارون إلى رهن الأراضي الخاصة بهم لجمع الأموال ليتمكنوا من تمويل الحملات.