أفكار حول تحضير الدروس 1
أفكار حول تحضير الدروس
كثير من المعلمين يجدون صعوبة كبيرة في الارتياح للمطلوب الرئيس من المعلم وهو تحضير الدروس . وأعتقد أن سبب النفور هو التعقيد الموجود في أي صيغة من صيغ التحضير التي تم اقتراحها بواسطة التربويين منذ القدم وحتى هذه اللحظة. فعدد كبير من المعلمين يعتبر أن تحضير الدروس يجبرهم على ذكر الكثير من الثوابت والمعلوم من التدريس بالضرورة، وهو ما يؤدي الى الشعور بالملل وعدم الجدوى. وتضم تلك الثوابت عناوين مثل الأهداف العامة والأهداف الخاصة والوسائل والتمهيد، والخطوات، والواجب، والتقويم.. الخ. وغالبا ما يحدث تكرار للكلام تحت تلك العناوين لأن المتفق عليه هو الالتزام بالمعلوم من التدريس بالضرورة.
بناء على كل ما تقدم، انتهى الأمر بأن ترك البعض للتحضير بحجة عدم الجدوى، وحافظ البعض الآخر على تحضير الدروس وعلى دفتره الزاهي الجميل، ولكن فقط كوثيقة مبرئة للذمة أمام الموجه أو المدير أو المسؤولين الآخرين في الوزارة. وأصبح الواقع يقول أن المعلمين يزاولون من غير تحضير أو إعداد مسبق. ولأننا من المؤمنين بأهمية التخطيط وبأن تحضير الدروس هو نوع من التخطيط فقد كان لابد من التفكير في مجال تطوير صيغ التحضير، وأعتقد ان السطور التالية تحمل مساهمتنا في هذا المجال.
تقوم مساهمتنا في هذا الخصوص على أساس أن التدريس يقوم على جناحين:
- جناح المعلوم من التدريس بالضرورة،
- جناح الأسس الجديدة للتدريس.
نعتقد أن المعلمين قد تشبعوا بما أسميناه المعلوم من التدريس بالضرورة، حتى أصيب البعض منهم بالجمود والبعض الآخر بالتحجر. وإذا ظهرت صيغة جديدة للتحضير فيجب أن تركز على الأسس الجديدة للتدريس لأنها هي التي ستنتشل المعلمين من ذلك الجو العبوس القمطرير. وعليه فإن صيغة التحضير المقترحة أدناه هي مساهمة من اجل هذا المسعى.. ولكن، ما هي الأسس الجديدة للتدريس التي تضمها الصيغة المقترحة للتدريس؟
تركز الصيغة الجديدة على تحقيق المبادئ الجديدة التالية في التدريس:
1- الطالب هو محور عمليات التعليم والتعلم، والمعلم ميسر عبر التنظيم ومحفز عبر التغذية الراجعة.
2- مبادئ التعليم الدامج من أجل التعليم والتعلم الفعالين الذي لا يقصي أحدا لأي سبب من الأسباب.
3- مهارات التعلم العميق هي التي ترفع من قيمة مخرجات النظام التعليمي المفضية للنهضة والرفاه.
4- أسس النظرية البنائية تحقق التربية الجسدية والعقلية والروحية و الاجتماعية المتوازنة المنشودة.
جدول يبين محاور صيغة التحضير المقترحة وما يتعلق بكل محور من عناصر
في كل مرة يقوم المعلم بالتحضير فإنه يفعل ذلك وفق المحاور الأربعة المبينة في الجدول أعلاه، وكلما وقف المعلم عند أحد المحاور يقوم باختيار العنصر أو العناصر التي يود التركيز عليها ونقلها للفصل.
المحور الاول: الخلفية
المادة التعليمية المقصودة أو الدرس المراد للحصة يسمى المعرفة الجديدة التي بحسب النظرية البنائية يجب أن تربط بالمعرفة القديمة التي هي أي مقدار من المعرفة السابقة الموجود بشكل مستقر وصحيح في ذهن المتعلم والتي تشكل جزءا مما أسميناه بالخلفية والتي يتم التعرف عليها عبر أساليب عديدة منها العصف الذهني والمناقشة. بروز الخلفية بشكل واضح يمكن المعلم من تكوين بعض التوقعات الإيجابية متفاديا الوقوع في شراك تكوين توقعات سلبية. ولا يمكن للمعلم أن ينجح في توصيل المعرفة الجديدة إذا لم تكن الخلفية التي بناها عن التلاميذ كافية لتبصيره بالفروقات الفردية بينهم ليخاطب كل مجموعة منهم وفقا لحاجاتهم وقدراتهم.
المحور الثاني: المشاركة
في القرن الحادي والعشرين، تحدث كل الفعاليات وتتحقق كل الإنجازات عبر استراتيجيات العمل الجماعي. ولا يمكن للتعليم أن يكون بمعزل عن هذا التوجه الجديد، فالمفروض أن يتم إشراك الطلاب في كافة العمليات التعليمية بما فيها تلك التي تدور في الفصل. وأحد الاستراتيجيات التي تعزز هذا الاتجاه هي استراتيجية جعل الطلاب يقومون بالتدريس بأنفسهم لأنفسهم. ولإنجاح هذه الاستراتيجية لابد من تبني استراتيجية موازية هي تقسيم الطلاب لمجموعات، فروح الجماعة هي التي تلهم الأفكار الجيدة حول أنجع السبل لربط التعليم بالواقع.
المحور الثالث: المهارة
التعليم كما نعلم ليس كما معرفيا فحسب، بل هو أيضا سلوكيات ومهارات يراد لها في نهاية المطاف أن ترتبط ارتباطا أزليا بالترددات اللا- إرادية للجسد. ونعتقد أن حزمة المهارات الستة المختارة بواسطة المجلس الثقافي البريطاني تمثل الجرعة الصحية المطلوبة ونحن في صدر القرن الحادي والعشرين. وكلما جلس المعلم للتخطيط للتحضير فإنه يختار من بينها واقفا مرة عند التفكير الناقد وأخرى عند التفكير خارج الصندوق ومرة ثالثة يقف عند مهارة من مهارات القيادة أو المواطنة أو المعرفة الرقمية. وعندما تقدم هذه المهارات للمعلمين فإن المطلوب منهم نقلها للطلاب كلما التقوا بهم في الصفوف الدراسية. ويمكن أن تقدم في أي مرحلة من مراحل الدرس، لكننا في هذه الصيغة المقترحة للتحضير، جعلناها تأتي في المرحلة الثالثة عندما يتوجب تعزيز المعرفة الجديدة التي اكتسبها الطالب. ففي هذه اللحظة بالذات يتم التوليف لولبيا بين المعرفة الجديدة والمعرفة القديمة والمهارة المختارة بحيث يجري هذا المزيج مع الدم في العروق ويتنقل في سلاسة بين ثنايا الأنسجة، كل ذلك بما يحقق مقولة أن التعليم هو ما يبقى في الذاكرة بعد توقف عمليات التعلم.
المحور الرابع: التغذية الراجعة
التغذية الراجعة بالنسبة للمعلم هي العمل الأكثر بروزا وحدوثا حتى نكاد نجزم أن المعلم ليس منتظرا منه أن يفعل شيئا ذا قيمة أكثر من استقبال وإرسال التغذية الراجعة بينه وبين طلابه على مدار الدقيقة. فالتغذية الراجعة وإن ذكرناها رابعا فهي أولا وثانيا وثالثا كذلك. لكن الأمر المهم هو اختيار صورة التغذية الراجعة المراد اعتمادها في كل مرة يتم الدخول فيها على الطلاب. فالتغذية الراجعة منها الشفهية ومنها المكتوبة ومنها المرموزة ومنها التي تستخدم لغة الجسد. و مهما كان نوع التغذية الراجعة المختارة، فعلى المعلم الحرص أن يجعلها ذراعه الأيمن و عكازه الذي يتوكأ عليه، و أن يجعلها تغذية راجعة فعالة تركز على الإيجابيات لا السلبيات، و تركز على المهمة لا الأشخاص.