أساسيات تحتاج معرفتها قبل مرحلة الدكتوراه
كلنا يعلم أن طالب الدكتوراه يحتاج إلى الكثير من القراءة والاطلاع “في” تخصص بحثه للدكتوراه ولكن ما يغيب عن البعض هو القراءة “عن” الدكتوراه وماتتطلبه هذه الرحلة من خبرات ومهارات وأساسيات يحتاج كل طالب دكتوراه معرفتها و أحد هذه الكتب المتعلقة بهذا الموضوع هو:
ويعتبر كدليل مبسط يتناول المفاهميم الرئيسية لهذه المرحلة مناقشاً التحديات والظروف الغير المتوقعة وشاملاً لمختلف التخصصات, والتي كوّنها الكاتب من خلال خبرته حيث واجه كثير من التحديات التي تجاوزها ونجح في كتابة رسالته خلال ثلاثة أشهر فقط، بالإضافة لخبرات طلاب آخرين ناجحين ومتميزين في هذه المرحلة. وما هنا هو ليس ترجمةً أو ملخصاً للكتاب وإنما تسليطٌ للضوء على الأفكار البارزة وبعض الاستنباطات المهمة من خلال قراءتي للكتاب ومعايشة الواقع كطالبة دكتوراه. وبالطبع أنصح بقراءته والقراءة في هذا الموضوع عامةً من مصادر مختلفة، ولكن هذه المقالة قد تعطي لمحة مختصرة عن مرحلة الدكتوراة, ودافعاً لمزيد من التوسع حول الأساسيات التي يحتاجها كل من هو مقبل على هذه المرحلة.
* الدكتوراه هي بداية الهرم الأكاديمي وليس قمته.
! The best of the best”
بدأ الكاتب بمشاعره في اليوم الافتتاحي لطلاب الدكتوراه في جامعته حيث استوقفته عبارة في خطاب العميد بأنهم “أفضل الأفضل!”. وفي حين أن العبارة تشجيعية ومحفزة إلا أنها أشعرته بشيء من القلق وبحجم المسؤولية والشك في استحقاقه فعلاً لهذا التصنيف. ومن هنا ناقش فكرة مهمة وهي اعتبار الدكتوراه أعلى مستويات الهرم التعليمي حيث التعليم الابتدائي في أسفله, وأن العدد يقل للذين ينهون المرحلة إلى ماأعلى منها, وبالتالي اعتبر طلاب الدكتوراه هم ” أفضل الأفضل”. ولكن الكاتب في المقابل يطرح فكرة أن الدكتوراه هو المستوى الأول في الهرم الأكاديمي وليس قمة الهرم حيث أن الدكتوراه تختلف عن جميع مراحل التعليم السابقة من حيث عدم وجود منهج دراسي وجدول محدد واختبارات اعتاد عليها الطالب. فمن الأفضل أن نعتبر الدكتوراه كمؤهل ابتدائي مهما كان ماأنجزته قبل ذلك، مقارنة بالأكاديميون الآخرون ممن لديهم سنوات من الخبرة تظل مبتديء. فالقضية ليست كونك “أفضل الأفضل” أم لا، وإنما كيف تبني مهاراتك وتطور خبراتك وتصبح أفضل باحث أكاديمي يمكنك أن تكونه.
* أساسيات تطوير المهارات.
إذن الهدف من الدكتوراه هو تطوير مهارات الباحث الأكاديمي والتي ترتكز على ثلاث عناصر وهي تطوير مهاراتك كباحث، فهم طبيعة البحث العلمي وتحدياته، فهم الحقل الأكاديمي وطريقة عمل الأكاديميون الخبراء. فعلى الطالب أن يمارس مهارات البحث وتطويرها بشكل تدريجي واضعاً لنفسه مهام بسيطة بحسب مستواه إلى أن يصل إلى المستوى المتقدم مع الوقت، فإن الطالب لن يكتب أفضل مراجعة للأدبيات مثلاً منذ المرة الأولى، ولن يمكنه قراءة مئة ورقة مع فهمها في نفس الوقت, بالإضافة لمهارة تلخيص الأوراق العلمية وأخذ الملاحظات…. وإنما بالاستمرار بالتعلم والممارسة مع زيادة مستوى الصعوبة وتحدي قدراتك الحالية بالتدرج مع الوقت إلى أن تصبح أكثر مهارة وتلاحظ الفرق في أدائك وسرعة إنجازك. وخلال ذلك يجب أن تتوقع حصول الأخطاء وهو أمر ضروري في مرحلة الدكتوراه ولا مفر منه فاسمح لنفسك ذلك وتكيف معه.
* مراجعة الأدبيات.
تكوين معرفة بالدراسات السابقة في مجال بحثك، والوعي بالحقل الأكاديمي الخاص بك ومايستجد فيه هو أمر محتم على طالب الدكتوراه. ولكن مايجب معرفته هو أن الكم الهائل من المنشورات التي تظهر لك عند البحث هي لم تُكتب لتُدَرّس فقد كُتبت لخبراء في نفس المجال افتراضاً أن لديهم مستوى عالي من الخلفية عن موضوع البحث. والصعوبة الأخرى أن ليس هناك منهج يوجهك للاطلاع على هذه الأوراق بترتيب معين أو عدد محدد. بالإضافة إلى أن ليس كل ماينشر جيد, فعلى الطالب أن يعي أن عليه أن يختار من بين هذا الكم ويفرق بين الأوراق ذات الجودة العالية والضعيفة ومن ثم يبني مكتبة مراجع يقوم بتصنيفها باستخدام برامج المراجع المختلفة. وهنا يأتي تطبيق قاعدة تطوير المهارات السابقة بحيث يصبح تحديد المراجع وفهمها أسهل مع تقدم الخبرة. فالأكاديمي ذو الخبرة الطويلة يمكنه الاطلاع السريع على مجموعة كبيرة من الأوراق العلمية ويحصل على فهم جيد للمحتوى, ولكن ذلك لم يحصل إلا لأنه قد بنى معرفة مسبقة حول الدراسات الأخرى في الحقل بحيث زودته بالسياق الذي يستطيع أن يضع فيه الأبحاث الجديدة.
* الأكاديمي وجودة الكتابة.
أي أكاديمي طموح يحتاج أن يكون قادراً على الكتابة, فإيصال البحث وتبليغه يكون عن طريق الكتابة. وعلى الرغم من أهمية الكتابة بالجيدة جودة البحث هي الأهم، فإن كان البحث ضعيفاً فمهما كان كانت جودة كتابتك فلن تفيد. وبالمقابل إن كان البحث ممتازاً فإن الكتابة لابد أن تكون بالمستوى المطلوب لإيصال البحث بوضوح حتى يقيم بما يستحق. وعند الحديث عن الكتابة يأتي مصطلح جميل يسمى “flow state”أو “حالة التدفق” , وهي تصف حالة التركيز الكامل عندما تكون مندمج تماماً في العمل بحيث تصبح لاواعي بمرور الزمن, غير واعي بالجوع أو عدم الراحة وإنما بالعمل الموجود أمامك فقط. وفي حالة التدفق تصبح الكتابة وكأنها تحصل من تلقاء نفسها والكلمات تتدفق على الصفحات، وهي حالة رائعة حين تجربها ولكن قد تكون مزعجة إن لم تستطع تكرارها فتعاني وتجاهد في كتابة كل جملة. والنصيحة الشائعة لكي تحقق هذه الحالة هي أن لاتفكر كثيراً حين تكتب, فقط ضع الكلمات على الصفحة بشكل سريع دون أن تقلق بشأن التفاصيل الدقيقة أو الترتيب, لأنك دوماً تستطيع أن تعدل لاحقاً. هذه الطريقة أساسها هو تجنب الكمال فحين تصبح أقل نقداً لكتابتك يمكنك بسرعة أن تكوّن محتوى كبير وبالتالي يصبح لديك ماتعمل عليه بشكل مفصل. وكما أن الكمال قد يصل بك إلى عدم إكمال العمل وتسليمه إلى أن عكس ذلك تماماً يعد إهمالاً وينتج محتوى غير مقبول, فالمقصود أن يعود الكاتب للتفاصيل ويراعي مستوى من الدقة بين هذين المستويين.
* أنشر أو مت !
“Publish or perish”
المنشورات العلمية هي روح المهنة الأكاديمية وهي المقياس الرئيسي لتقييم أغلب الأكاديميين. في أغلب البيئات الأكاديمية، إن لم تنشر فإن مستقبلك المهني سينحدر تلقائياً. فعلى ماذا يعتمد النشر؟ لكي تنشر ورقة فإنها ستدخل ضمن مراحل تحكيم من قبل خبراء في مجالك ليقيموا جودة البحث وأصالته وأهميته. ذلك يتطلب أن يكون الطالب مواكب لأخر مستجدات حقل تخصصه وجميع البحوث التي نشرت سابقاً بحيث يأتي بحثه ليغطي الثغرة المعرفية التي لم يتم التطرق إليها من قبل. كثير من الجامعات تتطلب عدد معين من المنشورات ليجتاز الطالب الدكتوراه، و إن لم يكن متطلب فإن المناقشة النهائية ستكون عبارة عن تقييم هل البحث قابل للنشر أم لا، فإن كان الطالب قد نشر فذلك إثبات أنه قادر على إجراء بحث بتلك المعايير. يعتبر النشر في مجلات محكمة بمستوى أعلى من النشر في المؤتمرات، ولكن المؤتمرات تعطي فرصة للتعرف على باحثين لديهم نفس اهتماتك خارج إطار جامعتك, بالإضافة لممارسة مهارة الإلقاء لورقتك والحصول على تغذية راجعة من الحضور من نفس مجالك. وفي رحلة الدكتوراه يستحسن أن تجرب أنواع النشر المختلفة من ملصق علمي أو ورقة في مؤتمر إلى مقال مجلة علمية محكمة أو فصل في كتاب…
* البحث الأكاديمي غير قابل للتنبؤ
“Research is unpredictable”
أبحاث الدكتوراه تختلف من تخصص لآخر ولكن الأمر الذي تشترك فيه عامةً هو حصول نتائج غير متوقعة رغم التخطيط الجيد, حيث أن الغرض من البحث الأكاديمي هو اكتشاف نتائج ومنهجيات وأفكار غير مسبوقة. وهذا يعني أن طالب الدكتوراه لابد أن يتطرق لأمور خارج إطار معرفته وخبراته ولكن عليه أن يتكيف مع الظروف الغير متوقعة ويعلم أن ردة فعله تجاه كل فشل هو مقياس نجاحه. فالبحث لا يمر بخط مستقيم وإنما بعملية تجريب وخطأ وحل مشكلات. والسجية الأخرى هو أن البحث يزداد تعقيداً مع التقدم فيه، حيث أن ماتتوصل إليه يثير أسئلة جديدة ويفتح آفاق ومواضيع مترابطة وهنا تكمن أهمية أن يأخذ الطالب وقته في اتخاذ القرار حول أي موضوع سيكمل وفي أي جانب سيركز بحثه.
وأخيراً يمكن للقاريء أن يتوسع من هنا ويبحث عن مراجع أخرى تركز في كل جانب من الجوانب على حدة, كالنشر في المجلات والمؤتمرات, ومراجعة الأدبيات, واختيار المشرف, والكتابة الأكاديمية, ومهارات البحث وغيرها. وبذلك تكون قد حصلت على خلفية شاملة وجيدة تدخل بها في رحلة الدكتوراه والتي ستكون بداية نجاحاته العلمية وإنجازاته البحثية المميزة.