أجمل قصيدة حب في الشعر العربي..
أجمل قصيدة حب .. كنت أتوقف أمام نص شعري فاتن لأحد الشعراء العرب، وكانت تلك القصيدة تنطق بأصدق المشاعر وأنبل العواطف، وأتحدث مع نفسي فأقول:
إن كل قصيدة من تلك القصائد يمكن اعتبارها أجمل قصيدة حب في الشعر العربي، نعم فهو يحفل بالكثير من تلك الكنوز الأدبية المليئة بتلك المشاعر السامية.
ما هي أجمل قصيدة حب في الشعر العربي
قصيدة حب.. إن الشعر العربي قديمه وحديثه حافل وذاخر بتلك القصائد والكنوز والدرر الثمينة والكامنة بين طياته تنتظر من يجلو عنها غبار النسيان ويقديمها للأجيال الحديثة للإطلاع على تلك المشاعر الإنسانية الجيّاشة التي كان العراء يتمتعون بها، علّا الذائقة الفنية للأدي ترتفع عند هذا النشئ الحديث من هذه الأجيال الصاعدة والتي تحيا الفراغ العاطفي وتعيش بين هذه الأشياء الحديثة والتقنيات التي لا مشاعر إنسانية لها وتعمل على تجذير الوحدانية وعدم التواصل بين الأفراد إلّا من خلال تلك الأدوات اللا إنسانية.
وسائل التواصل الاجتماعي التي قتلت روح العائلة وفرقت أفراد الأسرة والمجتمع عن بعضها، فأنت ترى الأسرة مجتمعة إلّا أن كل فرد لاه من خلال (الموبايل) عن أخيه وأبيه وأمه وأبيه، لقد قتلت تلك الوسائل الروح العائلية وقرقت الناس عن بعضهم .
لذلك أرى أن هذا المقال من الممكن أن يكون حجر الواوية في إعادة اللحمة بين الأبناء والآباء والعائلة من خلال إيقاظ تلك المشاعر التي نسيها أبناء زمن (السوشال ميديا Visual Media).
سأعمل على اختيار عدد من القصائد التي يمكن اعتبار كل قصيدة هي أجمل قصيدة حب في الشعر العربي، نعم وسأبدأ بقص��دة (وأمطرت لؤلؤا من نرجس).
قصيدة (وأمطرت لؤلؤا من نرجس) للشاعر يزيد بن معاوية
هي من أجمل قصائد الحب في الشعر العربي، صاحبها الشاعر (يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي) وهو الخليفة الثاني من خلفاء الدولة الأموية في الشام، ولد ونشأ في دمشق، وقد تولى الخلافة بعد وفاة أبيه (معاوية) سنة (60) للهجرة.
ويعتبر أكثر شعره من الجيد والحسن، وقد أتته البلاغة التي نراها في شعره نتيجة الطفولة التي عاشها في كنف أخواله (بني كليب) في البادية، ونتيجة ملازمته لمجالس والد (معاوية) التي كان يكثر فيها الشعراء والأدباء، وهذه القصيدة التي بين أيدينا (وأمطرت لؤلؤا) تعتبر أشهر قصائد (يزيد بن معاوية) على الإطلاق، ويقول فيها:
“وأمطرت لؤلؤا من نرجس وسـقت *** ورداً وعضت على العنــــاب بالبرد
نالــت على يدها ما لم تنله يدي *** نقشاً على معصمٍ أوهت به جلدي
كأنـــــــهُ طُرْقُ نملٍ في أناملهـــا *** أو روضةٌ رصعتها السُـــــحْبُ بالبردِ
وقوسُ حاجبها مِنْ كُلِّ ناحيــــــةٍ *** وَنَبْلُ مُقْلَتِها ترمي به كبـــــــــــدي
مدتْ مَوَاشِطها في كفها شَـــرَكاً *** تَصِيدُ قلبي بها مِنْ داخل الجســـد
إنسيةٌ ��و رأتها الشمسُ ما طلعتْ *** من بعدِ رُؤيَتها يومـــاً على أحــــــدِ
سَــــألْتُها الوصل قالتْ : لا تَغُرَّ بِنا *** من رام مِنـــا وِصالاً مَـــاتَ بِالكمـــدِ
فَكَم قَتِيلٍ لَنا بالحبِ ماتَ جَــــوَىً *** من الغـــرامِ ولم يُبْـــدِئ ولم يعــــدِ
فقلتُ : اسـتغفرُ الرحمنَ مِنْ زَلَلٍ *** إن المحـــبَّ قليــل الصبــر والجلــــدِ
قد خَلفتني طرِيحاً وهي قائلــــةٌ *** تَأملـــوا كيف فِعْلُ الظبيِ بالأســـــدِ
قالتْ: لطيف خيالٍ زارني ومضى *** بالله صِفـــهُ ولا تنقص ولا تَـــــــــــزِدِ
فقال: خَلَّفتُهُ لو مــــات مِنْ ظمَأٍ *** وقلتُ: قف عن ورود المـــاء لم يـــــرِدِ
قالتْ: صَدَقْتَ الوفا في الحبِّ شِيمتُه* يا بَردَ ذاكَ الذي قالـــتْ على كبـــدي
واسترجعتْ سألتْ عَني فقيل لها *** ما فيه من رمقٍ ودقـــتْ يـــداً بِيَــــــدِ
وأمطرتْ لُؤلؤاً من نرجسٍ وسقتْ *** ورداً وعضــتْ على العِنـــابِ بِالبــــــردِ
وأنشـــدتْ بِلِســـان الحالِ قائلةً *** مِنْ غيـــرِ كُرْهٍ ولا مَطْـــلٍ ولا مـــــددِ
واللهِ ما حزنـــتْ أخـــتٌ لِفقدِ أخٍ *** حُزنـــي عليـــه ولا أمٌ علـــى ولـــــدِ
إن يحسدوني على موتي فَوَا أسفي * حتى على الموتِ لا أخلو مِنَ الحسدِ”
قصيدة أراك عصي الدمع
هذه قصيدة تعتبر نموذجًا للشعر العربي الأصيل حيث صدرت من وجدان شاعر فارس عاشق، معتز بنفسه وبنسبه العريق، الذي ينتهي إلى قبيلة تغلب العربية، وهي لشاعر هو (أبو فراس الحمداني) الأمير وابن عم الأمير (سيف الدولة الحمداني) أمير حلب، أشهر الأمراء الذين خلدهم الشاعر (المتنبي).
الشاعر (أبو فراس الحمداني) شاعر قصيدة (أراك عصي الدمع) أجمل قصيثدة حب في الشعر العربي.
ولد الشاعر في (الموصل) عام تسمائة واثنتين وثلاثين للميلاد، قتل والده وهو طفل صغير، فربي في كنف ابن عمه (سيف الدولة)، ونشأ أبو فراس على الأدب والفروسية، ومن ثم تقلد إمارة (منبج وحرّان) ولم يبلغ السادسة عشرة من عمره، وكان الأمير يصحبه معه في كل معاركه وما كان أكثرها، ضد (الروم) الطامعين في أرض وطننا العربي، الذي تفتت بانحلال الدولة العباسية إلى إمارات وكان قدر (الحمدانيين) و(سيف الدولة) على الأخص أن يكون الحصن المنيع في وجه الدولة البيزنطية الطامعة في أرضنا.
ويتم أسر الأمير (أبو فراس) في إحدى المعارك، ويبقى في الأسر عدة سنوات يتأخر اب عمه عن مفاداته مباشرة، فيكتب شاعرنا الفارس الأسير أعظم قصائده الشعرية وهو في الأسر وسميت تلك القصائد (بالروميات) وكانت استعطافًا للأمير (سيف الدولة) لمفاداته من الأسر، وبعد ان تمت مفاداته وتخليصه من الأسر تولى إمارة حمص (حمص)، وبعد أن مات الأمير (سيف الدولة) نشب الخلاق بين الأمير (أبو فراس) والأمير (أبي المعاني) ابن (سيف الدولة) وتقع الحرب بينهما وقتل ابو فراس في نهاية الحرب في حمص وكان ذلك سنة تسعمائة وثمانية وستون للميلاد.
أبو فراس الحمداني الشاعر
له ديوان من الشعر الحماسي الجزل القوي، يحكي فيه تاريخه ويصف فروسيته ويفخر بمآثره، ويثني فيه على الأمير (سيف الدولة).
ومن أهم قصائده التي ذاع صيتها واشتهرت هذه القصيدة التي بين أيدينا (أراك عصي الدمع) أجمل قصيدة حب فغي الشعر العربي، التي تصور عاطفة ووجدان الشاعر الذي يذوب رقة مع عزة نفس وكبرياء وشموخ حيث يقول في أحد أبيات القصيدة:
نحن أناس لا توسط بيننا لنا *** الصدر دون العالمين أو القبر
كما زادت شهرة هذه القصيدة عندما غنتها سيدة الغتاء العربي (كوكب الشرق) السيدة (أم كلثوم) ورددتها معها الألوف من المعجبين بعاطفة الشاعر وكبريائه وشممه، وفنه الشعري القدير، وذو الصياغة الأدبية البديعة، وسنتوقف مطولًا مع هذه القصيدة تذوقًا وقراءة وتأملًا..
استهلال وتقديم
“أراك عصي الدمع شـــــيمتك الصبر *** أما للهوي نهي عليك ولا أمـر
بلى، أنا مشـــــــتاق وعندي لوعة *** ولكن مثلي لا يذاع له ســـــــر
إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى *** وأذللت دمعًا من خلائقه الكــبر
تكــــــــاد تضيء النار بين جوانحي *** إذا هي أذكتها الصبابة والفكـــر
معللتي بالوصـــــــــل والموت دونه *** إذا بت ظمآنًا فلا نزل القطـــــــر”.
هي والوشاة
“بنفسي من الغادين في الحيّ غادة *** هواي لها ذنب، وبهجتها عـــذر
تروغ إلى الواشـــــــين فيّ، وإن لي *** لأذنابها عن كل واشــية وقـــــر
فإن يك ما قال الوشــــــــاة ولم يكن *** فقد يهدم الإيمان ما شيد الكفر”
بين الشاعر والحبيبة
“وفيت وفي بعض الوفــــــــــــاء مذلة *** لإنسانة في الحي شيمتها الغدر
تســــائلني : من أنت؟ وهي عليمة *** وهل بفتى مثلي على حاله نكر
فقــــــالت: لقد أزرى بك الدهر بعدنا *** فقلت: معاذ الله بل أنت لا الدهـر
وقلّبت أمري لا أرى لي راحـــــــــــة *** إذا البين أنســـاني ألح بي الهجر”.
فخر واعتزاز بالنفس
“فلا تنكريني يا ابنة العم، إنـــــــــه *** ليعرف من أنكرته البدو والحضـــر
ولا تنكريني، إنني غير منكـــــــــــر *** إذا زلت الأقدام، واستنزل الذعــر
وحي رددت الخيل حتى ملكتــــــه *** هزيمًا، وردتني البراقع الخمــــــر
وســـــــــاحبة الأذيال نحوي لقيتها *** فلم يلقها جافي اللقاء ولا وعـــر
وما حاجتي بالمال أبغي وفـــــــوره *** إذا لم أصن عرضي فلا وفر الوفر”
قصة الأسر
“أسرت وما صخبي بعزل لدى الوغى *** ولا فرسي مهر ولا ربه غمــــر
ولكـــــــــن إذا حم القضاء على امرئ *** فليس له بر يقيه ولا بحـــــــر
وقـــــــــال أصيحابي: الفرار أو الردى؟ *** فقلت: هما أمران أحلاهما مرّ
ولكنني أمضي لمـــــــــــــا لا يعنيني *** وحسبك من أمرين خيرهما الأسر
يقولون لي بعت الســـــــلامة بالردى *** فقلت: أما والله، ما نالني خسـر
وهل يتجافى عني الموت ســـــــاعة *** إذا ما تجافى عني الأسر والضرّ
هو الموت فاختر ما عــــــــلا لك ذ��ره *** فلم يمت الإنسان ما حيي الذكر”
عودة إلى الفخر والاعتزاز بالنفس
“ســـــــيذكرني قومي إذا جد جدهم *** وفي الليلة الظلماء يفتقد البـــدر
فإن عشـــــت، فالظعن الذي يعرفونه *** وتلك القنا والبيض والضمر والشقر
وإن مت فالإنســـــــــــــان لا بد ميت *** وإن طالت الأيام وانفسح العمـــــر
ونحن أناس لا توســـــــــــط بيننــــــا *** لنا الصدر دون العالمين أو القبــــر
تهون في المعـــــالي نفوســــــــــنا *** ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر
أعزّ بني الدنيا وأعلى ذوي العــــــلا *** وأكــــــرم من فوق التراب ولا فخــــر”
قصيدة (يا ظبية البان)
هي أجمل قصيدة حب في الشعر العربي للشاعر (الشريف الرضي) الذي لا يذكر حتى يتبادر إلى البال قوله:
“ولقد مررت على دبارهمو *** وطلولهـــا بيد البلى نهب
فوقفت حتى ضج من لغب *** نضوي ولج بعذلي الركب”
ولد شاعرنا (الشريف الرضي) سنة ثلاثمائة وتسعة وخمسين من الهجرة، وتوفي في سنة أربعمائة وست من الهجرة، عن عمر يناهز السابعة والأربعين عامًا، وترك لنا ديوان شعر ومصنفات عدة منها:
(نهج البلاغة والمتشابه في القرآن ومجازات الآثار النبوية والحسن من شعر الحسن للحجاج وكتاب سيرة والده ورسائل الشريف الرضي).
في الحقيقة قد ترك لنا الشاعر الشريف الرضي أجمل ما يكون من شعر الغزل وأرقه على الرغم من مكانته الدينية وحسبه ونسبه، واستطاع ان يعبر عن الوجد والحنين بصورة شعرية رقيقة فريدة بصياغة غاية في العذوبة فيقول:
“أقول _ وقد أرســـلت أول نظرة _ *** ولم أر من أهوى قريبًا إلى جنبي
لئن كنت أخليت المكان الذي أرى *** فهيهات أن يخلـو مكانك من قلبي
وكنت اظن الشــــوق للبعد وحده *** ولم أدر أن الشــوق للبعد وللقرب”
ومن يتأمل في شعر (الشريف الرضي) يلاحظ مباشرة معاني العفة غي غزلياته وإن تكن رغباته الدفينة وأشواقه الحرّى تحرق روحه من الداخل وتنزوي عواطفه في نفسه.
فيقول:
“خلونا فكــــانت عفة لا تعفف *** وقد وفعت في الحي منا الموانع”
لقد ولد (الشريف الرضي) بعد وفاة الشاعر (المتنبي) بعدة سنوات لكنه تلقى تعليمه على أيدي أناس شديدي التأثر بشعر (المتنبي) لذلك نرى تأثر شاعرنا بشعر (المتنبي) من خلال معارضاته لقصائده.
ومن المعلوم عن الشاعر (الشريف الرضي) أنه لم يقبل المال من أحد ولم يتخذ شعره للتكسب منه، وكانت له هيبة واحترام من قبل محبيه وقد لقبوه (بالرضي ذي الحسنيين). ولنأتي الآن إلى أجمل قصيدة حب في الشعر العربي للشاعر (الشريف الرضي) ألا وهي قصيدة (يا ظبية البان):
“يا ظبية البان، ترعى في خمائله *** ليهنك اليوم أن القلـــــــب مرعاك
الماء عندك مبذول لشـــــــــــــاربه *** وليس يرويك إلّا مدمعي الباكي
سهم أصاب وراميه بذي ســــــلم، *** من بالعراق، لقد أبعدت مرماك
أنت النعيــــم لقلبي والعذاب لــــه *** فما أمرّك في قلبي وأحــــلاك
عندي رسائل شوق لست أذكرها *** لولا الرقيب لقد بلغتها فــــــاك
لما غدى السرب يعطو بين أرحلنا *** ما كان فيه غريم القلــــب إلّاك
هامت بك العين لم تتبع سواك هوى *** من أعلم العين أن القلب يهواك
يا حبـــذا نفحـــة مرت بفيك لنـــا *** ونطفة غمســـــت فيها ثناياك
وحبذا وقفــــة والركـــب معتقـــل *** على ثرى وخدت فيه مطــاياك
لو كانت اللمة السوداء من عددي *** يوم النعيم، لما أفلت أشراكي”
قصيدة (أضحى التنائي) للشاعر ابن زيدون
من هو الشاعر ابن زيدون صاحب القصيدة التي يمكن اعتبارها أجمل قصيدة حب في الشعر العربي:
هو أبو الموليدأحمد بن زيدون المخزومي، والمعروف (بابن زيدون) ولد في (قرطبة) في الأندلس سنة (1003) للميلاد الموافق لسنة (394) للهجرة وتوفي سنة (1071) للميلاد الموافق لسنة (463) للهجرة، عرف عنه حبه الشديد (لولّادة بنة المستكفي)، وكان وزيرًا (للوليد بن جهور) صاحب (قرطبة)، ومن ثمّ استطاع الوشاة الوقيعة بينه وبين (ابن جهور) حيث اتهمه بالميل إلى (المعتضد بن عبّاد) أمير إشبيلية فأمر بسجنه، غير أن (ابن زيدون) استطاع الهرب من سجنه والتحق ببلاط (المعتضد بن عبّاد).
يرع (ابن زيدون) في الشعر والنثر على حد سواء، ومن اشهر قصائده القصيدة المعروفة (بالنونية) ويقول مطلعها:
“أضحى التنائي بديلًا عن تدانينا *** وناب عن طيب لقيانا تجافينا”
وهي القصيدة التي بين أيدينا كما أسلفنا بأنه يمكن اعتبارها أجمل قصيدة حب في الشعر العربي:
وهي قصيدة تعكس الذوق العام في الأندلس وما وصلت إليه الحياة الاجتماعية من انفتاح ولهو لحد الضياع، وتتألف القصيدة من عدد من الوحدات المترابطة والتي تملك وحدة الموضوع، وقد نعى ابن زيدون في مستهل القصيدة زمان الوصل مع الحبيبة حيث يبدأ بكلمة (أضحى) وهي فعل ماض يشير إلى موضوع القصيدة من حيث اللوعة والغم والحزن على الماضي السعيد.
كما أطلعنا الشاعر من خلال قصيدته هذه على أدق تفاصيل حبه وتبدل أحواله من جرّاء أفعال الوشاة
“أَضْـــحَى التَّــنَائِـي بَدِيْـــلاً مِــنْ تَدانِــــيْــنــا
وَنَا بَ عَــنْ طِيْـــبِ لُقْــيَانــا تَجـَافِــيْــــــنَــا
ألا وقـــد حـــانَ صُبــــح الــبَيْـنِ صـــَبَّحنـا
حِـــيـنٌ فقـــام بنـــا للحــِيـــــــن ناعِـيـــنــا
أن الـزمـان الـذي مـــا زال يُضــــحكــــــنـا
أنسًــا بقربـهـم قـــد عـــــــاد يُبــكيـــــنـــا
غِــيظَ العِـدى من تـساقينا الهـوى فـدعــوا
بـأن نَغُـــــصَّ فـقـــال الدهــــر آميـــــنــــا
فانحــــلَّ مــا كـــان معـــقـودًا بأنــفســـنــا
وانـبـتَّ مـا كـــان موصـــــولاً بأيــــدينــــا
لــم نـعتقـد بعـدكـــــم إلا الوفـــــاءَ لكـــــم
رأيًـــا ولـم نـتـقلـــد غـيــــــرَه ديـنــــــــــا
مــا حــقنا أن تُقـــروا عيــــنَ ذي حسـد بنــا،
ولا أن تســـــروا كـاشــحًــــا فيــــنـــــا
كنـــا نــرى اليـــأس تُســلـينـا عوارضُــــه
وقـد يئسنــــا فمــــــا لليــــأس يُغـريــنــــا
بِنتــــــم وبــنـا فـمـا ابتـتــــت جــوانـحُنــا
شوقًـا إلــيكــــم ولا جــــفـــت مآقيـــــــنـا
نـكــاد حيــــن تُناجــيـكـم ضـمائـــــرُنـــــا
يَقضـــي عليـنا الأســــى لـــولا تـأسِّـــيـنـا
حالـــــت لفــقـدكـم أيامـنـــــا فَـغَـــــــــدَتْ
سُـود ًا وكانـــت بكـــم بـيضًـــا لياليـــــنــا”
قصيدة (الأطلال) للدكتور ابراهيم ناجي
هي قصيدة حب عاثر، التقى العاشقان فتحابا غير أن القصة انتهت بحيث أصبحت هي أطلال جسد، وأمسى هو أطلال روح، وهنا الشاعر (الدكتور ابراهيم ناجي) يسجل وقائع ملحمة الحب تلك، فكانت أجمل قصيدة حب في الشعر العربي الحديث.
من هو الدكتور الشاعر (ابراهيم ناجي)
هو شاعر من اعلام الشعر المعاصر في مصر العربية، وأحد رواد (جماعة أبوللو) الأدبية والتي كان يرأسها الشاعر (أحمد شوقي) أمير الشعراء، وقد أسهمت هذه الجماعة في تطوير الشعر العربي الحديث وعمدت إلى ربطه بالوجدان الإنساني، عرق شاعرنا بالاتجاه الرومانسي الغنائي.
ولد الشاعر في الواحد والثلاثين من شهر أيلول من العام (1898) في أحد أحياء القاهرة العريقة وهو حي (شبرا) وتوفي في العام (1953) وكان في عمر الخامسة والخمسون.
تأثر بشعر (المتنبي وابن الرومي وأبو نواس..) وغيرهم الكثير من فحول الشعر العربي.
قصيدة الأطلال
تتمثل بها صورة صادقة لملامح الحب المأساوي، حيث تتماوج مقاطع القصيدة بكل ما تحمله قصص الحب من لوعة وتذكر وحسرة، وافتتان بالحب، حيث يلتقي الحبيبان فيبوحان بسرهما، ويسود الفرح حياتهما غير أن الأيام تقلب لهما ظهر المجن، وتعبث المقادير والقضاء يضرب ضربته الموجعة، ويتغير الحال، وتصبح الحبيبة أطلال جسد بينما يمسي هو أطلال روح، لكنه مؤمن بقدره العابث، ومستسلم للنهاية الفاجعة للحب فيقول:
“فإذا أنكر خل خلّــــــه *** وتلاقينـــا لقـــاء الغربـــــــاء
ومضى كل إلى غايته *** لا تقل شئنا، فإن الحظ شاء”
هذه ملحمة الدكتور (ابراهيم ناجي) أجمل قصيدة حب ولوحة أخّاذة موحية بالقدرة الكبيرة له على التعبير والتصوير وتجسيد الجو العاطفي والنفسي، يبقى أن نقول عن هذه القصيدة (الأطلال) ظلت ملحمة شعرية غير معروفة إلّا من قبل الخاصة ودارسي الأدب، وبقيت كذلك حتى وصلت بعض مقاطعها لأسماع لأسماع الملايين عندما شدت بها السيدة (أم كلثوم) كوكب الشرق، فذاع صيتها وانتشرت وأصبحت هذه القصيدة أشهر ما كتبه الدكتور (ابراهيم ناجي) على الإطلاق وتقول كلمات القصيدة:
“يا فؤادي، رحــــم الله الهوى *** كان صرحًا من خيال فهـــــوى
اســقني واشرب على أطلاله *** وارو عنّي طالمــــــا الدمع روى
كيف ذاك الحب أمســـى خبرًا *** وحديثًا من أحاديث الجــــــــوى
لســــت أنســـاك وقد ناديتني *** بفم عذب المناداة رقيـــــــــــق
ويـــد تمتـــد نحـــوي، كيــــــد *** من خـــــلال الموج مدت لغريق
وبريقًا يظمأ الســـــــــــاري له *** أين في عينيـــك ذيّـــاك البريق
لســت أنســاك، وقد أغريتني *** بالذرى الشّـم، فأدمنت الطموح
أين من عيني حبيب ســــاحر *** فيــــه نبـــل وجـــلال وحيـــــــاء
واثق الخطوة يمشـــــي ملكًا *** ظالم الحســــن، شهي الكبرياء
عبق الســـحر كأنفاس الربى *** ســـاهم الطرف كأحلام المساء
أيـن مني مجلس أنـــت بـــه *** فتنــة تمـت ســــناء وســــنى
وأنــــا حـــــب وقلـــــب ودم *** وفراش حائـــــــــر منــــك دنـــــا
ومن الشــــوق رســول بيننا *** ونديـــم قدّم الكــــــأس لنــــــــا
يا حبيبًــــا زرت يومًـــا أيكـــه *** طائـــر الشـــــــوق أغني ألمي
لك إبطــاء المـــدل المنعــــم *** وتجنــــي القــــادر المتحكـــــم
وحنيني لك يكــــوي أضلعـي *** والثوانــــي جمرات في دمـــي
أعطني حريتي أطلق يديّــــا *** إنني أعطيت ما استبقيت شيّ
آه من قيــدك أدمى معصمي *** لـــم أبقيـــه ومـــا أبقى علـــي
ما احتفاظي بعهود لم تصنها *** وإلام الأســـــــر والدنيــــا لــديّ
أيهـــا الشــــــــــاعر تغفــــو *** تذكـــــــــر العهـــــد وتصحــــــو
وإذا مــــــا التــــــأم جــــــرح *** جـــد فـــي التذكـــــار جــــــرح
فتعلّـــــــم كيــــف تنســـــى *** وتعلّــــــــم كيــــــف تمحـــــــو
يا حبيبي كل شــــيء بقضاء *** مــــا بأيدينـــا خلقنـــا تعســـاء
فإذا أنكـــــر خـــــل خلــــــــه *** وتلاقينـــــا لقــــــاء الغربـــــــاء
ومضـــــى كــــل إلى غايتــه *** لا تقل شـــئنا فإن الحظ شـــاء”
الخاتمة
إن هذا المقال الذي تحدث عد عدد من القصائد الشعرية التي تعتبر كل واحدة منها أجمل قصيدة حب في الشعر العربي، ذلك أن اتفاق الرأي على قصيدة واحدة بأنها هي أجمل قصيدة حب في الشعر العربي شيء من المحال ذلك أن الأمر يعتمد على الذائقة الشعرية والفنية للمهتمين بالشعر وهذا شيء لا يمكن أن يكون موحدًا على الإطلاق.
كما أنه من الممكن القول بأن كل قصيدة من تلك القصائد التني قدمنا لمحة عنها وبعضًا يسيرًا من أبي��تها إنما هي تشير إلى امرأة معشوقة، قد فتنت شاعرها وهام بها مما ألهم لديه إبداعه الشعري فأبدع تلك القصيدة الخاصة به، الأمر الذي جعل منها تمثال جمال خارق، مما جعل نظرة المجتمع إلى المرأة تتغير وتصبح نظرة إلى كائن إنساني يمتلئ بالمشاعر والأحاسيس والعواطف الإنسانية.
أرجو أن يكون هذا المقال قد حقق الغاية المرجوة مكنه بتوسيع المدارك الثقافية التي تخص بعضًا من القائد التي من الممكن أن تكون مجهولة من قبل عدد كبير من الزوار.